عاصفة مثاليّة» من الخسائر المتتالية ستعانيها شركات الطيران التي ستتحمّل أعباءً قيمتها 6.1 مليارات دولار هذا العام، بسبب ارتفاع أسعار الوقود وانخفاض الطلب نتيجة الركود الذي يهدّد اقتصادات البلدان الصناعيّة وميزانيّات مواطنيها السيّاح. الأمثلة تظهر بوضوح في الفترة الأخيرة وآخرها انهيار «XL LEISURE GROUP» في بريطانيا
حسن شقراني
بعد انهيار شركة الطيران الاقتصاديّة التي تسيّر رحلات بين كندا والولايات المتّحدة، «ZOOM»، خلال الشهر الماضي، شدّد المراقبون لقطاع الطيران التجاري على توقّعاتهم السابقة التي تفيد بأنّ العام الجاري سيكون مأساوياً بالفعل لهذا القطاع الذي لم ينفكّ يعاني من ارتفاع أسعار الوقود، بعدما تخطّى سعر برميل النفط 100 دولار في بداية العام الجاري، ووصل إلى مستواه القياسي التاريخي، الذي تجاوز 147 دولاراً في تمّوز الماضي.
رئيس الهيئة الدوليّة للنقل الجويّ، «IATA»، جيوفاني بيسينياني، حذّر من أنّ استمرار أسعار النفط مرتفعة عن المعدّل المسجّل منذ خمس سنوات (نحو 25 دولاراً للبرميل!) «سيعيد هيكلة الأعمال (قطاع الطيران التجاري)». وبالفعل، فحديثه كان على خلفيّة توقّعات نشرت في تمّوز الماضي، وتفيد بأنّ النتائج ستتحوّل من 4.5 مليارات دولار من الأرباح، إلى 2.3 مليار دولار من الخسائر، في ظلّ بلوغ معدّل سعر برميل النفط 106.5 دولارات. وهو رقم ممكن أن يتضخّم أكثر إذا بقيت الأسعار فوق 135 دولاراً للبرميل.
سعر البرميل انخفض إلى حدود 100 دولار، متراجعاً نحو 37 في المئة عن قمّته التاريخيّة منذ تمّوز الماضي. ولكن الانعكاسات التي ولّدها ارتفاعه الحاد، في ظلّ تراجع أداء اقتصادات البلدان الصناعيّة بسبب أزمة الائتمان (وبالتالي انخفاض أعداد المسافرين)، بدأت تظهر مفاعيلها الآن، على شكل انهيارات متتالية لشركات الطيران من تايلندا حتى كندا. فيوم أمس، وصلت ثالث أكبر شركة للتنظيم السياحي في بريطانيا، «XL LEISURE GROUP»، إلى حافّة الإفلاس، تاركة 85 ألف سائح حول العالم ضائعين في كيفية إنهاء عطلتهم أو حتّى بدئها!
والشركة، التي توظّف 1700 شخص حول العالم، فشلت في توفير 45 مليون يورو (نحو 64 مليون دولار) كحزمة إنقاذ تغطّي النقص في سيولتها وفي أعمال الشركات المنضوية تحت لوائها، وبينها «TRAVEL CITY FLIGHTS» (للسياحة في فلوريدا) و«KOSMAR HOLIDAYS» (للسياحة في اليونان). وهي قالت في بيان أصدرته، بعدما ضجّت البلاد بأخبار إفلاسها، إنّها عانت من ارتفاع أسعار النفط والأزمة الاقتصاديّة وعدم تمكّنها من الحصول على مزيد من التمويل.
الدائن الأوّل للشركة البريطانيّة، المصرف الآيسلندي «STRAUMUR»، قال إنّه «آسف جداً» لانهيار الشركة، رغم «جهود إعادة الهيكلة الماليّة التي بذلت خلال فترة طويلة». وأشار إلى أنّه اشترى فرعي الشركة في فرنسا وألمانيا، وهما سيكملان الأعمال بطريقة تجاريّة منفصلة.
ولا يبدو انهيار الشركة التي نقلت أكثر من 2.3 مليون مسافر العام الماضي، مفاجئاً. فهو يأتي بعد سلسلة من الانهيارات أو التعثّرات في قطاع الطيران التجاري.
ففي الثامن من الشهر الجاري، أعلنت شركة الطيران الإسبانيّة، «FUTURA»، أنّها ستلجأ إلى طلب حماية الإفلاس من محكمة تجاريّة في «PALMA DE MALLORCA»، بعدما تآكلت أرباحها بفعل ارتفاع أسعار الوقود، وبالتالي عدم تمكّنها من تسديد ما يجب عليها. وهذا التراجع سيؤدّي، بحسب مدير الموارد البشريّة للشركة، بير تورينز، إلى تقليص عدد الموظّفين البالغ 1211 شخصاً حوالى 50 في المئة.
وفي آسيا، أعلنت شركة «CATHAY PACIFIC AIRWAYS»، ثالث أكبر شركة طيران في القارّة، أنّها قد تضطرّ إلى اتخاذ تدابير إضافيّة لخفض الأكلاف لمواجهة الأسعار المرتفعة للوقود وركود اقتصادي محتمل. وقال المدير التنفيذي للشركة، طوني تايلر، تعليقاً على هذا التطوّر وعلى حجم الأعمال، إنّ القطاع «هو في قلب أزمة كبرى، ومن غير المحتمل أن نخرج منها غير متأثّرين». وذلك بعدما كان النصف الأوّل من العام الجاري قد سجّل خسائر بلغت 85 مليون دولار، وهي الخسائر نصف السنويّة الأولى منذ 5 سنوات.
هذا التراجع في حجم الأعمال وصل إلى حدوده القصوى لدى المجموعة الكنديّة، «ZOOM»، التي عانت من ارتفاع الأكلاف التشغيليّة خلال الأشهر الـ12 الماضية، بسبب ازدياد أسعار وقود الطيران 50 مليون دولار. فاضطرت في نهاية الشهر الماضي إلى إيقاف جميع رحلاتها، ملوّحة بتقليص عدد موظّفيها البالغ 710 أشخاص، موزّعين بين كندا وبريطانيا.
«نحن آسفون كثيراً على الإزعاج الذي نسبّبه للمسافرين وللذين حجزوا للسفر»، قال أحد مؤسّسي الشركة، جون بويل. عبارة يردّدها العديد من مديري شركات الطيرات حول العالم، وذلك بعدما نمت نسبة المسافرين بنسبة 3.8 في المئة فقط في حزيران الماضي، وهي النسبة الأكثر انخفاضاً منذ عام 2003، ويبدو أنّ الآتي أعظم.


مشاكل أمنية أيضاً

الأزمة النوعيّة الأخيرة التي مرّ بها قطاع الطيران لم تكن في أساسها أسعار الطاقة، بل المخاوف الإرهابيّة. وفي هذا الصدد، يقول المدير العام للهيئة الدوليّة للطيران المدني، جيوفاني بيسينياني، إنّ القطاع «سيبقى يسيطر عليه نوع من الفوضى، لأنّ الحكومات لا تفكّر أو تتصرّف بطريقة عالميّة». ويوضح أنّّه فيما الشركات تعمل في بيئة ماليّة تزداد صعوبتها، ليس هناك من جهود ملموسة من جانب الحكومات للقضاء كلياً على المخاوف الأمنيّة. ودعا أوستراليا إلى قيادة عمليّة تغيير القوانين التي تحكم القطاع، والتي يبلغ عمرها 60 عاماً.