ما جرى في الأسواق المالية على أيدي مهندسي صناعة الأوراق المالية في الغرب لا يمكن وصفه إلا كما ورد على لسان المستثمر الشهير جورج سوروس: «القنابل الهيدروجينيّة»، أو المستثمر المخضرم وورن بافيت: «أسلحة الدمار الشامل المالية». وللدول العربيّة حصّة في هذه التراجيديا الماليّة، وخصوصاً أنّ استثماراتها في السوق الأميركيّة تجاوزت 1.5 تريليون دولار
نيويورك ــ نزار عبود
بعد الانهيارات المصرفية في الولايات المتّحدة، التي يُتوقّع أن تتسارع وتيرتها خلال الأشهر القليلة المقبلة، قد تنهار شركات خدمات بطاقات الائتمان بالجملة بسبب تضخم حجم القروض الشخصية. والأخطر أن يستدين المستثمرون، بهدف تعويض خسائرهم، من خطوط الائتمان القليلة المتاحة وتوظيفها في أسواق الاستثمار للتعويض عن الخسائر السابقة.
هذا الأمر نبّه إليه محافظ المصرف المركزي الأوروبي، جان كلود تريشيه، الذي قال: «يُرجح أن تنشأ فقاعة عندما يتمكن المستثمرون من تعزيز مراكزهم الاستثمارية باستثمار أموال مقترضة». في هذه الأعاصير والحرائق المالية، يطرح السؤال عن مصير الاستثمارات العربية في الخارج، وعن المدى الذي يمكن أن تصل إليه الأزمة الماليّة العالمية الحالية.
الوضع الحالي يتلخص في أن المصارف الغربية أقرضت بسخاء «مقامرين». كثير من هؤلاء استثمروا الديون ولم يضعوا مدخرات شخصية في الاستثمارات، بل استغلّوا السيولة المتاحة ليقترضوا في أغلب الحالات بنسبة 100 في المئة. وكان بعضهم يقترض أموالاً يشتري بها أسهماً أو سندات أو عقارات رهاناً على المدّ المالي الوهمي.
وحتى الآن، لا يعرف أحد بالتحديد مدى انكشاف المصارف الاستثمارية العربية على هذه المخاطر التي تهدد بالانفجارات الانشطارية المتتالية. ستبدل خريطة الاستثمار لمصلحة النموذج المالي المحافظ الذي اتفقت «العبقريات الماليّة» على إطاحته من خلال تقديم أنماط مشتقة معقدة زادت من تعقيد حياة البشر. والمصارف التي كانت تطمع في تحقيق أرباح سريعة من نشاطات استثمارية خاطفة، مهددة الآن بخسائر فادحة تهدّد بقاءها.
الاستثمارات العربية المباشرة بدأت تعاني تراجيديا الاستثمارات الغربية المتهالكة. إذ لم تمضِ سوى سنة فقط على ضخ هيئة استثمار أبو ظبي السيادية 7.6 مليارات دولار في «Citibank»، مستحوذة على نحو 5 في المئة من قيمته، حتى تعاظمت مصائب المصرف الأميركي ليقترب الآن من إعلان إفلاسه، مترنحاً تحت وطأة القروض الفاشلة.
المبلغ الذي قدمته أبو ظبي كان أصغر بكثير من أن ينقذ مغامرة قروض التسليف العقاري التي ركبها المصرف. وتلقت أبو ظبي بموجب الصفقة وعداً في الحصول على عائد سنوي بنسبة 11 في المئة إلى حين تحويل الاستثمار إلى أسهم لا تقلّ قيمة الواحد منها عن 37.24 دولاراً بعد آذار 2010. لكن السهم أقفل الأسبوع الماضي على 3.7 دولارات!
وعندما ضخت العاصمة الإماراتيّة ذلك المبلغ، بنت قرارها على تجربة رجل الأعمال السعودي، الوليد بن طلال، الذي وظف 600 مليون دولار في الثمانينيات في المصرف، وتحولت إلى مليارات خلال بضعة أعوام. على أن التاريخ في هذه المرة لم يعد نفسه. ويُطرح السؤال حالياً عن مصير أكثر من 1.5 تريليون دولار من الأموال العربية المستثمرة في الأسواق الأميركية.
والاستثمارات العربيّة في السوق الأميركية تعاظمت قيمتها بدءاً من عام 2005 بعدما شهدت تراجعاً في السنوات الأربع التي سبقتها، ولا سيما بعد انهيار البورصات عام 2001. فمن خمس صفقات بقيمة 200 مليون دولار في عام 2005 قفزت الاستثمارات من أربع دول خليجية إلى 8 صفقات بقيمة 3.565 مليارات دولار في 2006 وظفتها السعودية والكويت والإمارات والبحرين من فائض عائدات النفط.
وفي عام 2007، وظفت الدول نفسها 39.937 مليار دولار في 29 صفقة شملت مصانع كيميائية مثل مصنع «GE Plastics» الذي اشترته السعوديّة بـ11.6 مليار دولار. واشترت الكويت مصنع «Dow Chemical» بقيمة 9.5 مليارات دولار. ثم عادت، ووظفت تلك الدول الأربع في هذه السنة مبلغ 3.780 مليارات دولار في 11 صفقة مختلفة، معظمها في قطاعات الخدمات الماليّة والعقارية (أي خلال عامي 2007 و2008 وظّفت 43.7 مليار دولار).
كلّ تلك الاستثمارات وغيرها من استثمارات ضخّت في السوق الأميركيّة على مدى 3 عقود تقدر بأكثر من 1.5 تريليون دولار، مهددة بالتآكل في الأزمة الحالية. تضاف إليها خسائر استثمارية تكبدها المستثمرون في البورصات الخليجية بلغت في الأشهر القليلة الماضية فقط 583 مليار دولار.
وإزاء هذه الصورة يحار الباحثون في مصير مدن ومشاريع لا تزال رهن الإنجاز في منطقة الخليج تنتظر استمرار تدفق رؤوس الأموال لاستكمالها. لكن الزمن هو زمن انكماش لا يعرف أحد حدوده. وفي مثل هذه الأزمنة، تتعطل مشاريع الاستثمار ويصعب تسييل الأصول الجامدة ويترحّم المستثمرون على كل المغامرات التي تمت في عصور النمو. جميع المحللين يُنذرون بالأعظم، والحلول القديمة قد تكون انتهت صلاحيتها بفعل طبيعة أزمات جديدة لم يعهدها أحد من قبل.


تراجع الأسواق الخليجية

سجلت الأسواق المالية الخليجية أمس تراجعاً، متأثرة بسوق الأسهم في السعودية، كبرى البورصات العربية، التي خسرت أكثر من 9 في المئة من قيمتها لتبلغ أدنى مستوى لها منذ نحو 5 سنوات. ففي الإمارات العربية المتّحدة، تراجعت سوق الأسهم في دبي 3.6 في المئة إلى أدنى من العتبة النفسيّة المحددة بألفي نقطة. أما سوق أبو ظبي فقد خسرت 0.6 في المئة. وتجاهلت سوقا المال في الإمارات إعلان بدء عملية دمج مصرفي «أملاك» و«تمويل» أكبر هيئتين للقروض العقاريّة تملكان موجودات بقيمة 7 مليارات دولار، بإشراف سلطات الاتحاد.