هبط سعر برميل النفط إلى أدنى مستوى له خلال 13 شهراً أمس، فيما تسيطر هواجس الركود على الاقتصاد العالمي، وعلى الأسواق الماليّة، التي لم تنجح المبادرات الحكوميّة العالميّة في تهدئتها كلياً، لذا تسعى البلدان الصناعيّة إلى صياغة مفاهيم جديدة لتقنين النظام المالي العالمي، والدعوات في هذا الاتجاه تنطلق من أوروبا
أصبح من المسلّم به أنّ الاقتصاد الكوني يدخل في مرحلة ركود، مع ظهور مؤشّرات عديدة من العالمين الصناعي والنامي، تتعلّق بالبطالة والنموّ. وهذه المرحلة تأتي مباشرة بعدما أدّت الأزمة الماليّة التي عصفت ببورصات العالم إلى تمظهر الخلل الحقيقي الذي تشهده العولمة، ونشوء دعوات متزايدة لتعديل النظام المالي العالمي. وهذه المخاوف من الركود دفعت أسعار النفط إلى أدنى مستوى لها خلال جلسة التداول في بورصة لندن أمس، فقد هبط سعر برميل الخام إلى مستوى يقلّ بنسبة 50 في المئة عن سعره القياسي التاريخي. فبعدما تجاوز الـ147 دولاراً في تمّوز الماضي وصل سعر برميل مزيج «BRENT» إلى 67.17 دولاراً، فيما هبط سعر برميل الخام الخفيف المتداول في نيويورك إلى 71.21 دولاراً في منتصف التداول، وهو أدنى مستوى له منذ 13 شهراً.
وفي المقابل، جدّدت إيران دعوتها إلى ضرورة الموازنة بين العرض والطلب من النفط في الأسواق. فمنظّمة الدول المصدّر للنفط، «أوبك»، تتعرّض لضغوط متزايدة، وتداعى أعضاؤها إلى عقد اجتماع طارئ في 24 من الشهر الجاري، لدراسة آثار تراجع عجلة الاقتصاد الكوني على أسواق النفط.
وعلى أي حال، يرى المراقبون أنّ السبب وراء هذا التراجع القياسي لسعر الوقود الأحفوري خلال فترة قصيرة جداً (ثلاثة أشهر فقط) يرجع إلى مخاوف المستثمرين من أنّ أزمة الائتمان العالميّة قد تتحوّل إلى أزمة اقتصاديّة، لذا فهم يتجنّبون شراء العقود النفطيّة المستقبليّة في الأسواق، إضافة إلى التخلّي عن الرغبة في الاستثمار في الأسهم.
وبالفعل، فإنّ أسواق الأسهم، وبعد تسجيلها ارتفاعاً على مدى يومين (الاثنين والثلاثاء الماضيين) تراجعت أيضاً أمس، بعدما أظهرت توجّهات المستثمرين أنّ المخاوف لا تزال تخيّم على تطلّعاتهم في السوق، على الرغم من الرزم الإنقاذيّة التي نشأت من مقاربات جديدة لـ«إصلاح الضرر» في الأسواق، تمثّلت بتأميمات جزئيّة للمصارف في أوروبا والولايات المتّحدة.
وفي هذا الصدد، شدّد رئيس الوزراء الياباني، تارو آسو، على أنّ واشنطن ربّما تحتاج إلى ضخ مزيد من الأموال في بنوكها لاستعادة ثقة المستثمرين التي بدّدتها الأزمة المالية، فيما أعلن المصرف المركزي الأوروبي أنه سيقدّم ما يصل إلى 5 مليارات يورو للمجر من أجل دعم السيولة، غير أنّ خسائر أسواق الأسهم ألقت بظلالها على هذه التحركات.
فمؤشّر «NIKKEI» في بورصة طوكيو انخفض بنسبة 11.4 في المئة، وهو أعلى انخفاض منذ عام 1987، ولحقته البورصات الأوروبيّة التي تراوح فيها الانخفاض بين 2 في المئة و5 في المئة. أمّا البورصة الأميركيّة، فبعدما افتتحت على ارتفاع طفيف، عادت وتراجعت في ظلّ ازدياد المؤشّرات السلبيّة عن أداء أكبر اقتصاد في العالم.
فهذا الاقتصاد يعاني أساساً انخفاض الرواتب وانخفاض الانخفاض الاستهلاكي الذي يمثّّل ثلثي النشاط الاقتصادي، إضافةً إلى تراجع النشاط الائتماني في البلاد، وبالتالي تراجع أداء الشركات التي تعتمد على الاقتراض لتسيير أمورها.
ولهذه الأسباب، ركّز القادة الأوروبيّون خلال قمّتهم التي عقدوها في بروكسل، خلال اليومين الماضيين، على موضوع الأزمة الماليّة والتحديّات المتوقّع أن يواجهها الاقتصاد العالمي خلال الفترة المقبلة. وتعهّدوا في مسودة بيان التصدي للتباطؤ الاقتصادي. وقالوا إنّهم يؤكّدون تصميمهم «على اتخاذ الإجراءات الضرورية لمواجهة تباطؤ الطلب، وتقلص الاستثمار ودعم الصناعة الأوروبية خصوصاً».
وهذا التعهّد تزامن مع دعواتهم، ولا سيّما الرئيس الفرنسي ميكولا ساركوزي والمستشارة الألمانيّة أنجيلا ميركل ورئيس الوزراء البريطاني غوردن براون، إلى عقد قمّة دوليّة لإصلاح النظام المالي العالمي، تتّخذ قرارات مبكرة بشأن الشفافية والمعايير العالمية للتنظيم والإشراف عبر الحدود ونظام إنذار مبكر لاستعادة الثقة.
فالنظام المالي القائم، عمره أكثر من 60 عاماً، وهو أُرسي بعد تحوّلات طرأت على العالم: نهاية الحرب العالميّة الثانية. وفي ظلّ التحوّلات التي يشهدها العالم حالياً، لا بدّ من تطوير نظام جديد يحلّ مكان نظام «BRETTON WOODS» الذي تهيمن عليه، وعلى المؤسسّات التي أنتجها (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) الولايات المتّحدة.
وهكذا، فإنّ زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس المفوضيّة الأوروبيّة خوسيه مانويل باروسو إلى واشنطن خلال نهاية الأسبوع الجاري، ستخصّص لدراسة إحداثيّات «النظام الجديد»، على أن يبتّ نهائياً في قمّة لمجموعة الدول الثماني الكبرى، يقول البيت الأبيض إنّها قد تكون قبل نهاية العام الجاري: الخوف من الركود يدفع لاتخاذ إجراءات استثنائيّة.
(الأخبار)



تعثّر سويسري

يبدو أنّ الأمثلة عن تعثّرات المصارف وطلب البنوك المساعدة لن تنتهي قريباً. فالمصرف السويسري المرموق «UBS» أعلن أمس أنّه سيحصل على 5.3 مليارات دولار في صورة أذون قابلة للتحويل إلزامياً إلى أسهم عادية مستقبلاً. فيما أعلنت مجموعة «CREDIT SUISSE»، ثاني أكبر مصرف في البلاد، أنّها رفعت رأس مالها الأساسي بنحو 10 مليارات فرنك من عدة مستثمرين كبار، من بينهم شركة تابعة لهيئة الاستثمار القطرية، وذلك بعدما سجّلت خسائر صافية بلغت نحو 1.3 مليار فرنك في الربع الثالث من العام الجاري.