خلال 10 أيّام فقط خسر مؤشّر «DOW JONES» 21 في المئة من قيمته، ليسجّل أحد أسوأ الأسابيع في تاريخه الممتدّ منذ 112 عاماً. وهذا النمط من الخسارة تحوّل إلى حمّى عالميّة بسبب استمرار فقدان الثقة بتدابير «الإنقاذ». والآمال الآن معلّقة على اجتماعات تستضيفها واشنطن وباريس اليوم وغداً، كي لا تزيد خسائر العالم عن تلك المحقّقة: الأسواق الأميركيّة وحدها خسرت 8.3 تريليونات دولار خلال عام

حسن شقراني
حاول الرئيس الأميركي جورج بوش، اليائس من فشل خطّة إدارته حتّى الآن من احتواء التدهور الخطير في الأسواق العالميّة، أن يطمئن الأسواق نسبياً أمس، عشيّة بدء اجتمعات اقتصاديّة حسّاسة تستضيفها واشنطن اليوم وغداً، يطرح خلالها المسؤولون الماليّون ورؤساء الحكومات من العالمين النامي والمتقدّم، الإحداثيّات الماليّة والاقتصاديّة على طاولة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومجموعة الـ20 (G20) من أجل كبح جماح الأزمة الماليّة العالميّة التي لا تنفكّ تتحوّل وتصبح أكثر خطورة.
غير أنّ الأسواق ترفض ببساطة أن تهدأ وأن تستعيد الثقة. فمؤشّر «DOW JONES» في البورصة الأميركيّة، افتتح على تراجع قيمته 700 نقطة خلال الدقائق الأولى من التداول، ثمّ عاد وعوّض بعض الخسائر، ليعود إلى التراجع، وهذا النمط من التراجع أدّى إلى خسارة الأسواق الماليّة الأميركيّة 8.3 تريليونات دولار منذ عام وحتى الآن.
«الإدارة الأميركيّة اتخذت عدداً من الإجراءات لاستعادة الثقة إلى أسواق المال وإعادة عمليّات الائتمان التي تمثّل المحرك الأساسي للأسواق»، قال الرئيس الأميركي فيما كانت بورصات العالم كلّه تغلق على انخفاض أصبح معتاداً، أو تعلّق التداول بسبب انخفاضه بنسب مرتفعة جداً، أو تستمرّ بتسجيل خسائر متزايدة مثلما هي الحال في نيويورك.
ولكن يبدو أنّ تلك الإجراءات تحتاج إلى إعادة تقويم. فخطّة الإنقاذ المكوّنة من 700 مليار دولار مخصّصة لتخليص الأسواق الأميركيّة من المنتجات الماليّة المقلقة، لم تنجح في كبح الأزمة. ويتّضح يوماً بعد يوم من الخسائر المستمرّة أنّ الحاجة تبرز لخطوات أكثر جذريّة، يقول الاقتصاديّون إنّها قد تكون مثل تلك التي اتخذتها الحكومة البريطانية: التدخّل مباشرة لتوفير 50 مليار جنيه دعماً لرأسمال المصارف (تأميم جزئي) في ظلّ خطّة واسعة قيمتها 500 مليار دولار تتضمّن ضمانات ماليّة ورزماً لتأمين السيولة.
وفيما تدرس الولايات المتّحدة ضمان مليارات الدولارات من الديون المصرفيّة، شدّد مدير صندوق النقد الدولي، دومينيك شتراوس كان، على أنّ ضمان الحكومات للالتزامات المالية بات حتمياً في هذه المرحلة من أزمة الائتمان.
إذاً فيوم أمس كان أسود أيضاً على الأسواق من طوكيو وحتّى ساو باولو. فالبورصة اليابانيّة أغلقت على انخفاض نسبته 9.6 في المئة، وهو الأخطر منذ انهيار عام 1987، الذي نشأ بسبب أزمة «القروض والمدّخرات» التي انفجرت في الولايات المتّحدة. ومن جهتها، انخفضت البورصة الأوستراليّة بنسبة 8.4 في المئة، وهو نمط امتدّ إلى آسيا التي تخاف بلدانها الجنوبيّة الشرقيّة، «النمور»، من أزمة جديدة شبيهة بتلك التي عصفت باقتصاداتها خلال العقد الأخير من القرن الماضي.
وفي أوروبا، خسر مؤشّر «FTSE» البريطاني 8.85 في المئة من قيمته، وتراجع المؤشّر الفرنسي، «CAC40» بنسبة 7.73 في المئة، فيما خسر مؤشّر «DAX» في فرانكفورت 7.01 في المئة من قيمته.
وهذه التراجعات الحادّة تمّت فيما كان وزراء المال من مجموعة الدول الصناعيّة السبع الكبرى، يجتمعون في واشنطن تحضيراً لاجتماعي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ولقمّة مجموعة الدول الصناعيّة والنامية، «G20»، وهي اجتماعات إلى حدّ ما مصيريّة، لكي تبدأ جولات التداول في الأسبوع المقبل بروح جديدة، لا يعتريها «الخوف»، الذي ألقى بوش باللائمة عليه في انهيارات البورصات.
ويبدو أنّ قياديّي العالم المتقدّم سيبلورون مجموعة من المبادئ المشتركة لمعالجة الأزمة الماليّة، من بينها تعهّد بعدم السماح بانهيار أيّ مصرف، حسبما كشف مصدر مطّلع على التطوّرات، في حديث لوكالة «رويترز».
أمّا أوروبا التي فشلت في بلورة خيارات مشتركة خلال الأسابيع الماضية، فتدلّ مؤشّرات كثيرة على تعديلات في موقف بلدانها، وهذه التعديلات قد تظهر خلال القمّة الأوروبيّة المخصّصة للأزمة، التي تستضيفها باريس غداً حسبما كشفت مصادر حكومية ألمانيّة تحدّثت لوكالة «فرانس برس». ولكن الإجراءات الأحاديّة مستمرّة. فقد نقلت «رويترز» عن مصدر في الائتلاف الألماني الحاكم، تأكيد صحّة التقارير التي أفادت أمس، بأنّ برلين تعمل على إعداد خطة لإنقاذ قطاعها المالي على غرار الخطة البريطانية وقد تشمل ضمانات بأكثر من 100 مليار يورو (137.2 مليار دولار) وضخاً للسيولة على نطاق واسع.
إذاً فالمواقف والتطوّرات التي ينتظرها العالم اليوم وغداً، من واشنطن ومن باريس، هي حاسمة لإيقاف الأزمة عند هذا الحدّ، كي لا يزداد الشبه بين المرحلة الحاليّة ومرحلة الكساد العظيم.


أوّل ضحيّة يابانيّة

قدّمت شركة «ياماتو لايف» اليابانية للتأمين طلباً إلى محكمة طوكيو للحماية من الإفلاس إثر الخسائر الناجمة عن الأزمة المالية العالميّة. وذكرت وكالة الأنباء اليابانية، «كيودو»، أنّ «ياماتو»، التي بلغت ديونها 269.5 مليار ين (2.7 مليار دولار) طلبت تطبيق القانون الذي مرر في عام 2000 والمتعلق بإعادة تأهيل المؤسسات المالية التي تواجه مشاكل. وبذلك تصبح «ياماتو لايف» أوّل مؤسّسة ماليّة يابانيّة تنهار بسبب الأزمة المالية العالمية، وتصبح المؤسسة المالية الثامنة التي تنهار في اليابان بعد الحرب العالمية الثانية.