بعد استخدامه أكثر من 900 مليار دولار من موازنته لإنقاذ المؤسّسات المتعثّرة، لجأ الاحتياطي الفدرالي الأميركي أمس، إلى ضخّ 180 مليار دولار إضافيّة في الأسواق، ضمن إطار خطّة إنقاذيّة بلورها مع نظرائه حول العالم، قيمتها 300 مليار دولار. الإجراء أراح قليلاً المستثمرين الخائفين على مراكزهم، ولكن الخوف الأكبر هو على الاقتصاد
حسن شقراني
لم يكن لإنقاذ شركة التأمين الضخمة، «AIG»، تأثير مهدّئ ضخم على الأسواق الماليّة في الولايات المتّحدة. فعلى الرغم من إنفاق 85 مليار دولار من أموال دافعي الضرائب الأميركيّين في عمليّة الإنقاذ، بقيت الهشاشة مسيطرة، في ظلّ خوف من انزلاق المصارف الاستثماريّة التي لا تزال «صامدة» في الأزمة، إلى حفرة «فقدان السيولة».
فهذا السيناريو الأخير الذي قد يطيح أكبر تلك المصارف، «MORGAN STANLEY» وزميله «GOLDMAN SACHS»، بدا أنّه منطقي جداً في جلسات تداول الأسهم أوّل من أمس، حين انعدم الإقراض تقريباً بين المؤسّسات الماليّة. فقد توجّه المستثمرون نحو المراكز الماليّة الأكثر أماناً. وبعدما كانت التوظيفات الماليّة في الأسواق المعقّدة، تخضع لمعايير ربحيّة صارمة جداً، وجد البعض أنفسهم في حالة يأس دفعتهم إلى شراء سندات خزينة بنسبة فائدة لا تتعدّى الـ0.2 في المئة، وهو المعدّل الأكثر انخفاضاً منذ الحرب العالميّة الثانية! مقارنة تعيد إلى الأذهان التشبيه المكثّف بين الأزمة الحاليّة وأزمة «الكساد العظيم»، التي ضربت البورصات في نهاية العقد الثالث من القرن الماضي، والتي أدّت تفاعلاتها، وبينها ارتفاع وتيرة تطبيق الإجراءات الحمائيّة، إلى انتشار حركات التطرّف في أوروبا (الفاشيّة) وإلى اندلاع الحرب العالميّة الثانية.
ويبدو أنّ مسار الصعود والنزول مستمرّ في البورصة الأميركيّة. فبعد انهيار أسعار الأسهم إثر إفلاس مصرف «LEHMAN BROTHERS» الاثنين الماضي، وعودتها إلى الارتفاع في جلسة تداول الثلاثاء، ومن ثمّ الانخفاض أوّل من أمس، افتتحت على ارتفاع في جلسة أمس، في أعقاب ضخّ الاحتياطي الفدرالي نحو 180 مليار دولار إضافيّة في الأسواق لتأمين السيولة اللازمة.
وهذا المبلغ يأتي ضمن سلّة سيولة إنقاذيّة ضخّتها المصارف المركزيّة حول العالم، وبلغت قيمتها 300 مليار دولار، ليرتفع حجم السيولة التي ضخّتها تلك المصرف منذ بداية الأسبوع إلى 600 مليار دولار.
ولكن رغم تلك الإجراءات، استمرّ انتشار الأخبار السيّئة عن تعثّرات جديدة للمصارف، ما قد يطلق «موجة جديدة» من الأزمة، بحسب عمدة نيويورك، الملياردير مايكل بلومبرغ.
هذه الموجة يمكن أن تتمثّل في إعلان إفلاسات جديدة أو حتى في إعلان مؤسّسات ماليّة أنّها لن تبقى مستقلّة وستضطرّ إلى الاندماج مع رديفات لها من أجل ضمان الاستمراريّة. وفي هذا السياق، كشفت تقارير إعلاميّة أمس، عن أنّ «MORGAN STANLEY»، يخوض محادثات مع المصرف الأميركيّ الضخم، «WACHOVIA»، بشأن صفقة معيّنة، فيما أشار المراقبون إلى أنّ أبرز المهتمّين بشرائه هي مؤسّسة «GIC»، الذراع الاستثماريّة للحكومة السنغافوريّة.
المدير التنفيذي للمصرف الاستثماري العملاق، جون ماك، قال في كلمة موجّهة للموظّفين، «ليس هناك أي أساس منطقي للتحرّكات في (أسعار) أسهمنا... نحن في وسط مرحلة في السوق يسيطر عليها الخوف والشائعات، ويخفض خلالها البائعون (المضاربون بالأموال الساخنة) قيمة أسهمنا».
وتأتي هذه التطوّرات بالنسبة لـ«MORGAN STANLEY»، فيما أتمّ المصرف البريطاني، «LLOYDS TSB»، صفقة الاستحواذ على أكبر مقرض عقاري في البلاد، «HBOS»، قيمتها 22 مليار دولار، بعدما كانت أسهم الأخير انخفضت بشكل حاد إثر انتشار الأخبار عن صحّة تمويلاته.
وبعيداً من الاستحواذات والاندماجات الإنقاذيّة في الأسواق الماليّة، بدأت تظهر الانعكاسات المباشرة للتحوّلات في سوق الأوراق الماليّة على الاقتصاد الإنتاجي ككلّ. وعلى سبيل المثال، اضطرّت شركة تمويل قطاع صناعة السيّارات، «GMAC» التي تملك جزءاً منها شركة «GENERAL MOTORS» إلى اقتراض مبلغ بنسبة فائدة بلغت 5.25 في المئة أوّل من أمس، على شكل خط ائتماني قصير المدى (لمدّة أسبوع)، كانت تكلفة الاقتراض بحسب أسسه 4 في المئة فقط قبل يوم واحد!
«يُعدّ هذا رمياً للرمال في عجلة الاقتصاد»، قال المدير في قسم السندات في مؤسّسة «AMERICAN CENTURY INVESTMENTS»، حسبما تنقل عنه صحيفة «واشنطن بوست». وبالفعل فإذا استمرّت أسعار فوائد الإقراض في الأسواق الماليّة بالارتفاع وانعكست ارتفاعاً موازياً في الأسواق الائتمانيّة لشراء المنازل والسيّارات وتأمين أكلاف الدراسة، فإنّ أكبر اقتصاد في العالم الذي يعاني حالياً من معدّل بطالة يفوق الـ6 في المئة، وتنخفض نسبة نموّه إلى أقلّ من 1.8 في المئة هذا العام، سيواجه تحدّيات أصعب من تلك المتمثّلة بانهيار النموذج المالي في «وول ستريت».


معاناة قطاع المنازل

فيما تستمرّ الأزمة في «وول ستريت» وسط القلق من إمكان سقوط ضحايا جدد، ظهرت بيانات سيّئة جديدة من القطاع الذي يعتبر انفجار فقاعته الأساس في انطلاق الأزمة: قطاع المساكن. فقد أوضحت وزارة التجارة أنّ عمليّات إطلاق بناء المنازل انخفضت بنسبة 6.5 في المئة في آب الماضي، ووصل عدد المنازل التي بدأ تشييدها إلى 895 ألف منزل، وهو المعدّل الأكثر انخفاضاً منذ كانون الثاني من عام 1991. وتجدر الإشارة إلى أنّ أسعار المنازل انخفضت بنسبة تفوق الـ25 في المئة منذ بداية العام الجاري.