التطوّرات التي تحدث في البرازيل هذه الأيّام تعاكس النمط العالمي: اكتشاف احتياطي نفطي قد يجعل منها أحد أكبر منتجي الوقود الأحفوري في مرحلة تتحكم خلالها بالسوق نسخة متطرّفة من قانون الشحّ والقلة، إضافة إلى تعقيدات المضاربة على السلعة الأكثر استراتيجيّة. فكيف ينوي البلد اللاتيني استغلال «كنزه الجديد»؟
بول الاشقر
مثّل النفط خلال القرن الماضي، المصدر الأوّل للطاقة في جميع أصقاع الأرض، وبحسب الدراسات فإنّه سيبقى كذلك خلال القرن الحالي. واقع يفرض على منتجي الوقود الأحفوري تحدّيات تتعلّق بكيفيّة استغلال احتياطيّات ثروتهم الاستراتيجيّة، في ظلّ ندرة تصل إلى الحدود القصوى. ولإعطاء فكرة عن ذلك، فإنّ الولايات المتّحدة تستهلك 7 مليارات برميل في السنة، ما يمثل ربع الاستهلاك العالمي، ويبلغ احتياطيّها 28 مليار برميل، ما يعني أن تمتلك احتياطياً يكفي لتغطية أربع سنوات من استهلاكه، لذا فهي في حاجة مستمرّة لنفط العالم.
قصّة البرازيل معكوسة. فالبلد اللاتيني اكتشف احتياطياً هائلاً في مجاله البحري يساوي أضعاف الاحتياطيّات الأساسيّة التي كان حجمها يتراوح بين 12 ملياراً و14 مليار برميل. ما هي الكمية المكتشفة؟ لا أحد يدري بالضبط، ولكنها قد تنقل البرازيل إلى لائحة أكبر عشرة بلدان من ناحية الاحتياطيّات نفطية، أقلّه بمستوى نيجيريا (35 مليار برميل)، وقد تصل إلى مستوى إيران التي تمتلك 135 مليار برميل.
ليس صدفة أن تدعو إيران البرازيل لكي تنضم إلى منظمة الدول المصدّرة للنفط، «أوبك»، وأن يمازح الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز نظيره البرازيلي، لويس أغناسيو لولا دا سيلفا، بتسميته «الشيخ لولا» نسبة إلى مشايخ النفط.
ففي نيسان عام 2006، ذهب لولا إلى قاعدة بحرية للتنقيب ليشارك في إدراك البرازيل اكتفائها الذاتي بالنفط. فبعد 50 عاماً على تأسيسها، تطوّر إنتاج شركة «بيتروبراس». التي طرحت أسهمها للاكتتاب العام عام 1995، مع أنها تبقى تحت إدارة الدولة، من ألفي برميل يومياً عام 1954 إلى مليوني برميل يومياً. وتعدّ الشركة السابعة عالمياً، ولها أنشطة في 27 دولة، وهي رائدة في مجال التنقيب البحري.
يومها، أصر لولا على أن يطبع بصمات أصابعه المبللة بهذا النفط على المعطف الذي ارتداه للمناسبة. والثلاثاء الماضي، كرّر الحركة نفسها في قاعدة تنقيب في ولاية إسبريتو سانتو بعد استخراج العيّنة البحثية الأولى لهذا الاحتياط الجديد الذي يحمل اسم «ما قبل الملح» لأنه موجود على عمق 7 آلاف متر تحت قشرة ملحيّة سمكها كيلومتران، ما يوضح صعوبة استخراجه ويضمن جودته.
وعلى الرغم من أنّهما متماثلتان، إلّا أنّ حركتي لولا تعبّران عن حالتين متمايزتين: في المناسبة الأولى يخلّد تحقيق إنجاز لاحقه البلد خلال عقود، وفي الثانية يدشّن مغامرة جديدة في حياة البلد ونموه.
فالتحديات التي يفترض اجتيازها لتحويل نفط ما قبل الملح إلى واقع، لا تحصى. وليس متوقعاً إنتاجه تجارياً قبل عام 2010 وأن يدرّ أرباحاً قبل 5 أو 6 سنوات. فسماكة القشرة الملحية تمثّل تحدياً تكنولوجياً بحد ذاتها، وهي تكوّنت مع انفصال أميركا عن أفريقيا قبل 150 مليون عام.
وهناك مشكلة البعد عن الشاطئ بحوالى 300 كيلومتر، ما يطرح معضلات عن كيفية استغلال الغاز الطبيعي. وهناك أيضاً ضرورة تحديد ما إذا كانت الاحتياطيّات الموجودة تحت القشرة الملحية الممتدة على طول 800 كيلومتر، هي من حقل واحد ضخم أو من حقول عديدة.
هذه الأسئلة وغيرها ستعدّل حتماً بخريطة القطاع وبقوانينه وبأنماط تمويل مغامرة «ما قبل الملح» التي تتطلب استثمارات خيالية بمستوى مردودها المتوقع. وعلى سبيل المثال، ومن دون حساب نفط ما قبل الملح، ستستثمر «بيتروبراس» بين عامي 2008 و2012 داخل البرازيل وخارجها 112 مليار دولار. ولاستخراج نفط ما قبل الملح، ستحتاج الشركة أو غيرها من الشركات المتنافسة على مناقصات التنقيب، إلى «أضعاف أضعاف» هذه القيمة.
قرار تحديد وجهة التشريعات الجديدة التي ستحكم كيفيّة استغلال الثروة المستحدثة، سيعود إلى لولا بعدما يتلقى في غضون أسابيع التقرير الذي سيحدّد الخيارات المتاحة. هنا أيضاً الأسئلة كثيرة عن وتيرة استغلال هذا الكنز، استبدال قانون النفط أو الاكتفاء بتعديله، إعادة رسملة «بيتروبراس» وفائدة إنشاء شركة رسمية أخرى تضاهي نفوذها. أخيراً، وليس آخراً عن وجهة استعمال الموارد المالية التي كانت خارج الحسبان، والتي تفتحت عليها أعين حوالى 300 ألف مساهم في رأسمال «بيتروبراس» وكذلك الولايات المعنية وشتى الوزارات.
ولكنّ الرئيس اليساري آثر التمهيد لاتخاذ قراره بفتح نقاش مع جميع قطاعات المجتمع عن ما يسمّيه «الهدية الإلهية»، معبداً الطريق برسم الخطوط العريضة للتعاطي معه... ما قاله حتى الآن هو أنّ بلاده لن تبيع النفط الخام بل مشتقاته، وتنوي استعمال «جزء من هذه الموارد لتصفية دينين مزمنين، واحد مع الفقر وآخر مع التعليم».


«P90»

يبلغ حجم الاحتياطيّات النفطيّة المؤكّدة في العالم نحو 1.2 تريليون برميل. منها 260 مليار برميل في السعوديّة (أي نحو 22 في المئة من الإجمالي) و180 مليار برميل في كندا. وتصنّف تلك الاحتياطيّات أنّها «مؤكّدة» لأنّ الدراسات تفضي إلى أنّ نسبة نجاح استغلالها في المستقبل تتراوح بين 80 في المئة و90 في المئة. وذلك النجاح يتوقّف على عوامل كثيرة بين التقنيّات المطوّرة والمعطيات التجاريّة عموماً، وبينها مستوى الأسعار. ويرمز إلى تلك الاحتياطيّات بـ«P90»... تنتظر البرازيل بشوق لإنتاج ما تملكه منها.