تستمرّ المخاوف من موجة الركود العالمي في السيطرة على الأسواق، مع تبيّن أنّ اقتصادات العالم تدخل في مراحل انكماش. وتنتظر البورصات عودة التوازن مع بدء تطبيق إجراءات الإنقاذ حول العالم، إضافة إلى قمّة «إصلاح» النظام المالي العالمي، إلا أنّ الانتظار يجري في ظلّ خسائر كبيرة تسجّل من طوكيو وحتى نيويورك، مروراً بالخليج وأوروبا
حسن شقراني
يُتوقّع أن يشهد الأسبوع الجاري بدء وزارة الخزانة الأميركيّة ضخّ مبلغ الـ125 مليار دولار في رساميل 9 مصارف ضخمة في البلاد، من أجل مساعدتها على احتواء أزمة السيولة، وذلك في إطار الخطّة البالغة 250 مليار دولار، التي سيخصّص المبلغ الباقي منها لإنعاش رساميل آلاف المصارف والمؤسّسات الماليّة الأخرى في البلاد. وتعدّ هذه الخطّة جزءاً من الخطّة الأكبر التي تفترض تخصيص 700 مليار دولار لإنقاذ الأسواق الماليّة من التدهور الحاصل منذ انهيار مصرف «LEHMAN BROTHERS» ما أطلق أسوأ أزمة ماليّة في العالم منذ 80 عاماً.
ولكن إلى حين تمظهر مفاعيل هذا الإجراء، إضافةً إلى إجراءات مماثلة في مختلف أصقاع الأرض، وفي انتظار أيضاً بدء سلسلة القمم الدوليّة لإنقاذ الرأسماليّة المعولمة، في قمّة يستضيفها الرئيس الأميركي جورج بوش في 15 من الشهر المقبل، تخسر الأسواق الماليّة حول العالم يوميّاً تقريباً، وتعيش البورصات حالة من الهشاشة الاستثنائيّة التي لا تنفكّ تؤدّي إلى تسجيل مستويات قياسيّة من الانخفاضات، مع سيطرة هواجس الركود على المستثمرين وعلى اقتصادات العالم.
ويوم أمس كان سوداوياً أيضاً على البورصات. فقد هبط مؤشّر «NIKKEI» الياباني بنسبة 6.36 في المئة، ووصل إلى أدنى مستوى له منذ تشرين الأوّل عام 1982، في ظلّ مخاوف المستثمرين من أنّ الخطوات المتّخذة عالمياً قد تكون متأخّرة على احتواء الانهيار الكبير.
وفي الشرق أيضاً، خسر مؤشّر «HANG SENG» في هونغ كونغ، 12.7 في المئة من قيمته، وهو أكبر انخفاض يومي يسجّله منذ عام 1991، فيما توجّه التجّار الماليّون مثل باقي زملائهم حول العالم، إلى التخلّي عن الأسهم من أجل الحصول على السيولة لتغطية مراكز ماليّة متضرّرة.
أمّا البورصات الأوروبيّة، فقد لقيت أيضاً حصّتها من الخسائر، مع تراجع مؤشّر «CAC40» في باريس بنسبة 4.01 في المئة، وتكبّد مؤشّر «FTSE100» في لندن، خسارة نسبتها 1.37 في المئة من قيمته خلال جلسة التداول أمس. إضافة إلى تراجع مؤشّر «DAX30» في فرانكفوت بنسبة 2.03 في المئة.
من جهة أخرى، ورغم التقارير والتأكيدات الرسميّة التي تشدّد يوماً بعد يوم على أنّ بلدان الخليج العربي قادرة على احتواء الأزمة الماليّة العالميّة بفضل «مميزاتها التفاضليّة»، لا تزال مؤشّرات البورصة تسجّل خسائر يوميّة. فقد أنهى المؤشر العام للأسهم السعودية تعاملاته على خسارة نسبتها 3.49 في المئة.
وفي الإمارات العربيّة المتّحدة، تراجع المؤشّر المعياري للأسهم بنسبة 5.8 في المئة، ليغلق عند 2922.66 نقطة، وهي المرّة الأولى منذ 3 سنوات التي ينخفض فيها المؤشّرة إلى ما دون مستوى الـ3 آلاف نقطة منذ 3 سنوات ونصف سنة. كذلك تراجعت بورصة أبو ظبي بنسبة 2 في المئة، مع تكبّد أسهم قطاع العقارات خسارة نسبتها 5.7 في المئة.
وتطرح سلسلة الخسائر المحقّقة في بورصات بلدان الخليج تساؤلات عن المدى الذي يمكن أن يصل إليه عامل الصمود الذي تقول التقارير إنّه ميّز الاقتصادات في هذه المنطقة خلال الفترة الأخيرة. فبحسب تقرير أصدرته شركة الاستشارات الماليّة «ERNEST AND YOUNG»، بلغت الرساميل المجموعة من أجل الإصدارات الأوليّة في العالم، خلال الربع الثالث من العام الجاري، 3.61 مليارات دولار، بعدما كانت 4.72 مليارات دولار خلال الربع الثاني. غير أنّ عمليّات الإصدارات الأوليّة في منطقة الشرق الأوسط بدأت تدخل في لائحة العشرة الأوائل في العالم، مع حلول الإصدار الذي نفّذته الشركة السعوديّة للتنجيم، والبالغ 2.467 مليار دولار، في المركز الأوّل عالمياً.
ويمكن ربط التراجعات الحادّة حول العالم باستمرار ظهور التقارير السوداويّة حول أداء الاقتصاد العالمي وتحديداً الاقتصادات الأوروبيّة. فقد أظهر مؤشّر «IFO» الألماني أمس، أنّ الثقة بمناخ الأعمال في أكبر اقتصاد في أوروبا تراجعت خلال الشهر الجاري إلى أدنى مستوى لها منذ 5 سنوات.
ويبدو أنّ هذه الأجواء السوداويّة ستبقى طاغية إلى حين تحقّق الإجراءات التي تعهّدت اتخاذها الولايات المتّحدة وحلفاؤها في العالم الرأسمالي. فالنتائج السلبيّة التي تحقّقت أمس، جاءت رغم تأكيد مجموعة الدول الصناعيّة السبع الكبرى (G7) «مصلحتها المشتركة في ضمان استقرار النظام المالي العالمي»، ويتّضح أنّ تحوّلها إلى إيجابيّة ينتظر قمّة مجموعة الدول العشرين الكبرى التي ستُعقد في الولايات المتّحدة الشهر المقبل، وستغيّر هذا النظام المالي الدولي!


هشاشة الين!

أعربت دول مجموعة الدول الصناعيّة الكبرى (G7) في بيان أصدرته أمس، عن قلقها من «الهشاشة الزائدة» لسعر الين، الذي حقّق الجمعة الماضي أعلى مستوى له أمام الدولار خلال 13 عاماً، فيما يهرع المستثمرون إلى الاستثمار في شبكة الأمان التي يفترضها. وقال البيان إنّ النمط الذي يشهده سعر الين يؤثر سلباً في الاستقرار المالي في اليابان. وكان وزير المالية الياباني، شويشي ناكاجاوا، قد قال في طوكيو إنّ بلاده طلبت من المجموعة إصدار البيان، مشيراً إلى أنّ حكومته ستفكر في اللجوء إلى المزيد من الإجراءات لوقف ارتفاع الين.