بعدما اتضح أوّل من أمس أنّ أزمة الائتمان العالميّة لن توفّر الأسواق الماليّة في البلدان النامية، يزداد التساؤل عن الانعكاسات على لبنان الذي ظهر حتى الآن أنّ الأزمة بعيدة عنه؛ ولكن لتلك الأزمة تأثيرات على بلدان الخليج، وبالتالي أثر غير مباشر على الاقتصاد اللبناني. ما هو الخطر عليه فيما تسارع المصارف المركزيّة حول العالم إلى طمأنة الأسواق؟
حسن شقراني
لم يكن للأزمة الماليّة التي تعصف بالاقتصاد العالمي، منذ نشوئها في الولايات المتّحدة قبل أكثر من عام، وحتى الآن، تأثير مباشر على الاقتصاد اللبناني. فالقطاع المفترض أن يكون معنياً بانعكاساتها هو القطاع المصرفي، ومن المعروف في لبنان أنّ البنوك التجاريّة لا توظّف سيولة في المنتجات الماليّة المعقّدة وفي عمليّات التوريق، وذلك لسببين: الأوّل هو أنّ التوظيف في سندات الخزينة وإقراض الحكومة يوفّران مدخولاً مريحاً هو عبارة عن فوائد مرتفعة. والثاني هو أنّ مصرف لبنان يفرض عليها قواعد ثابتة في موضوع التعاطي بالأصول الماليّة العالية المخاطر. لذا فهي لا تضطرّ إلى تنويع استثماراتها بهدف تكثيف الأرباح.
والأزمة التي لا تنفكّ تتطوّر حدّتها في مختلف الأسواق الماليّة، تمسّ مباشرة المصارف التجاريّة (من ناحية فقدان السيولة وارتفاع أكلاف الإقراض بسبب فقدان الثقة)، ولكنّ لانعكاستها على لبنان قنوات أخرى، غير مباشرة، تتمثّل بما سينطبق من تطوّرها على بلدان الخليج العربي.
فبحسب مدير صندوق النقد الدولي في لبنان، إدوارد غاردنر، سيؤدّي تأثّر اقتصادات بلدان الخليج العربي إلى توليد موجات سلبيّة تعصف بلبنان من خلال تأثيرات تقلّص عائدات المهاجرين اللبنانيّين في الخليج. فتلك الاقتصادات، رغم اعتمادها على مبالغ ضخمة وفرتها عائدات الصادرات النفطيّة في ظلّ أسعار قياسيّة للوقود الأحفوري، بدأت تشعر بالوخز من أزمة الائتمان المنفلشة، وذلك الوخز قد يصيب لبنان الذي يعتمد في جانب من «صموده غير العادي» على عائدات المغتربين، وبينهم المتمركزون في الخليج العربي.
ومثلما يتطوّر النمط في البلدان المتقدّمة، يمكن أن تتخذ الحكومات الخليجيّة إجراءات لاحتواء انعكاسات أزمة الائتمان. فإسبانيا على سبيل المثال تلوّح بترحيل المهاجرين ذوي الأصول المغربيّة للحدّ قدر الإمكان من نزف اقتصادها الذي كان خلال السنوات الماضية أحد محرّكات النموّ في منطقة اليورو. وبحسب غاردنر، فإنّ التطوّرات السلبيّة في الخليج العربي قد ترفع من نسبة البطالة لدى اللبنانيّين وقد تؤثّر على نسبة النموّ الاقتصادي في بلاد الأرز، المتوقّع أنّ تزيد هذا العام على 3 في المئة.
كذلك، من غير المؤكّد إلى أين ستتجه رؤوس الأموال الخليجيّة الخائفة من التوظيفات في الأسواق الماليّة. وفي هذا الصدد، لفت غاردنر، الذي تحدّث في محاضرة نظّمتها جمعيّة رجال الأعمال اللبنانيّة ـــــ الهولنديّة في فندق فينيسيا أمس، إلى أنّ «من الصعب التنبّؤ بما سيحصل» في سوق رؤوس الأموال الخليجيّة، «فالجميع يهرعون نحو الملاجئ الآمنة، ولكن ما هي تلك الملاجئ الآمنة؟»؛ والتطوّرات في الخليج قد تقلّل من حجم الاستثمارات الأجنبيّة المباشرة الآتية إلى لبنان، ولكن هل الاستثمار في لبنان آمن أكثر من الودائع المصرفيّة أو حتّى الاستثمار في الأوراق الماليّة؟
أسئلة كثيرة تعقيدها ينبع من تعقّد الأزمة الماليّة المتطوّرة، ويبدو أنّ الإجابات عنها متعلّقة بالوجهة التي سيتّخذها الاقتصاد العالمي الذي يتّضح يوماً بعد يوم أنّه متّجه نحو ركود حاد: أسباب ذلك الركود كانت الأسعار المرتفعة للمواد الأوليّة، وتتطوّر مع تطوّر انعدام الثقة بين المصارف والمؤسّسات الماليّة.
وهذا التطوّر هو ما دفع المصارف المركزيّة الكبرى في العالم أمس، إلى إعلان خطّة منسّقة من أجل توحيد الجهود لتوفير السيولة اللازمة حتى آخر العام، للنظام المصرفي العالمي الغارق في معمعة فقدان الثقة. فقد أعلن الاحتياطي الفدرالي الأميركي جدولاً لتأمين قروض وخطوط ائتمانيّة عبر عمليّات الـ«SWAP»، بقيمة 620 مليار دولار، تقدّم إلى نظرائه حول العالم.
وبحسب بيان أصدره المصرف المركزي الأوروبي، فإنّ هذه الخطوات تأتي لمجاراة «الاختناقات في عمليّات التمويل القصيرة المدى»، وذلك بعدما شهدت البورصات يوم أوّل من أمس، تراجعات حادّة أظهرت بوضوح أنّ خطّة الإنقاذ الأميركيّة لم تؤثّر بسرعة وفاعلية على الأسواق الماليّة.
وتأتي هذه التطوّرات فيما شدّد صندوق النقد الدولي، في تقريره عن «الاستقرار المالي العالمي»، على أنّه «في الوقت الذي تشهد فيه الأسواق حول العالم أزمة متزايدة، تبرز الحاجة إلى التعاون الدولي وإلى الإجراءات الحازمة، من أجل إعادة الثقة إلى النظام المصرفي العالمي»، والفشل في تحقيق ذلك التعاون سيكون له أثر بالغ على الاقتصادات الحقيقيّة.
ما مدى الأثر الذي سيمس لبنان؟ الموضوع لا يزال غامضاً ومتعلّقاً بكيفيّة تعاطي بلدان الخليج مع الأزمة. ولكن من الواضح أنّ نسبة النموّ المتوقّعة ستتأثّر لا محال مثلها مثل الاستثمارات الأجنبيّة المباشرة.


آفاق أميركيّة

رأى رئيس الاحتياطي الفدرالي الأميركي أنّه سيتعيّن على مؤسّسته مراجعة سياستها النقدية في ضوء التطورات الاقتصادية الأخيرة. وقال في كلمة أمام خبراء اقتصاديين من «الجمعية الوطنية لاقتصاد الأعمال»، إنّ «المخاطر التي تحدق بالنمو ازدادت»، وأوضح: «من المتوقع أن يكون النشاط الاقتصادي ضعيفاً حتى نهاية السنة وما بعد... وآفاق التضخم تبقى غامضة جداً، وذلك يعود في جزء منه إلى التقلّبات الكبيرة في أسعار المواد الأوليّة». ورأى أنّ خطة إنقاذ النظام المالي ستكون «كلفتها في نهاية المطاف» أقل من 700 مليار دولار.