لم يؤدِّ الخفض الأخير الذي أقرّته منظّمة الدول المصدّرة للنفط إلى ارتفاع الأسعار، بل على العكس، انخفض إلى دون حاجز الـ50 دولاراً الذي يُعدّ خطراً بالنسبة لموازنات الدول الخليجيّة ومشاريعها الاستثماريّة. «أوبك» تجتمع اليوم استثنائياً تحضيراً لمؤتمر وهران الشهر المقبل، ربّما لن تخفّض الإنتاج ولكنّها ستطلب «مساعدة» الدول النفطيّة الواقعة خارج فلكها

ليس واضحاً إلى أيّ حدّ التزمت بلدان «أوبك» بالخفض الذي أقرّته في اجتماعها الطارئ الأخير في جنيف، والذي بلغ حجمه 1.5 مليون برميل يومياً. فبسبب التعقيدات التي تحكم عمليّة رصد الكميّات في السوق، لن يظهر ذلك الالتزام سوى في أوّل الشهر المقبل. ولكن الأكيد هو أنّه لم يؤدِّ إلى انتعاش سعر الوقود الأحفوري، ولم ينعش قلوب البلدان المصدّرة للنفط، التي راقبت بحسرة الأسعار وهي تنخفض من مستواها القياسي التاريخي، فوق الـ147 دولاراً في تمّوز الماضي، إلى دون الـ50 دولاراً خلال الأسبوع الجاري.
هذا الواقع يدفع المنظّمة إلى التلويح باتخاذ تدابير جديدة على اعتبار أنّ الأسعار السائدة في السوق غير عادلة، وأنّ العرض يزيد عن الطلب بهوامش كبيرة، وإن كانت موجة الركود التي تطغى على اقتصادات العالم هي التي تتحكّم بالسعر وليس لجوء المضاربين إلى تحقيق الأرباح السهلة من خلال التداول المخيف للعقود الآجلة للسلعة الثمينة.
الحلقة الأخيرة من هذه التدابير قد تُتخذ اليوم، حيث يعقد أعضاء المنظّمة اجتماعاً طارئاً في القاهرة من أجل بحث كيفيّة رفع الأسعار. ولكن التقارير الإعلاميّة تفيد بأنّ الأجواء لا تشير إلى إقرار خفض جديد بل التباحث في فعاليّة الخفض الأخير الذي أقرّ في 24 تشرين الأوّل الماضي، إضافة إلى خطّ التوجّهات الأساسيّة لمؤتمر المنظّمة في وهران الجزائريّة في 17 من الشهر المقبل.
الأمين العام لـ«أوبك»، عبد الله البدري، لفت لدى وصوله إلى القاهرة، إلى أنّ التزام أعضاء منظّمته بخفوضات الإنتاج المتفق عليها «معقول»، إلّا أنّه أعرب عن قلقه من مستوى مخزونات النفط بالدول الصناعية، وقال: «نعم هذا مصدر قلق. فالعرض في السوق أكبر من الطلب».
وبالفعل فإنّ التوقّعات في شأن إمكان إقرار خفض جديد كانت لا تزال غامضة أمس. وبحسب استطلاع أجرته «رويترز» في وقت سابق من الأسبوع الجاري، فإنّ 7 محلّلين توقّعوا أنّ تقرّ المنظّمة بالفعل خفضاً جديداً، فيما رأى السبعة الآخرون المستطلعة آراؤهم أنّ البلدان ستنتظر حتّى مؤتمر الشهر المقبل لاتخاذ خطوتها.
والأوضاع بالنسبة للمنتجين معقّدة بالفعل. فبعدما أطلقت أزمة الائتمان موجة الركود وانحسار الاستثمارات في العالم، من الواضح أنّ الطلب على النفط انخفض كثيراً، من اليابان حتّى الولايات المتّحدة. والخفض الموازي الذي أقرّته المنظّمة في هذه المرحلة الحسّاسة، لا يطابق سلوكها في أزمات سابقة. فخلال الأزمة التي أطلقها انفجار فقاعة شركات التكنولوجيا والإنترنت، في عام 2001، خفّضت «أوبك» إنتاجها بواقع 5 ملايين برميل يومياً، على خمس مراحل، ما يمثّل 19 في المئة من الكميّات النفطيّة التي تؤمّنها المنظّمة.
وعلى أيّ حال فإنّ اختلاف التوجّهات بين صقور المنظّمة ومعتدليها يبقى يتجاذب أيّة خطوات يمكن أن تتخذ، وقد ينشأ من هذا الواقع لجوء البلدان الأعضاء إلى استراتيجيّة جديدة تقضي بتوحيد الجهود مع البلدان المنتجة للنفط التي لا تنتمي إليها. فقد نقلت التقارير الإعلاميّة عن وزير النفط الإيراني، غلام حسين نوذري، قوله إنّ المنظمة ستناقش تشجيع الدول المنتجة من خارجها على التعاون معها. وأضاف: «أوضاع السوق في حالة تشير إلى أنه إذا لم تتعاون الدول غير الأعضاء في أوبك مع المنظمة فإنها ستتضرّر أيضاً».
وكانت روسيا أعربت في وقت سابق عن استعدادها للتعاون مع أوبك التي تضم 12 عضواً. وهذا النمط من التنسيق لحظ في عام 2002. فقد انضمّت حينها روسيا والمكسيك إلى خفوضات للمساهمة في تعزيز سعر البرميل الذي انخفض دون الـ20 دولاراً.
وفي هذا السياق أيضاً، أوضح نوذري أنّه لم توجّه الدعوة للمنتجين من المنظّمة لحضور اجتماع اليوم «لكننا سنرسل وفوداً لإجراء مفاوضات مع كبار الدول المنتجة».
واللافت بالنسبة للأسعار، هو أنّها انخفضت دون الـ53 دولاراً للبرميل خلال جلسة التداول أمس، وسجّل السعر 52.88 دولاراً. ويبدو من هذا السلوك أنّ السوق تتحدّى المنظّمة، وهو يتكرّر خلال الفترة الأخيرة. فبعد الخفض الأخير أبت الأسعار أن ترتفع، بل على العكس انخفضت سريعاً ومباشرة بعد إعلان الخفض.
وهذا الواقع يبدو منطقياً، فبحسب وكالة الطاقة الدوليّة، لن تنتعش الأسعار حتّى عام 2010، إلى حين استقرار النظام الاقتصادي العالمي. ففي الولايات المتّحدة، التي تعد المستهلك الأكبر للنفط، انخفض الطلب في أيلول الماضي بنسبة 13 في المئة على أساس سنوي، وهذا التراجع هو جزء من النمط العام الذي يبدو أنّ «أوبك» عاجزة عن مواجهته.
(الأخبار)


تعديل وإرجاء

يبدو أنّ فنزويلا عدّلت رأيها في شأن الطلب من المنظّمة خفضاً جديداً خلال اجتماعها المقرّر اليوم. فلدى وصوله إلى القاهرة، قال وزير النفط الفنزويلي، رافاييل راميريز، إنّه لم يعد يقترح خفض إنتاج النفط مليون برميل يومياً، إلّا أنّه سيؤيّد الخفض إذا اتفق الوزراء على أنه ضروري. من جهته، قال وزير النفط الإماراتي، محمد الهاملي، إنّه يعتقد أن العرض في سوق النفط يفوق الطلب، لكنه امتنع عن الإدلاء بأي تعقيب في شأن قرار خفض الإنتاج، فيما رأى نظيره الكويتي، محمد العليم، أنّه من المرجح إرجاء قرار الخفض حتّى اجتماع الشهر المقبل.