لم يكن لجوء دول الـ«BENELUX» إلى تأميم عملاق الصيرفة «FORTIS» وتأميم السلطات البريطانيّة لمصرف «B&B»، سوى محاولتين لاحتواء تداعيات الأزمة الماليّة الأميركيّة على اقتصاد القارّة العجوز. ولكن الواقع يفترض إجراءات أكثر تأثيراً وهو ما يعيه القادة الأوروبيّون لكنّهم يختلفون على علاجه، فهل تنجح قمّتهم الماليّة في باريس غداً؟
باريس ــ بسّام الطيارة
حتى الفترة الأخيرة، كانت أسواق المال الأوروبيّة لا تعكس أيّ حالة قلق لدى المواطنين الأوروبيين. وكان هؤلاء ينظرون بشماتة إلى حالة الهيستيريا التي تعصف بالأميركيّين «الذين يعيشون على الاقتراض وعلى حساب العالم». وكان المسؤولون يكتفون بإصدار تطمينات إلى مواطنيهم إلى أن العاصفة سوف تمر بعيداً عن «القارة العجوز» وأنّها محصورة في العالم الجديد.
ولكن مع عودة رد فعل تسونامي الإفلاسات في الولايات المتّحدة وتوجهات السلطات الأميركية للتدخل المباشر عبر تأميم قطاعات واسعة من الجهاز المالي بدأ الشك يراود الأوروبيين في أنه «لا يمكن ألّا تصاب أوروبا بما يجترح أميركا». وهكذا بدأ «الهمس» بالإجراءات التي تتّخذها السلطات الماليّة الأوروبية يتسابق مع التسريبات بشأن صحة هذا المصرف ووضع ذاك المصرف، ويسلط الأضواء على «صراع بين الأوروبيين» على السبل الكفيلة بتجنيب الاتحاد الأوروبي كأس مرارة الإفلاسات الممكن أن تتوالى مثل كرة الثلج.
وقد جاء إعلان الاتفاق على خطة الإنقاذ الأميركية مع ترشّح رقم إنقاذ أوروبي يجاور الـ٤٥٠ مليار دولار (٣٠٠ مليار يورو) ليمثّل صدمة للمواطنين الأوروبيين، وخصوصاً أنّ باريس باتت خلال ٤٨ ساعة «محجة رؤساء المصارف الكبرى» وبات قصر الإليزيه محطة مرور كبار رجال المال والأعمال والمستشارين الماليين، ما أشار إلى أن شيئاً ما يدور وراء الكواليس.
ولم يعد سراً أن «التوافق» على خطة عمل أوروبيّة غير موجود، وهو أحد موجبات طلب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي يرأس الاتحاد الأوروبي حالياً عقد «قمة مصغرة» دعا إليها بريطانيا وألمانيا وإيطاليا ورئيس وزراء اللوكسمبورغ غداً. وبحسب مصادر في الإليزيه فإن هدف هذه القمة «هو تحضير مساهمات الدول الأوروبية الأعضاء في مجموعة الثماني خلال اللقاءات المقبلة المخصصة لتداعيات الأزمة المالية العالمية».
كما تسبق القمة الأوروبية قمة مشابهة لوزراء مالية الدول الصناعية السبع الكبرى، ومن البديهي أن «الشق الثاني لهذه الاجتماعات» هو محاولة «تقريب وجهات النظر المتباينة بشأن طرق مواجهة الأزمة».
رئيس المصرف المركزي الأوروبي، جان كلود تريشيه، أعلن أن مؤسسات الاتحاد الأوروبي ليست مهيأة لإطلاق خطة إنقاذ مصرفية مماثلة لخطة الولايات المتحدة، مبرراً ذلك بأنها «لا تتلاءم والبنية السياسية في أوروبا» في ظل غياب «ميزانية فدرالية موحدة». ومن المعروف أن ألمانيا مثلاً لها موقف معترض على «ضخ السيولة في المصارف المتعثرة» لأسباب يصفها الفرنسيّون بأنها «إيديولوجيّة».
وفي المقابل، فإنّ دولاً مثل إيرلندا لم تلتفت إلى ما يمكن أن تقرّره «الدول الشقيقة في الاتحاد» وأعلنت بصورة مستقلة أنها تضمن «إيداعات أكبر ستة مصارف وطنيّة لمدة سنتين» بتكلفة تصل إلى حوالى ٤٠٠ مليار يورو وهو ما وصفه مراقبون في باريس بأنّها سياسة «أنانية» لأنّها نوع من «ضمان لمنع تهافت السحوبات على مصارفها» بينما يمثّل هذا ضغطاً على المصارف الأوروبيّة الأخرى وحكوماتها لدفعها لضمان عدم انهيار مصارف كبرى.
وحاول ساركوزي إيجاد مخرج يرضي مختلف العواصم على أساس «أنّ ما فعلته إيرلندا لا يمكن التراجع عنه»، إلّا أن كلّ مبادراته، وخصوصاً «سلة الـ ٣٠٠ مليار يورو» جوبهت برفض ألماني صارم «جاء بعد سبع دقائق» من تسريب خبر الفكرة في بلجيكا، وذلك حسبما أشار مصدر لـ«الأخبار». وهو رفض يوازي رفض تريشيه ويدعمه.
وبعد ساعات من التردّد تبيّن أن رئيس وزراء هولندا هو الذي طرح أمام ساركوزي فكرة «أن تقوم كل دولة عضو في الاتحاد بتخصيص ٣ في المئة من مدخولها العام» لصندوق دعم يمكن أن يجمع «٣٠٠ مليار يورو». وفسرت بعض المصادر أن الرفض الألماني يعود لمعارضة المقاطعات الألمانية «وضع المال العام لسد ثقوب سبّبتها شركات خاصة»، وخصوصاً أنّ ألمانيا مقبلة على انتخابات عامّة قريباً.
وفي هذا الصدد، شدّدت مصادر مطّلعة على التطوّرات على أنّ باريس «متخوّفة من أن تؤول المقاطعة الألمانيّة إلى إفشال لقاء غد». ويبدو للمرّة الأولى أنّ ساركوزي مكبّل اليدين أمام الأزمة الماليّة، وخصوصاً أنّ عوامل القرارات متعددة الجوانب وتتجاوز الدوائر السياسية الأوروبية وتتطلّب مساهمة دوائر مالية خاصة ومتعددة التوجهات. وفي المقابل، فإن المعارضة تطالب «بمناقشة كامل جوانب الأزمة» أمام البرلمان. وبحسب بعض التسريبات من جهات مقربة من الرئاسة فإن الإليزيه «ترى اليوم أن على الأجهزة التنفيذية اتخاذ القرارات وأن الوقت ليس للمناقشات».


  • انقر للصورة المكبرة

    انقر للصورة المكبرة