بحسب إجماع التقارير الدوليّة فإنّ العام المقبل سيشهد «نضوج» الانعكاسات السلبيّة للأزمة الماليّة على الاقتصاد الكوني. وبالنسبة إلى الشركات فإنّ عدد تلك التي ستعاني عجزاً في سداد قروضها سيرتفع بنسبة 25 في المئة، ولكن صناعة الموسيقى يبدو أنّها لن تلحق هذا النمط، ليس بسبب «العامل الثقافي» بل بفضل استراتيجيّات التحوّل
حسن شقراني
على عكس التيّار الذي سيطر على «وول ستريت» خلال الفترة الأخيرة، بسبب الانهيارات الحادّة في أسعار الأسهم، وبالتالي، في أداء الشركات، كشفت شركة «Warner Music Group» للإنتاج الموسيقي أنّ مبيعاتها الرقميّة خلال عامها المالي ارتفعت بنسبة 39 في المئة لتبلغ 639 مليون دولار، ما يمثّل 18 في المئة من الإيرادات الإجماليّة للشركة. وكان محلّلون استطلعت آراءهم وكالة «رويترز» قد توقّعوا أنّ الشركة ستسجّل خسارة بسيطة، إلّا أنّها حقّقت ربحاً بلغ 6 ملايين دولار خلال الربع الأخير من عامها المالي.
ويعود الفضل في أداء الشركة، في ظلّ تراجع نتائج الشركات حول العالم، إلى الاستراتيجيّة التي اتبعتها الشركة التابعة لها، «Atlantic»، التي فاقت مبيعاتها من الموسيقى الرقميّة تلك الناتجة من الأقراص المدمجة (CDs). فمنذ عام 1999، حين غزا «ملك الموسيقى الرقميّة»، «Napster» شبكة الإنترنت وقدّم إلى المستهكلين الموسيقى المجانيّة، شهدت مبيعات الأقراص المدمجة الموسيقيّة تراجعاً حاداً، ما دفع بشركات الإنتاج إلى مجاراة التطوّر من خلال تخصيص أجزاء من ميزانيّاتها من أجل رفع السقف على الشبكة الإلكترونيّة الكونيّة، وبالتالي الاعتماد اعتماداً كبيراً في العائدات، وبالتالي الأرباح، على بيع القطع الموسيقيّة على شكل ملفّات رقميّة.
ولكن فيما المبيعات عبر الـ«Digital» تتطوّر تطوّراً سريعاً جداً، فإنّ الصورة بالإجمال قاتمة بالنسبة إلى قطاع صناعة الموسيقى عموماً. فحسبما تنقل صحيفة «The New York Times» عن المحلّلين في مؤسّسة «Forrester Research»، ستنخفض مبيعات الموسيقى في الولايات المتّحدة إلى 9.2 مليارات دولار عام 2013، فيما يُتوقّع أن تبلغ خلال العام الجاري 10.1 مليارات دولار. ويمكن لحظ الفرق مقارنة بعام 1999، حين بلغت تلك المبيعات 14.6 مليار دولار.
من جهة أخرى، وحتّى في ظلّ البيئة الصعبة التي تعانيها مبيعات الأقراص المدمجة الموسيقيّة، استطاعت «Warner» أن تلتفّ على التطوّرات وتحفّز المبيعات، منذ تولّى إدارتها إدغار بوفمان، عام 2004. فالأخير اكتشف العقدة في مسائل التطوير من خلال استشفاف الذوق العام مباشرة.
ففي مرحلة كانت فيها مبيعات الشركات الموسيقيّة تنحدر انحداراً حاداً، وقامت الأخيرة بشطب الأرقام الهائلة من ميزانيّات الفنّانين المتعاقدة معهم، تنبّه بوفمان إلى استراتيجيّة خلّاقة: في مرحلة الكساد (الموسيقي!) شطب 30 في المئة من الفنّانين الموجودين على لائحة شركته. وخفض مردود فنّانين من أمثال Madonna، وبالتالي وفّر 300 مليون دولار من الأكلاف السنويّة. واستغلّ هذا المبلغ لتجنيد «كشّافيه» حول العالم، لرصد الأغاني «الضاربة» في الملاهي وعلب السهر، وبالتالي إبرام العقود مع أصحابها. وظهرت الاستراتيجيّة ناجحة. فقد ارتفعت حصّة الشركة من المبيعات في السوق الأميركيّة بنسبة 7 في المئة منذ عام 2007، مقارنةً بانخفاض نسبته 2 في المئة للصناعة عموماً، حسبما تنقل صحيفة «Business Week».
إذاً فمن خلال خطّة مزدوجة الأهداف استطاعت الشركة الأميركية البقاء قويّة في السوق. فهي لم تحفّز فقط مبيعاتها من الأقراص المدمجة فقط، بل وجدت لنفسها أرضاً ثابتة في المبيعات الرقميّة. فـ«Atlantic» حقّقت نتيجتها فيما مبيعات الأقراص المدمجة لا تزال تمثّل أكثر من 66 في المئة من المبيعات الموسيقيّة الإجماليّة. وبحسب التقارير المتعلّقة بالصناعة فإنّ حصّة الموسيقى الرقميّة من السوق لن تتخطّى حاجز الـ50 في المئة من القيمة الإجماليّة سوى في عام 2011.
ولكن الانتقال إلى المعايير الرقميّة في تسويق الموسيقى وبيعها له تعقيداته المتعلّقة بالأشكال التي تباع على أساسها الموسيقى، وأيضاً بحجم الأموال التي تنفق للترويج للفنّانين.
فبحسب تحقيق نشرته المجلّة الاقتصاديّة المتخصّصة «The Economist»، وجدت صناعة الموسيقى مدخلاً جديداً إلى هوامش الربحيّة بعيداً من المبيعات الماديّة. فالألعاب الإلكترونيّة التي تعتمد على مبدأ الـ«Karaoke»، تشهد رواجاً كبيراً للغاية، لدرجة أنّ الفرق الموسيقيّة التي استخدمت أغانيها في لعبة «Guitar Hero» ستشهد ارتفاع الطلب الرقمي على تلك الأغاني بنسبة 300 في المئة.
وهي نسبة لا بأس بها في ظلّ القرصنة الموسيقيّة والتعدّي على الممتلكات الفكريّة، وقد تمثّّل ملجأً استراتيجياً جديداً إلى جانب الملجأ التقليدي: الحفلات، وهو الذي يعتمد عليه فريق مثل «Radiohead» الذي طرح ألبومه الأخير على شبكة الإنترنت مانحاً «المتذوّقين» الخيار في دفع ما يرونه مناسباً ثمناً لموسيقاهم.


حقوق... وترويج!

تنقل صحيفة «The New York Times» عن المسؤول السابق في شركة الإنتاج الموسيقي، «EMI»، جون روز، قوله إنّه ليس واضحاً إذا كانت الاقتصادات الرقميّة تستطيع تعويض الانخفاض الذي تشهده مبيعات الأقراص المدمجة، فالبحث في هذا الإطار لا يزال طازجاً رغم أنّ الموجة الرقميّة ضربت الأسواق منذ نهاية تسعينيّات القرن الماضي. وإضافةً إلى هذا الهاجس، لا يزال تقويم هوامش الأرباح والحقوق، وخصوصاً أنّ الموضع متعلّق بمنتجات ثقافيّة، صعباً جداً، فالمردود من مبيعات بطاقات الحفلات يعلق في متاهة تحديد الحقوق وأكلاف الترويج...