لفّ الذعر البورصات الأوروبيّة أمس، في ظلّ عدم يقين من أنّ خطّة إنقاذ السوق الماليّة الأميركيّة، التي أقرّها الكونغرس الأسبوع الماضي ستؤدّي إلى تهدئة عاصفة أزمة الائتمان، وذلك رغم تأكيد الرئاسة الفرنسيّة للاتحاد الأوروبي أنّ «جميع الوسائل متاحة» لمعالجة الأزمة، ولكن بشكل منفصل، في ظلّ الانقسام حول مقاربة الحلول
بدأ يتّضح تدريجاً أنّ الأسواق الماليّة العالميّة عموماً، والأوروبيّة تحديداً، لن تستقرّ عمّا قريب تماشياً مع التطوّرات التي حدثت في الولايات المتّحدة الأسبوع الماضي والتي تمثّلت بإقرار الخطّة الإنقاذيّة التي تهدف إلى تخليص السوق من المنتجات الماليّة المقلقة باستخدام 700 مليار دولار من أموال دافعي الضرائب. فبعد فشل القمّة الماليّة التي احتضنتها باريس السبت الماضي، لعدم تمكّن زعماء الاقتصادات الأربعة الكبرى في القارّة العجوز من التوصّل إلى التوافق بشأن كيفيّة مواجهة الأزمة، هبطت الأسهم في الأسواق الماليّة الأوروبيّة بشكلئ حاد أمس، في ظلّ استمرار عدم اليقين حول كيف تخطّط البلدان الأوروبيّة للتعامل مع الأزمة، وخصوصاً بعدما عرضت السلطات الماليّة الألمانيّة أن تضمن تغطية جميع الودائع في قطاعها المصرفي، وذلك لإنقاذ رابع أكبر مصرف في البلاد، «HYPO REAL ESTATE»، عبر خطّة يبدو أنّها ستكلّف 50 مليار يورو.
وهذه الخطوة تزيد الضغوط على حكومات باقي البلدان الأوروبيّة لاتخاذ تدابير مماثلة، بعدما كانت إيرلندا قد أخذت زمام المبادرة. ولحقت قرار السلطات الألمانيّة قرارات شبيهة في الدانمارك والنمسا والسويد وآيسلندا. غير أنّ التعاطي مع الأزمة بطريقة فرديّة يقلق المستثمرين الذي لا يزالون ينتظرون تبلور التطبيقات العمليّة لخطّة الإنقاذ الأميركيّة.
الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، الذي لفتت تقارير إعلاميّة الأسبوع الماضي إلى موافقة إدارته على إنشاء صندوق أوروبي موحّد للإنقاذ قيمته 300 مليار يورو، شدّد أمس، على أنّ «كل قادة الاتحاد الأوروبي يعلنون أنّ كلاً منهم سيتخذ كلّ الإجراءات اللازمة لضمان استقرار النظام المالي سواء كان عبر ضخ سيولة من المصارف المركزية أو عبر إجراءات محدّدة الأهداف تتعلق ببعض المصارف أو تدابير معززة لحماية الودائع»، مؤكّداً أنّ الحكومات الأوروبيّة «متحدة ومتضامنة» في مواجهة الأزمة، ولكن كيف؟
فبإعلانها تغطية الدولة لكل ادّخارات العائلات، أصدرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ضمانة فرديّة تعدّ «الأكبر في التاريخ العالمي»، حسبما علّق أستاذ علوم المال في جامعة هوننهايم، هانس بيتر بورغوف، للإذاعة الألمانية، معتبراً أنّ «أحداً لم يقدم في كلّ أرجاء العالم ضمانة لمبلغ بهذا الحجم في عبارتين شاملتين».
ففي الإجمال، تتجاوز ودائع الأفراد الألمان لدى البنوك 1600 مليار يورو، لأنّه كما هو معروف، يفضّل الألمان الادّخار على الإنفاق. والعام الماضي، بلغ معدل الادخار 10.5 في المئة. وفي مرحلة أولى، تحدثت الحكومة عن رقم يقارب الـ500 مليار يورو يشمل حسابات الادخار فقط، لكن الضمانة تشمل أيضاً ودائع الحسابات المفتوحة وتلك المحددة بفترات زمنية معاً.
ولكن هل تستطيع تلك الإجراءات حماية اقتصادات بلدان الاتحاد الأوروبي؟ الجواب خاضع لجميع الاحتمالات، في ظلّ تأكيدات متفاوتة تتعلّق بضرورة توحيد الجهود بين الحكومات الأوروبيّة. فتصريحات ساركوزي تزامنت مع تأكيد المفوّض الأوروبي للشؤون الماليّة، خواكين ألمونيا، الذي اجتمع مع وزراء ماليّة الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ، بأنّه «يجب أن يكون عندنا مقاربة واحدة وأفعال منسّقة من أجل تجنّب القرارات الأحاديّة التي تولّد ردات فعل سلبيّة».
ولكن إلى حين توفّر النوايا لتحقيق إجماع حول تلك المقاربات، يزداد تأثير أزمة الائتمان على أسواق أوروبا. فقد أقفلت البورصات الأوروبيّة على تراجعات حادّة تراوحت بين 7 في المئة و9 في المئة أمس. وأبرز تلك التراجعات كان في باريس حيث أقفل مؤشر «CAC40» جلسات التداول على تدهور بنسبة 9.04 في المئة، وهو الأكبر خلال جلسات التعامل منذ بدء العمل به عام 1988. وفي ألمانيا، خسر مؤشر «DAX» في فرانكفورت 7.07 في المئة من قيمته وتراجع إلى أدنى مستوى له منذ أكثر من سنتين. فيما انخفض مؤشّر «FTSE» بنسبة 7.85 في المئة. أمّا في إيرلندا فقد أغلق مؤشّر بورصة دابلن منخفضاً بنسبة 9.59 في المئة، فيما تلقّت أسهم المصارف الضربة الأقسى بانخفاضها 17.53 في المئة.
إذاً فتعهّد القادة الأوروبيّين بالقيام بما يلزم لم يهدّئ الأسواق ويقضي على القلق، فاستمرار التناقض بين حجّة ضرورة لجوء كلّ بلد إلى ضمان ودائعه المصرفيّة منفرداً، وبين وجوب اللجوء إلى تدابير جماعيّة، لا يساعد كثيراً اقتصادات منطقة اليورو، التي يبلغ حجم ناتجها المحلّي 13 تريليون دولار، نموّه مهدّد بتطوّر الأزمة الماليّة... هذا التطوّر يتمّ بسرعة ويمكن أن تصبح الأزمة أخطر من الكساد العالمي العظيم!
(الأخبار)



انتهاء الأزمة بعد سنتين؟

توقّع نائب رئيس مجلس إدارة مصرف «MERRILL LYNCH»، ريتشارد ماكورماك، استمرار الأزمة الماليّة العالميّة خلال ما بين 18 شهراً وعامين بما يتزامن مع استمرار تباطؤ سوق المساكن الأميركيّة لفترة مماثلة. وقال في كلمة ألقاها أمام مؤتمر في تايبه، إنّه يتوقع أيضاً هبوط أسعار السلع الأوليّة مع تراجع الطلب، مشيراً إلى أنّ «التحدي الآن لزعماء العالم هو ضمان حركة تصحيح منظمة للأسواق بأكبر قدر ممكن. الكلّ يفعل ما بوسعه والمشكلة هي أنّه لا أحد يعلم على وجه اليقين متى ستنتهي الأزمة».