strong>خلصت الولايات المتّحدة إلى أنّه لا سبيل لتهدئة الأسواق كلياً سوى عبر إجراءات مستوحاة من المقاربة البريطانيّة، وبالتالي تعديل خطّة إنقاذ الأسواق التي تبلغ قيمتها 700 مليار دولار، فيما أمّمت حكومة لندن أمس 3 مصارف جزئياً من خلال دعم رساميلها بـ64 مليار دولار
غداة قمّة مجموعة دول اليورو الـ15، وفي ظلّ بدء تطبيق الإجراءات التي نتجت منها، أعلنت إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش، أنّها تعمل على «وضع برنامج لشراء أسهم في مجموعة واسعة من المؤسّسات المالية» في إطار خطة إنقاذ المصارف التي كشفت خطوطها العريضة في واشنطن. وهي الخطّة الأساسيّة التي كانت تفترض شراء المنتجات الماليّة المسمّمة من الأسواق الماليّة من أجل إعادة الثقة بين اللاعبين الماليّين، بعدما أدّى الترجع في أداء «وول ستريت» خلال الأشهر الـ12 الماضية إلى خسارة نحو 8.4 تريليونات دولار.
وجاء هذا التطوّر بعدما كانت الإدارة الأميركيّة متردّدة في اتخاذ إجراءات لضمان قروض المصارف، ونبع ذلك من القلق من أن تؤدّي هذه التدابير إلى منح مصارف معيّنة أفضليّة على مصارف أخرى. ولكن يبدو أنّ الخطوات التي اتخذتها بريطانيا في هذا السياق، وهي عبارة عن خطّة إنقاذيّة قيمتها 400 مليار جنيه، أثبتت نجاعتها.
فقد أعلنت السلطات البريطانيّة أمس، أنّها ستؤمّم جزئياً المصارف الآتية: «THE ROYAL BANK OF SCOTLAND» و«LLOYDS TBS» و«HBOS»، من خلال دعم رأس مالها بـ64 مليار دولار. وستستحوذ بالتالي على 47 في المئة من المصرف الأوّل و43 في المئة في المصرف الثاني، وهي النسبة نفسها التي ستتملّك على أساسها في أسهم المصرف الثالث. أمّا مصرف «BARCLAYs» فقد أعلن أنّه سيقوم بجمع 10 مليارات دولار من مستثمرين في القطاع الخاص لدعم رأس ماله.
وفي تعليق على هذه التطوّرات، قال وزير الخزانة البريطاني، أليستر دارلينغ إنّ الوزراء سيتّخذون قرارات يوميّة للتعاطي مع التطوّرات «لأنّنا لا نريد أن ننخرط في عمليّة إدارة المصارف». وبالعودة إلى التطوّرات الأميركيّة، قال نيل كاشكاري الذي كلفته وزارة الخزانة الإشراف على الخطة المستحدثة، إنّ البرنامج الجديد الذي سيضمن أيضاً مساعدة المصارف من خلال دعم رساميلها، سيوضع على «أساس الطوعية بشروط مغرية لتشجيع مشاركة مؤسسات تتمتع بوضع سليم. كذلك سيشجّع أيضاً المؤسّسات على جمع أموال خاصّة تكمل الأموال العامّة». وأضاف أنّ «الهدف الوحيد» لخطة إنقاذ النظام المالي هو إعادة تدفّق الرساميل إلى المستهلكين والشركات «التي تشكل قلب اقتصادنا»، مشيراً إلى «أنّنا نتقدّم بسرعة، لكن بطريقة منهجية»، ومذكّراً بالتزام السلطات حماية مصالح دافعي الضرائب.
ولتطبيق الخطّة، تمّ تشكيل 7 فرق صمّمت لمساعدة «المؤسسات المالية من جميع الأحجام»، وبحسب كاشكاري، فإنّ هذه الخطوات ستتزامن مع قيام السلطات بما يلزم لمنع إفلاس أيّة مؤسسة مالية من شأنها أن تجرّ سلسلة إفلاسات أخرى في سياقها كما تعهدت مجموعة السبع خلال القمّة التي عقدها وزراء ماليّتها في واشنطن يوم الجمعة الماضي.
وتُظهر هذه التطوّرات في الموقف الأميركي حول تطوير مقاربة عمليّة لعلاج الأزمة، أنّ الأوروبيّين كانوا أسرع في تطوير حلول للأزمة لأنّ المصارف في القارّة العجوز تواجه مشكلات طارئة حسبما تنقل صحيفة «نيويورك تايمز» عن كبير الخبراء الاستراتيجيّين حول الأسهم في مصرف «CITIGROUP»، توبياس لكفوفيتش. فالعديد من المؤسّسات الماليّة الأوروبيّة اقترضت بهوامش خطرة في ما يتعلّق بحجم رساميلها مقارنة بنظيرتها الأميركيّة.
وتلك الحلول تمخّضت بعدما كان الموقف الأوروبي منذ أسبوعين متشرذماً حول كيفيّة إيجاد حلّ موحّد لمواجهة فقدان ثقة المستثمرين في إطار أزمة ائتمانيّة أدّت إلى فقدان السيولة، لرفض المصارف إقراض بعضها بعضاً. ولكن رغم أنّ الأوروبيّين توصّلوا إلى موقف موحّد لطمأنة الأسواق (التي هدأت بالفعل وعادت معظمها إلى الصعود بوتيرة عالية)، إلّا أنّ اقتصاديّين عديدين يحذّرون من أنّ بعض تلك التدابير، وأهمّها ضمان الودائع، قد تدفع ببعض المستثمرين إلى تفضيل بلدان على أخرى، من خلال تقويم عناصر الأمان المستحدثة.
إذاً فالإدارة الأميركيّة، بعد اكتشافها محدوديّة خطّتها الأساسيّة لإنقاذ الأسواق، تلجأ الآن إلى خطّة بديلة تعتمد على دعم مباشر للمصارف، من أجل تكريس عوامل «طمأنة الأسواق»، بحسب الرئيس الأميركي جورج بوش، الذي استقبل رئيس الوزراء الإيطالي، سيلفيو برلوسكوني. وأعرب الزعيمان عن رغبتهما في عقد قمّة لمجموعة الثماني (الدول الصناعيّة الكبرى + روسيا) خلال الأسابيع المقبلة من أجل إجراء محادثات أكثر تعمّقاً في الأزمة الماليّة. ولكن على الرغم من الهدوء الذي أمّنته التطوّرات الجديدة للأسواق، إلّا أنّ انعكاسات الأزمة الماليّة على الاقتصاد الحقيقي بدأت تظهر بوضوح، بحسب وزير المال الألماني، بيتر شتاينبورك.
(الأخبار)


«نظام جديد»

رأى رئيس الوزراء البريطاني، غوردن براون، أنّ على زعماء العالم الاجتماع في أسرع وقت ممكن من أجل الاتفاق على نظام مالي عالمي جديد يحلّ مكان نظام «بريتون وودز» الذي أرسي بعد الحرب العالميّة الثانية. وقال براون: «في بعض الأحيان تتطلّب الأمور أزمة لكي يقتنع الناس بضرورة الاتفاق على ما هو واضح وكان يجب تطبيقه منذ سنوات مضت، ولا يمكن تأجيله أكثر من ذلك». وأضاف: «علينا أن نخلق هندسة ماليّة عالميّة جديدة لهذا العصر الكوني». ومن المعروف أنّ «بريتون وودز» أدّت إلى نشوء مؤسّسات عالميّة مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.