الذعر مستمرّ»، هي العبارة الأفضل لوصف أحوال الأسواق الماليّة في الولايات المتّحدة والعالم، بدءاً من طوكيو مروراً بالخليج العربي ووصولاً إلى فرانكفورت. السلطات الأميركيّة كبحت الانهيار المالي أمس، وأنقذت عملاق التأمين «AIG»، عبر مدّه بـ85 مليار دولار. ولكن الكبح المؤقّت ليس النهاية فـ«MORGAN STANLEY» وغيره مهدّدون
حسن شقراني
في اللحظة الأخيرة تراجع الاحتياطي الفدرالي الأميركي عن رفضه إقراض مجموعة التأمين الأميركيّة العملاقة، «AMRICAN INTERNATIONAL GROUP»، المبلغ الذي تحتاجه لكي تتخطّى العاصفة الأخيرة التي هدّدت بأن تودي بها، وبثلّة من المؤسّسات الماليّة المرتبطة بها حول العالم. وهذا الرفض كان قد تبلور أساساً يوم الأحد الماضي، عندما طلبت الشركة اقتراض 40 مليار دولار لتغطية انكشافها على المخاطر الناتجة من انهيار مصرف «LEHMAN BROTHERS»، ولكنّه لم يستمرّ. فبعد اجتماع مصيري عقد في وقت متأخّر (بتوقيت بيروت) أوّل من أمس، قرّر رئيس الاحتياطي الفدرالي، بن برنانكي، ووزير الخزانة، هنري بولسون، إنقاد «AIG».
خطّة الإنقاذ تفيد بأن يقدّم الاحتياطي قرضاً قيمته 85 مليار دولار لمدّة عامين إلى الشركة المتعثّرة، في مقابل الحصول على ضمانات بأن تتحوّل قيمة القرض إلى أسهم، يعطي حجمها الحكومة الأميركيّة حقّ امتلاك 80 في المئة من الشركة، إذا وافق حاملو الأسهم الحاليّون، والموافقة حتميّة إذ إنّ سهم الشركة العريقة خسر أكثر من 92 في المئة من قيمته منذ بداية العام الجاري، وظهور أنّ أزمة الائتمان هي أكبر من المتوقّع.
ومن ضمن البنود التي نشأت من خطة الإنقاذ، استبدال المدير التنفيذي الحالي للشركة، روبرت ويلومستاد، بالرئيس السابق لمجلس إدارة «ALLSTATE CORPORATION»، إدوارد ليدي. واللافت هو أنّه إذا ثبت أنّه ليس هناك موجبات قانونيّة لهذا الاستغناء، فسيتقاضى المدير الذي لم يكمل الأربعة أشهر في منصبه، 8.7 ملايين دولار تعويضاً!
وعلى أيّ حال، فإنّ إنقاذ «AIG» ساهم نسبياً في هدوء الأسواق الماليّة التي كانت تترقّب انهيارها. ولكن السلسلة بعيدة جداً عن الانتهاء. وحتّى إن كانت الانهيارات مؤجّلة أو محتواة (إلى حدّ ما) فإنّ القلق لا يزال يسيطر على المستثمرين وصنّاع القرار من تداعيات لاحقة، ربّما غير متوقّعة.
هذه الرؤية عبّر عنها رئيس الصندوق الدولي، دومينيك ستراوس كان، في تعليقه على التطوّرات أمس. فهو شدّد على أنّ المراحل الأسوأ من تطوّر الأزمة المالية ربما لم تأت بعد وأنّ مؤسسات مالية أخرى قد تواجه متاعب خلال الأشهر المقبلة. فرغم أنّ جذور الأزمة، وهي انخفاض أسعار المنازل، «أصبحت وراءنا» إلّا أنّ العواقب «لا تزال أمامنا».
وبالفعل فإنّ آثار الهشاشة بالنسبة إلى عدد من المصارف الاستثماريّة والمؤسّسات الماليّة في الولايات المتّحدة والعالم، تظهر منذ الآن. فقد نقلت شبكة «CNBC» الأميركيّة، أنّ ثاني أكبر مصرف استثماري أميركي، «MORGAN STANLEY»، يجري محادثات اندماج مع مؤسّسة ماليّة أخرى، نتيجة «التذبذبات» في موقعه المالي. فأسهمه انخفضت بنسبة 10.8 في المئة عند انتهاء التداول أوّل من أمس، لتصل نسبة الانخفاض الإجمالي منذ بداية العام إلى 46 في المئة.
وفي بريطانيا نقلت شبكة «BBC»، أنّ مصرف «LLOYDS TSB» قد يشتري المصرف المرموق «HBOS»، بعدما انهارت أسهمه بنسبة 52 في المئة، جرّاء المعمعة التي تسيطر على الأسواق الماليّة العالميّة منذ الاثنين الماضي.
ولكن مثلما هناك «مهدّدون» في الأزمة الحاليّة، هناك من يستفيد في ظلّ إعادة هيكلة الأسواق. فالمصرف البريطاني، «BARCLAYs» أعلن أنّه توصّل إلى صفقة لشراء فرع «LEHMAN BROTHERS» المختصّ بالاستثمار المصرفي والأعمال في الأسواق الماليّة، «NORTH AMERICAN»، بقيمة 1.75 مليار دولار. عمليّة رفعت قيمة سهمه بنسبة 7.14 في المئة.
وهذا النمط من التراجع والتقدّم في المراكز الماليّة للمؤسّسات، لا يعبّر عن استقرار للأحوال بعد جلسات صاعقة من تداول الأسهم في البورصات العالميّة. وفي «وول ستريت» على وجه التحديد، يبدو، بحسب إجماع المراقبين، أنّ إنقاذ الحكومة الأميركيّة لـ«AIG» خفّف خطر المدى القصير، ولكن العلاج يتطلّب سنوات، في ظلّ اتضاح أنّ هيكليّة عمل جميع فروع البورصة الأميركيّة قائمة على أسس غير متينة، بل هشّة إلى أقصى الحدود، وذلك بعكس ما يؤكّده دوماً المسؤولون الأميركيّون وعلى رأسهم جورج بوش.
إذاً، فتدخّل السلطات الأميركيّة لإنقاذ عملاق التأمين، الذي يعدّ أكبر تدخّل نوعي في القطاع الخاص عبر التاريخ، هو حقنة تهدئة، فضّل القيّمون عدم إعطائها لمصرف «LEHMAN BROTHERS» الاثنين الماضي، لأنّ انعكاسات إفلاس الأخير ليست عند مستوى الضرر الذي كان يمكن أن يولّده انهيار «AIG» المرتبطة بشبكة معقّدة جداً من العمليّات الماليّة حول العالم.


بداية صينيّة وانهيار أميركي

تحتلّ «AIG» المرتبة الـ35 في التصنيف الأخير لأكبر الشركات العالمية الذي تعدّه مجلة «FORTUNE»، مع 4 ملايين زبون في العالم و116 ألف موظف. وتبلغ أصولها ألف مليار دولار ورقم أعمالها 110 مليارات دولار وحققت في عام 2007 أرباحاً بلغت 6.2 مليارات دولار. وتأسّست الشركة عام 1919 في الصين، وانتقلت إلى أميركا حيث بدأت مسيرة تحديثيّة عام 1969 بقيادة موريس غرينبرغ، الذي اتهم عام 2005 بالاحتيال. وفي بداية الصيف وضع القيّمون عليها خططاً لإنعاشها ولكن الانهيار كان أسرع.