استراتيجيّة موحّدة» اتّفق عليها زعماء دول منطقة اليورو الذين استضافتهم باريس في مؤتمر تاريخي أمس، هدفها الأساسي هو تأكيد وحدة القارّة العجوز في مواجهة الأزمة الماليّة العالميّة. المقرّرات استوحت من الإجراءات البريطانيّة الأخيرة: رسملة للمصارف وتوفير سيولة للأسواق. تطبيقها يبدأ هذا الأسبوع، ونتائجها رهن بـ«مزاج البورصات»
باريس ــ بسّام الطيارة
ثمانية أيّام مرّت على «قمة الأربع» (ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا) التي لم يخرج منها إلا قرارات بشأن اتفاق الأربع الكبرى في الاتحاد الأوروبي على «عدم الاتفاق»، وسجّلت خلالها البورصات الأوروبية تراجعاً بمعدّل ٢٢ في المئة، وبرزت خلالها حالة عدم رضى في دول منطقة اليورو بعدما اكتشف زعماؤها الـ15 أنّ سياسة: «لتنقف كلّ دولة رأسها»، لم تعد صالحة. هذا الواقع دفع زعماء دول منطقة اليورو، إضافة إلى رئيس المصرف المركزي الأوروبي، جان كلود تريشيه، ورئيس المفوضية الأوروبية، خوسيه إيمانويل باروزو، إلى اجتماع طارئ بدعوة من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، بصفته رئيساً للاتحاد الأوروبي. الاجتماع كان عبارة عن قمّة لتوحيد الاستراتيجيّة التي ضاعت في الفترة الأخيرة بسبب عدم الاتفاق على إجراءات موحّدة لمواجهة الأزمة الماليّة العالميّة.
رئيس الوزراء البريطاني، غوردن براون، كان حاضراً أيضاً، وأدى دور «المثال الذي يُحتذى» بمشاركته. إذ إن بلاده لحقت بالطروحات الفرنسيّة القديمة وأمّمت مصرفين وأعلنت تأسيس صندوق بقيمة ٢٥٠ مليار جنيه لدعم سوقها المالي. وأشار حضوره إلى أن هذه الخطوات هي خريطة الطريق التي سوف تسير عليها بلدان اليورو.
كلمة «تأميم» لم يلفظها أيّ من المشاركين، وإن كانت حاضرة في ذهن الصحافيّين الذين ضربوا باحة قصر الإليزيه بنعالهم للمرة الثانية خلال أسبوع. والمستشارة الألمانيّة، أنجيلا مركل، لم تتردّد في القول: «فقط تدخّل الدولة يمكنه إنقاذ الوضع»، في إشارة إلى تراجع جديد فرضه عليها وضع المصارف الألمانيّة، فيما تسرّبت معلومات عن تخصيص برلين لصندوق بمبلغ «أوّلي» يعادل ١٠٠ مليار يورو، في إطار خطّة تبلغ قيمتها 400 مليار يورو، تخصّص لتأمين الاستقرار للنظام المالي في البلاد، حسبما نقلت تقارير إعلاميّة عن النائب الليبرالي، أوتو فريكي.
والواقع أن هذه القمّة ما هي إلّا «جولة ثانية بين ساركوزي وميركل». إذ نقلت بعض الأوساط المقرّبة من الإليزيه أنّ ساركوزي كان غاضباً بعد قمّة مجموعة الأربع، وصبّ جام غضبه في تعليقه على توجّهها، وقال: «مزّقتِ الوحدة الأوروبية لمواجهة الأزمة»، قبل أن يستطرد «إنّها لم تتردّد في القول: كلّ يحمل قذارته». وهذه الجولة، رغم أنّ يومها هو «تاريخي أوروبي»، حسبما قال سيّد الإليزيه في المؤتمر الصحافي، تؤكّد أنّ «الوحدة الأوروبيّة» لا تزال حبراً على ورق، لأنّ القرارات النهائيّة التي نتجت منها تعود «للحكومات الوطنية».
ولكن هذا لم يمنع المجتمعين من اتخاذ قرارات يمكن تلخيصها بكلمتين: «سيولة وإعادة رسملة»، وسوف يعود لمؤشرات البورصات الأوروبية اليوم الحكم على نجاعة تشخيص الدواء وصلاحيّته.
ساركوزي شدّد على وجوب أن تسدّد المصارف «ثمن المساعدات التي سوف تحصل عليها من الحكومات». ولكن بحسب بعض المعلومات التي تسرّبت، فإنّ طريقة «تسديد ثمن الخلاص» كانت محور نقاش طويل. وبين «تأميم» و«مساهمة»، قال الاتفاق أخيراً: «يمكن لكل دولة المساهمة في المصارف حسب قوانينها». ولكنّه شدد على وجوب أنّ «يدفع قادة المؤسسات المصرفيّة التي فشلت، الثمن»، كما أشار إلى أن المضاربين الذين خسروا «لن يستفيدوا من الإجرءات الجديدة». وجاءت القرارات لتؤكّد أن مهمة المصارف الأولى ستكون «زيادة إقراض المستهلكين والمؤسّسات»، وهو ما ستدعمه المصارف المركزيّة عبر ضمان القروض بين المصارف وتوفير سيولة للمصارف المحتاجة. كما أكّدت أن المصرف المركزي الأوروبي سيسهر على أن تكون القروض ميسّرة، فيما تضمن الحكومات الأوروبية هذه القروض حتى نهاية عام ٢٠٠٩، وهي في سياق مسعى «إعادة الثقة بين الدائنين والمدينين».
كذلك تسمح القرارات الجديدة بـ«شراء الأوراق القذرة»، أي الديون غير القابلة للتسديد، مقابل أصول في المؤسسات المالية. إلا أن الجديد في التصريحات هو التطمينات التي وجهها عدد من المستشارين لـ«دافعي الضرائب» من أن هذه الإجراءات لن «تكون على حسابهم»، وأن إعادة رسملة المصارف المتعثّرة ستكون في مقابل سيطرة الدولة على حصص ومشاركتها في أرباح الرساميل، وأن يكون لها رأي في إدارة شؤونها إلى جانب تغيير نظم تقدير أصول المصارف لتكون مبنية على معطيات واقعية مادية غير افتراضية وبعيدة عن تقديرات المضاربات.
غداً يلتئم مجلس وزاري استثنائي في الإليزيه، وستصدر عن العواصم الأوروبية أرقام المبالغ التي سوف تخصص لإنقاد النظام المصرفي الأوروبي. هل تكفي هذه الأرقام لهذه المهمة؟ سؤال سوف تجيب عليه البورصات، لأن الاقتصاد العالمي لا يزال أسير خطوط بيانات مؤشرات البورصة.


لا للحمائيّة

«العزلة والحمائيّة» لا توفّران سبيلاً لمواجهة الآثار التي نتجت من الأزمة الماليّة العالميّة. بهذه العبارة شدّد وزير الخزانة الأميركي، هنري بولسون، على ضرورة خلق وحدة دوليّة في أوقات الأزمات الاقتصاديّة العصيبة. وخلال اجتماع للجنة صياغة السياسات في البنك الدولي، قال بولسون، «رغم أنّنا في الولايات المتّحدة نتّخذ العديد من الإجراءات الخارقة من أجل تخفيف وطأة الأزمة، إلّا أنّنا لا نسعى لتطبيق سياسات تحدّ من تدفّق السلع أو الخدمات أو الرساميل، لأنّ هذه السياسات لا تؤدّي سوى إلى تضخيم مخاطر حدوث أزمة
طويلة».