strong>تبدو منظّمة الدول المصدّرة للنفط حائرة. فالخفض الأخير للإنتاج الذي أقرّته يقول المراقبون إنّه لن ينفع في رفع الأسعار، لأنّ الركود المرتقب ينسحب على الطلب على الطاقة. لذا، فهي ستتخذ «إجراءات» لضمان رفع الأسعار، وتشدّد في الوقت نفسه على أنّ العالم لا يستطيع التعويل عليها، رغم سيطرتها على أكثر سلعة استراتيجيّة في عصرنا!
يرى المحلّلون أنّ خفض منظّمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك) للإنتاج 1.5 مليون برميل يومياً بدءاً من أوّل الشهر المقبل، لن يكون له أثر فعال على الأسواق الخائفة أساساً من الركود الذي سيترجم تراجعاً في عجلات الاقتصاد في البلدان الصناعيّة والنامية على حدّ سواء، وبالتالي في انخفاض على الطلب على المواد الطاقويّة، وذلك عكس ما شهده الصيف الماضي، حين تضافر عاملا ارتفاع الطلب (من البلدان النامية تحديداً) والمضاربات في الأسواق (في ظلّ التراجع في الأسواق الماليّة)، لإيصال الأسعار إلى مستوى قياسي قارب الـ150 دولاراً للبرميل.
وهذا الواقع يضع بلدان المنظّمة أمام واقع صعب. فمن جهة هي تريد أسعاراً مرتفعة، يقول «الرسميّون» في المنظّمة إنّها يجب أن تتراوح بين 80 دولاراً و90 دولاراً للبرميل (بحسب وزير النفط القطري عبد الله بن حمد العطيّة)، رغم أنّ معظم ميزانيّات بلدان مجلس التعاون الخليجي (وبينها السعوديّة) قائمة على اعتبار أنّ معدّل سعر البرميل هو 50 دولاراً. وهذه المطالبة تنبع من «الحيويّة» التي توليها تلك البلدان إلى المشاريع التنمويّة، وتحديداً مشاريع البنية التحتيّة العملاقة (التي تتطلّب كثيراً من التمويل)، وتنبع أيضاً من السلوك المتطرّف الذي يتّبعه «صقور» المنظّمة، فنزويلا وإيران وليبيا، لإيصال سعر البرميل إلى 100 دولار.
ولكن من جهة أخرى، يبدو أنّ هامش مناورة قادة تلك البلدان لتحقيق تلك الأسعار يضيق يومياً، مع اتضاح أنّ «الكلفة السياسيّة» لن تدعهم يطبّقون إجراءات إضافيّة أكثر جذريّة تؤمّن ارتفاع الأسعار إلى مستويات يعتبرونها «عادلة». فانهيار الأسواق الماليّة والمخاوف المتزايدة من انعكاسات هذا الانهيار على الجوانب الحقيقيّة من اقتصادات العالم (خارج مدار الأسواق الماليّة) تدفع المستثمرين إلى تقليص ثقتهم بعقود النفط الآجلة، لأنّ الركود يقضي بطبيعة الحال على الطلب.
هذا الواقع دفع المنظّمة إلى رفع حدّة خطابها في شأن ضرورة إعادة الأسعار إلى المستويات المنطقيّة. فقد حذّر الأمين العام للمنظمة، عبد الله البدري، أمس، من أنّ الدول التي تأثرت بالأزمة المالية لا يمكنها التعويل على دول «أوبك» لتجاوز هذه الأزمة. وقال في مؤتمر «OIL AN MONEY» الذي عقد في لندن، «أرجوكم، لا تعوّلوا علينا لإنقاذكم». وأضاف: «ما يفاجئ هو أنّ كل العالم التفت إلى أوبك للخروج من الأزمة... معظمنا في أوبك دول فقيرة، لا نستطيع إخراج (الدول الأخرى) من الأزمة»، مشدّداً على أنّ «أصل هذه الأزمة يكمن في الولايات المتحدة وينبغي معالجتها في الولايات المتحدة القادرة على ذلك».
من جهة أخرى، وفي المؤتمر نفسه، أعلن وزير الطاقة القطري عبد الله بن حمد العطية، أنّ المنظمة لن تعقد اجتماعاً طارئاً حول تدنّي الأسعار قبل الاجتماع العادي المقرّر في 17 كانون الأوّل المقبل في وهران في الجزائر. وقال إنّ «أسابيع قليلة تفصلنا عن الاجتماع، والمشكلة قد تلقى حلاً خلال بضعة أسابيع»، وذلك على الرغم من إشارة وزير الطاقة والمناجم الجزائري، شكيب خليل، إلى أنّ «أوبك» قد تعقد اجتماعاً استثنائياً إذا اقتضى الأمر.
ويظهر هنا بالتالي التضارب داخل المنظّمة، وهو ينشأ إلى جانب التضارب الأساسي الذي كان موجوداً، والمتمثّل في اختلاف وجهات النظر بين المعتدلين، الذين تقودهم السعوديّة، أكبر مصدّر للنفط في العالم، وبين «الصقور». وهذ التضارب قد يعوق عمليّة «إحداث توازن بين العرض والطلب في السوق»، التي يريدها وزير النفط الكويتي، محمد العليم، الذي شدّد على أنّ «أوبك» لن تتردّد في اتخاذ «الإجراءات اللازمة».
وفيما تبحث بلدان «أوبك» تلك الإجراءات المطلوبة. تستمرّ السوق في تحديد الأسعار. فبعد ارتفاع الأسهم الأوروبيّة والآسيويّة، بسبب إقبال المستثمرين على شراء الأسهم التي انخفضت أسعارها بشدّة، ارتفع سعر برميل النفط فوق 64 دولاراً في نيويورك، بعدما كان قد وصل إلى حافة الهبوط إلى ما دون الستين الدولاراً ليدقّ ناقوس الخطر لبلدان الخليج وزميلاتها في المنظّمة الدوليّة.
فالأسواق الأميركيّة والأوروبيّة انتعشت انتعاشاً لافتاً أمس، متأثّرة بالأداء الإيجابي جداً للأسهم الآسيويّة وبقفزة في أسهم المجموعة النفطيّة «British Petroleum»، التي تجاوزت أرباحها خلال الربع الثالث من العام الجاري توقّعات المراقبين (بلغت 8 مليارات دولار). وتريد «أوبك» وزملاء «BP» في الصناعة النفطيّة أن تستمرّ هذه الأرباح، ولكن لا أحد يعرف ما تخبّئه الأسواق وكيف سيتأقلم الاقتصاد العالمي، الذي، للمفارقة، لا يزال يعتمد على النفط كمصدر أساسي للطاقة.
(الأخبار)


عقدة لندن

أعلن الأمين العام لـ«أوبك»، عبد الله البدري، أنّ بريطانيا تخلّت عن مشروع عقد قمّة تضمّ الدول المنتجة والمستهلكة للنفط في 19 كانون الأوّل المقبل. وقال: «ألغت الحكومة البريطانيّة القمّة (المرتقبة)... لم يكن البريطانيّون واضحين، فهم لم يدعوا بعضاً من رؤساء البلدان» في المنظّمة. ويبدو أنّ عقدة لندن تكمن في دعوة الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد. ولكن على الرغم من ذلك، أوضح البدري أنّه لا يزال هناك إمكان لعقد اجتماع على مستوى وزاري، إلّا أنّه شدّد على أنّه «إذا لم يدعَ جميع الوزراء فأنا لا أستطيع الحضور».