إنّها الحرب التكنولوجيّة مجدداً: «GOOGLE» و«MICROSOFT»، الأولى عملاق الإنترت، والثانية الشركة الرائدة في برامج الكمبيوتر، تنطلقان في سباق قديم متجدّد للسيطرة على الواقع الافتراضي... ميادين المنافسة كثيرة، وما كان احتكاراً في الأمس أصبح مشرّعاً لسيطرة آخرين. فليحذر بيل غيتس من الجبهات الكثيرة
حسن شقراني
لم تكد شركة «MICROSOFT» تطرح نسختها التجريبيّة (BETA VERSION) من برنامجها لتصفّح الإنترت «INTERNET EXPLORER»، المعروفة بـ«IE8»، حتى فاجأت «GOOGLE»، السوق، ببرنامج منافس سمّي «CHROME»، يطمح إلى إطاحة الغريم التقليدي عن القمّة التي اعتلاها منذ انتهاء «حرب المتصفّحات» مع تراجع مرتبة برنامج «NETSCAPE NAVIGATOR» في تسعينيّات القرن الماضي. الخطوة التي قام بها عملاق الإنترنت، تعدّ الأولى من نوعها له، وتأتي في وقت تستعر فيه المنافسة في عالم التكنولوجيا بين شركات تسعى من دون كلل لفرض نفسها في الريادة، وإن بأكلاف باهظة. وإحدى اللحظات المثيرة التي طبعت هذه المرحلة هي حين رفضت «YAHOO» استحواذ الشركة المبتكرة لنظام التشغيل الثوري، «WINDOWS»، عليها، مواجهة بذلك غضب المساهمين على كيفيّة رفض عرض سخيّ قارب الـ45 مليار دولار.
المدير التنفيذي لـ«GOOGLE»، إيريك شميدت، يلفت إلى أنّ متصفّح «CHROME»، طُوّر أساساً لخلق بيئة أكثر أماناً واستقراراً لمستخدمي الإنترنت. ويقول، حسبما تنقل عنه صحيفة «FINANCIAL TIMES»، إنّ «MICROSOFT»، لديها تاريخ طويل من ممارساتها الفضيليّة لبرامجها الخاصّة، «ويمكنني تقديم 500 ألف صفحة من الشهادات القانونيّة» المتعلّقة بموضوع المنافسة. «كذلك فإنّ مكوّناً أساسياً من قرارنا خلفيّته دفاعيّة»، وفي ذلك إشارة إلى أنّ الشركة التي تملك أكبر محرّك بحث على الشبكة الإلكترونيّة، تحاول احتواء أيّ تمدّد مستقبلي من غريمتها، وخصوصاً أنّ مراقبين عديدين يكذّبون حديث مسؤوليها عن أنّه لم يكن هناك في السابق أي خطط لتطوير متصفّح خاص بها.
وكالة «فرانس برس» نقلت عن المحلّل في مجلّة «THE SILICON VALLEY INSIDER»، هنري بلودجيت، قوله إنّ شركة بيل غايتس «شاهدت هذا الفيلم (سيناريو المنافس) من قبل، ولكن هذه المرّة لن تحبّ أبداً نهايته». ففي غضون سنوات قليلة سيتوجّه الناس نحو تحميل برامج من إنتاج «GOOGLE»، بعدما كانت البرامج المرمّزة بالشبابيك الشهيرة طاغية على السوق الافتراضي.
هذه المسألة يشير إليها شميدت في سياق تبريره لتوجّه شركته إلى إنتاج متصفّح خاص بها. فهو يعترف بأنّ الحجّة الطاغية كانت أنّ «GOOGLE» لا تحتاج إلى تطوير من هذا النوع «فهو غير ضروري»، ولكن ما تغيّر خلال العامين الماضيين، هو أنّ «الناس بدأوا بمراكمة تطبيقات ثقيلة على المتصفّحات... ولكن تلك المتصفّحات (وتحديداً EXPLORER) لم تكن مستوياتها تسمح بتشغيل أنواع معقّدة من التطبيقات».
إذاً فمحرّك البحث الأشهر عالمياً يدخل بقوّة ميدان «MICROSOFT»، ويهدّدها في عقر دارها في ما يشبه كثيراً «الحرب التجاريّة الإلكترونيّة» التي انتهت قبل 10 سنوات تقريباً. ولكن الفارق هذه المرّة هو أنّ للشركة الأخيرة منافسين آخرين، يهدّدون أعمالها في ميدانها الأساسي، صناعة الحواسيب وتشغيلها.
فهي أعلنت أمس، عن حملة دعائيّة، قيمتها 300 مليون دولار، للترويج لبرنامجها التشغيلي، «WINDOWS VISTA»، إثر ضربات موجعة تلقّتها من «APPLE» التي لاقت حملتها المعنونة «MAC VS PC»، نجاحاً واسعاً.
وعلى الرغم من شراء أكثر من 180 مليون رخصة منه منذ انطلاقته عام 2007، لا يزال «VISTA» يعاني من التصوّر المسبق الذي يفيد بأنّه غير عملي وصعب استخدامه، مقارنة بنظام «MACINTOSH»، الذي تنتجه «APPLE». وإضافة إلى ذلك، فإنّ النتائج التجاريّة تفيد بأنّ الشركة الأخيرة تسعى بخطى ثابتة نحو إطاحة «MICROSOFT» في هذا المضمار. فخلال الربع الثاني من العام الجاري، مثّلت صادرات الشركة التي تتخذ التفاحة شعاراً لها، 8.5 في المئة من الصادرات الأميركيّة الكليّة المتعلّقة بقطاع تكنولوجيا الكمبيوتر، أي بارتفاع نسبته 38 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وهي نسبة فاقت بأشواط المعدّل الذي سجّله السوق الأميركي بمجمله، إذ نما فقط بنسبة 4.2 في المئة.
وبالعودة إلى تهديدات «GOOGLE»، فهي ليست محصورة فقط بالتنافس بين «CHROME» و«EXPLORER». وفي هذا الصدد يقول أحد مؤسِّسَي الشركة، سيرغي برين، «إنّ (برامج) الأنظمة التشغيليّة هي نوع قديم في عمليةّ النظر إلى الأمور... ونحن نريد محرّكاً خفيفاً وقوياً لتشغيل التطبيقات»، وهنا يبرز التهديد الحقيقي الذي يجب أن تتنبّه إليه «MICROSOFT»، لأنّه خلال السنوات المقبلة قد يبدأ الناس، إن أعجبهم أو لم يعجبهم «CHROME»، بتحميل نظام تشغيلي غير «WINDOWS» أو «MACINTOSH»: ستكون كلمة «GOOGLE» التي ظهرت إلى العلن عام 1998، برّاقة.


تحديات إضافية

أُطلق «CHROME» في بداية الأسبوع الجاري، وقالت «GOOGLE» إنّه سيكون متوافراً بـ40 لغة مختلفة، لكي ينافس في ميدان يشهد ارتفاع حصّة متصفّح «FIREFOX»، وهو مشروع تمتلكه شركة «MOZILLA» التي لا تبغي الربح، وللمفارقة فإنّها تحصل على جزء كبير من تمويلها من «GOOGLE» نفسها! الأمر الذي يطرح تحدّيات إضافية أمام «MICROSOFT» و«EXPLORER». وبحسب التقديرات التي تعرضها مؤسّسة الأبحاث «NET APPLICATIONS»، فإنّ حصّة المتصفّح الأخير من السوق تبلغ 74 في المئة، في مقابل 18 في المئة لـ«FIREFOX».