تصويت تاريخي شهده مجلس النوّاب الأميركي أمس، لإقرار خطّة تاريخيّة حجمها 700 مليار دولار لـ«إنقاذ» الأسواق الماليّة في الولايات المتّحدة والعالم، وذلك بعد تجاذبات ديموقراطيّة ــ جمهوريّة، وجمهوريّة ــ جمهوريّة، في ظلّ إعادة هيكلة للبورصة الأميركيّة، ونشوء نظام جديد يفتقر إلى المصارف الاستثماريّة المثيرة للجدل ويتمتّع برقابة حكوميّة قياسيّة
حسن شقراني
وافق المشرّعون الأميركيّون بغالبيّة 263 صوتاً مقابل 171 صوتاً، على خطة إنقاذ النظام المالي الأميركي التي تعبّر عن التدخّل الأكبر تاريخياً من جانب الدولة في القطاع الخاص، إذ تضع بتصرّف وزارة الخزانة مبلغاً ضخماً لإنقاذ الأسواق من المنتجات الماليّة الخطيرة التي نتجت من انفجار فقّاعة الرهونات العقاريّة والتي أدّت إلى نشوء أزمة الثقة بين المؤسّسات الماليّة وأعادت هيكلة «وول ستريت» وأفقدت بورصات العالم 4.1 تريليونات دولار في شهر واحد.
700 مليار دولار اقترحتها الخطّة الأساسيّة التي بلورها وزير الخزانة هنري بولسون ورئيس الاحتياطي الفدرالي بن برنانكي، لإنقاذ «وول ستريت» واقتصاد الولايات المتّحدة، خضعت للتمحيص والتعديل من جانب الجمهوريّين والديموقراطيّين على حدّ سواء، ليُقرّ أخيراً إنفاقها لـ«التبضّع في السوق» من أجل إنقاذها، بعدما رفض النوّاب الصيغة الأولى لذلك الإنفاق بغالبية 228 عضواً مقابل 205 أعضاء، وفرضوا إدراج تعديلين أساسيّين على الخّطة: الأوّل هو رفع سقف ضمانات الودائع من 100 ألف دولار إلى 250 ألف دولار. وإقرار خفوضات ضريبيّة بقيمة 150 مليار دولار، يُهدف من ورائها إلى «ضمان مصلحة دافعي» الضرائب.
أصوات عديدة من الحزبين الرئيسيّين عارضت الخطّة بصيغتيها الأساسيّة والمعدّلة بحجّة: «لماذا لا نترك وول ستريت تحل مشاكلها؟»، على حدّ تعبير النائب الديموقراطي دينيس كوتسينيتش. ولكن التطوّرات فرضت أن تقرّ الخطّة، التي أدّى رفضها في بداية الأسبوع الجاري إلى هبوط مؤشّر «DOW JONES» 777 نقطة، وهو الانخفاض الأكبر في تاريخه.
قبل التصويت، حثّ البيت الأبيض المشرّعين على إقرار الخطّة، متوقّعاً استرداد جانب كبير من المبلغ الهائل، إن لم يكن كله، في نهاية المطاف. فإقرار الخطة «سيبعث رسالة مهمّة ومفيدة للأسواق هنا وفي الخارج أن الحكومة الاتحادية ستتّخذ كل الخطوات الضرورية لإعادة نظامنا المالي إلى مساره».
ويبدو أنّ الحجّة الأساسيّة التي دفعت الممتنعين عن التصويت بـ«نعم» (وغالبيّتهم من الجمهوريّين) كانت في تفنيد خطورة التداعيات التي كانت من الممكن أن تزيد الضغوط على الوضع الاقتصادي.
فأزمة الثقة في أسواق المال، أي امتناع المصارف والمؤسّسات الماليّة عن إقراض بعضها بعضاً (تخوّفاً من أنّ المقترض قد يمتلك فائضاً من الأصول المسمّمة لذا فهو معرّض للإفلاس أو للتقصير)، امتّدت إلى الاقتصاد الحقيقي (MAIN STREET)، وبدأت تتمظهر مفاعيلها المستقبليّة على شاكلة عدم تمكّن العائلات والتجّار والصناعيّين من الحصول على الأموال الكافية لتسيير أعمالهم وشؤونهم.
وعلى سبيل المثال، فإنّ نقص التمويل في السوق دفع إلى انخفاض مبيعات المنازل بنسبة 10 في المئة خلال العام الجاري، وخفض إنتاج السيّارات إلى أدنى مستوى له منذ 7 سنوات. ورفض الخطّة التي كان يفترض أنّها ستعالج هذا النقص أدّى إلى خسارة الأسواق الماليّة 1 تريليون دولار، ما يؤثّر على صناديق التقاعد.
لذا فإنّ الأخبار الجيّدة للأسواق الماليّة أمس، تعدّ بالمعنى الضيّق جيّدةً للاقتصاد ككلّ، الذي عانى الشهر الماضي فقدان 159 ألف وظيفة، وبقي معدّل البطالة فيه عند مستوى 6.1 في المئة، لكنّها بالمعنى الواسع، تقوّم بعد التنفيذ ومقاربة مفاعيلها على مؤشّرات الأسهم والاقتصاد ككلّ.
فبحسب النائب الجمهوري، جو ويلسون فإنّ مجلس النوّاب صوّت على «قانون يمثّل خياراً غير مثالي ووضعاً رهيباً»، والكونغرس يجب ألّا «يغشّ الناس عبر التأكيد أنّ هذا القانون يحلّ مجمل المشكلة». وهذا التوجّه يعبّر عن التطرّف في رفض هذا التدخّل الإنقاذي الحكومي الذي يطيح أسس السوق ومبادئ الرأسماليّة التي اهتزّت في ظلّ التأميمات المتتالية.
أمّا زعيم الجمهوريّين في مجلس النوّاب، جون بوينر، فقال قبل التصويت: «جعلنا مشروع القانون هذا أفضل... هل هو مثالي؟ لا. لكن من الواضح أنه أفضل عنه قبل أسبوع. سنواصل التحدث مع أعضائنا لكن حان وقت العمل».
والعمل الإيجابي في «وول ستريت» كان قد بدأ بالفعل، حيث ارتفعت الأسهم في بداية التعاملات، وطغى نبأ موافقة «WELLS FARGO» على شراء مصرف «WACHOVIA» بـ15.1 مليار دولار على الأجواء السلبيّة الممتدّة منذ فترة طويلة، والكثيفة منذ إعلان المصرف الاستثماري «LEHMAN BROTHERS» إفلاسه.
الأسواق توقّعت الموافقة على الخطّة، لكنّها تنتظر أن تظهر التطوّرات فعلياً. والاقتصاد ينتظر أن يُنقذ فعلياً، وهو الآن مهدّد بركود حقيقي.



«صيانة وحدة الأوروبّيين»

«علينا أن نبذل كل ما في وسعنا لصيانة وحدة الأوروبيين»، بهذه العبارة علّق رئيس البنك المركزي الأوروبي، جان كلود تريشيه، على القمّة الأوروبيّة المرتقبة اليوم في باريس، المخصّصة لإنتاج مقاربة أوروبيّة موحّدة لمواجهة أخطار الأزمة الماليّة المحدقة بالقارّة العجوز. وقال تريشيه في حديث لراديو «EUROPE1»، «بالنسبة إلى منطقة اليورو ككل، نشهد نمواً منخفضاً مع مخاطر كبيرة لتراجع النمو أكثر من ذلك... نحن في عالم يتّسم بعدم اليقين». وعن خطّة الإنقاذ الأميركيّة، رأى أنّه لا بدّ من إقرارها «لأنّها ضروريّة».