strong>تعتبر الإجراءات التي اتخذتها أوروبا أساسيّة لاحتواء التدهور الذي سيطر على البورصات والمخاوف من انهيار كلّي للنظام المصرفي. وبحسب صندوق النقد الدولي فإنّها ستسمح «بتجنّب تبعات أكثر خطورة للأزمة». ولكن هواجس القارّة العجوز تبقى موجودة، ولتخطّي جوانب منها تطرح فرنسا إنشاء صناديق سياديّة «كي لا يجتاح الرأسمال الأجنبي» الشركات الأوروبيّة
بعدما هدأت الأسواق الماليّة حول العالم نسبياً، إثر المعمعة التي ولّدتها أزمة الائتمان العالميّة، تحاول أوروبا لملمة شؤونها الداخليّة (الماليّة والاقتصاديّة بينما السياسة موضوعة على الرفّ). والسبب الأساسي في ذلك، هو التباين الواضح في الرؤى والمنهج الذي ظهر إثر تداعي الدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي إلى قمّة في بداية الشهر الجاري لمعالجة تداعيات الأزمة الماليّة: فرنسا أرادت (ونجحت في النهاية) توحيد الجهود الأوروبيّة فيما اعترضت ألمانيا مشدّدة على ضرورة أن يعالج كلّ بلد مصائبه على طريقته وبحجم مسؤوليّاته.
والقمّة الطارئة التي جمعت دول منطقة اليورو الـ15، أدّت إلى إنتاج سلّة متكاملة من التدابير لحماية المصارف والمؤسّسات الماليّة الأوروبيّة، تبنّتها في ما بعد البلدان الـ27 المنضوية تحت لواء الاتحاد الأوروبي، وهدّأت من روع المستثمرين القلقين ومن الانخفاضات الحادّة في الأسواق.
والخطاب الأوروبي، منذ إقرار التدابير الإنقاذيّة، تميّز بتوجّه شديد الحدّة نحو تعديل النظام المالي العالمي القائم منذ نهاية الحرب العالميّة الثانية (ومؤتمر «BRETTON WOODS»). وظهر هذا التوجّه في خطابات الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، والمستشارة الألمانيّة أنجيلا ميركل، ورئيس الوزراء البريطاني غوردن براون.
ويُعزى هذا التوجّه إلى وعي أوروبا أنّ العالم لم يعد كما كان عليه، ليس فقط منذ اندلاع الأزمة الماليّة العالميّة، بل قبلها، حين أدّت أنماط النموّ في البلدان الناشئة ومعاناة البلدان الصناعيّة إلى تغييرات جوهريّة في التجارة الخارجيّة، وتشكيلات جديدة لتوزّع الإنتاج والاستهلاك.
كما تعي أوروبا أنّ أكبر عمليّة لانتقال الثروة في التاريخ، التي شهدها العالم خلال الفترة الأخيرة (بسبب الطفرة النفطيّة كما هي الحال مع بلدان الخليج وروسيا أو بسبب قفزات النموّ الخارقة في بلدان كالصين والهند) ستدفع نحو رسم معالم جديدة في خارطة العولمة الماليّة والاقتصاديّة، أساسها نموّ لسيطرة الرساميل المهاجرة من العالم النامي على شركات أو أصول في مؤسّسات في العالم المتقدّم.
ومن هذا المنطلق نبعت دعوة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أمس، إلى بلدان الاتحاد الأوروبي لإنشاء صناديق ثروات سياديّة خاصّة بهم لتجنيب الشركات الأوروبيّة الوقوع في الأيادي الأجنبيّة، في المراحل التي تهبط فيها أسعار أسهمها، أو تصبح في حاجّة ماسّة إلى السيولة، كما حدث مع الشركات والمصارف الاستثماريّة الأميركيّة («CITIGROUP» و«MERRILL LYNCH»...).
فسيّد الإليزيه شدّد على أنّه لا يريد أنّ «يستفيق المواطنون الأوروبيّون بعد أشهر قليلة ليجدوا أنّ شركاتهم أصبحت ملكاً لرساميل غير أوروبيّة، اشترت أسهم تلك الشركات عند أدنى مستوياتها»، لذا فإنّ «هذه الصناديق السياديّة (الأوروبيّة) قد تستطيع في النهاية التنسيق في ما بينها من أجل صياغة ردود على الأزمة».
وبصفتها رئيسة للاتحاد الأوروبي، تعتبر فرنسا أنّ على أوروبا بالفعل توسيع نظاق الجهود المشتركة التي بذلتها لتهدئة الأسواق. وليس هناك أكثر أهميّة من إنشاء صناديق ثروات تنقذ المؤسّسات المتعثّرة وقت الأزمات. فالصناديق السياديّة المنتشرة في العالم حالياً، تتبع للدول الغنيّة نفطياً أو للبلدان النامية في شرق آسيا، ويبلغ حجم أصولها 2.5 ترليون دولار، تستطيع استثمارها بصفة رأسمال يبغى الربح، قد تتحوّل طبيعته إلى سياسيّة.
الرئيس الفرنسي لم يكتفِ بذكر الصناديق السياديّة في إطار التشديد على ضرورة توحيد جهود بلدان قارّته. بل أعاد إلى الأذهان فكرة إنشاء حكومة اقتصادية حقيقية خاصة بمنطقة اليورو، على ضوء الأزمة المالية الحالية، رغم التحفظات التي أبدتها ألمانيا.
ورغم أنّ فكرتها لا تزال غير واضحة، فإنّ الحكومة الفرنسيّة تدعو منذ سنوات إلى إنشاء هذه الحكومة، التي تدعو إلى توجيه سياسي لمنطقة اليورو حيال نفوذ المصرف المركزي الأوروبي.
من جهة أخرى، فإنّ البلدان الأوروبيّة، تواجه معضلات أخرى تفترض تداعيات على أوضاعها الاقتصاديّة وتتطلّب توافقاً جدياً لتخطّيها. وأبرز تلك المعضلات التزام البلدان بالجدول الزمني، وأهداف الخطة الأوروبية لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري، وفي هذا السياق، ذكرت وزيرة البيئة الإيطاليّة، ستيفانيا بريستيجياكومو، أنّ تلك الخطط المحافظة على البيئة قد تجبر العديد من الشركات الإيطاليّة على الانتقال جغرافياً لتخفيف عبء الأكلاف... ما يعيدنا إلى الطرح الأساسي: أي شركات يريد أن يحميها ساركوزي؟!
(الأخبار)


رسالة إلى الخليج

افتتحت فرنسا في أبو ظبي مكتباً لوكالتها المتخصصة في اجتذاب الاستثمارات الأجنبية، في وقت لا تتجاوز فيه الاستثمارات الخليجية في فرنسا 2.7 مليار دولار من أصل 2500 مليار دولار يستثمرها الخليجيّون في العالم. ونقلت وزيرة الدولة الفرنسية لشؤون التجارة الخارجية آن ماري إيدراك، رسالة من رئيسها نيكولا ساركوزي إلى نظيره الإماراتي، خليفة بن زايد آل نهيان، عن العلاقات الثنائية بين البلدين، ما استتبع إشادة من الرئيس الإماراتي بالجهود التي يبذلها سيّد الإليزيه كرئيس للاتحاد الأوروبي.