بعد تطوّر الأزمة في «وول ستريت» في بداية الأسبوع الجاري، تبيّن للجميع أنّ نموذج الأعمال في السوق الماليّة الأميركيّة فشل. تداعيات هذا الفشل تفترض طرح نموذج جديد أساسه الرقابة. ولكن قبل ذلك لا بدّ من «تنظيف السوق»، هذه العمليّة ملقاة على عاتق الاحتياطي الفدرالي ووزارة الخزانة، وخطة تنفيذها ستعرض على الكونغرس لإقرارها
حسن شقراني
في عام 1989، أُنشئت مؤسّسة «الإنقاذ المالي» الأميركيّة، «RESOLUTION TRUST CORPORATION»، هدفها كان إعادة هيكلة أصول المؤسّسات الماليّة المتعثّرة عبر شرائها وإعادة بيعها. وأغلقت بالفعل 747 مؤسّسة تبلغ قيمة أصولها نحو 400 مليار دولار وأعادت تنظيمها. تلك المؤسّسات كانت ضحيّة «أزمة الادخار والإقراض» التي عصفت بالاقتصاد الأميركي منذ بداية ثمانينيّات القرن الماضي، وهوت في ظلّ معمعة خسائر تجاوزت 160 مليار دولار، غطّت الحكومة منها 124.6 مليار دولار (77.8 في المئة من إجمالي الخسائر) باستخدام أموال دافعي الضرائب.
هذه الأموال استخدم منها حتّى الآن ما يقارب تريليون دولار منها لمعالجة الأزمة في الأسواق الماليّة، من دون نتيجة. فالأسواق، التي انهارت سريعاً إثر إفلاس مصرف «LEHMAN BROTHERS» ولجوء «MERRILL LYNCH» إلى «BANK OF AMERICA» للنجاة، بقيت حتّى أوّل من أمس هشّة عند مستويات مرتفعة بسبب تطوّر أزمة الائتمان وفقدان الثقة بين اللاعبين الماليّين ووصول الإقراض إلى نقطة الصفر.
ولكن جهود الحكومة الأميركيّة اتخذت منحى جديداً أبعد من ضخّ الاحتياطي الفدرالي السيولة في الأسواق. فقد أجرى رئيس الاحتياطي، بن برنانكي، ووزير الخزانة هنري بولسون، مع قادة الكونغرس، محادثات بشأن بلورة خطّة جديدة من أجل الانتهاء كلياً من أزمة الأسواق.
تفاصيل الخطّة لا تزال غير معلنة، ولكن من المحتمل أن تقرّ مع نهاية الأسبوع المقبل. وبحسب المراقبين، من المحتمل أن تتضمّن تصريحاً للحكومة بشراء الرهونات العقاريّة والمنتجات الماليّة الثقيلة العبء على مؤسّسات «وول ستريت»، من أجل إراحة تلك الأخيرة، ومن ثمّ إعادة بيع تلك المنتجات، تماماً كما جرى الإنقاذ الذي أدارته مؤسّسة «RESOLUTION TRUST CORPORATION».
رئيس اللجنة المصرفية في مجلس الشيوخ، كريستوفر دود، وصف الاجتماع بأنّه «جدّي للغاية». وقال: «أنا عضو في مجلس الشيوخ منذ 28 عاماً، وفي الكونغرس منذ 34 عاماً. ولم تكن هناك قط لحظة عصيبة مثل هذه».
وبالفعل فإنّ اللحظات العصيبة تتطلّب إجراءات جذريّة. والخطة الجذريّة المفترضة، وإن كانت تقضي باستخدام أموال دافعي الضرائب لإنقاذ المؤسّسات الماليّة، ستتيح، على ما يبدو، احتواء تدهور كلّي في الأسواق. فالشائعات بشأن الإعلان عنها (تخليص الأسواق من جميع المنتجات الماليّة المربكة والمقلقة للمستثمرين)، كان له الأثر الإيجابي على «وول ستريت» وعلى رديفاتها في العالم.
وارتفع مؤشّر «DOW JONES» الصناعي، 617 نقطة، وهو أعلى ارتفاع يسجّله منذ 6 سنوات، وأنهى المؤشّر تداولات يوم أوّل من أمس، مرتفعاً بنسبة 3.9 في المئة. وفي أوستراليا ارتفعت المؤشّرات الماليّة بنسبة 3.5 في المئة، قابلها ارتفاع في مؤشّر «NIKKEI» في طوكيو بنسبة 3.9 في المئة.
هذا النمط من الارتفاع استمرّ يوم أمس، وخصوصاً في ظلّ قرار هيئة الرقابة على الأسواق، «SECURITIES AND EXCHANGE COMMISION»، القاضي بمنع «البيع المكشوف» (استدانة سهم يعتقد أنّ سعره سينخفض ثم إعادة بيعه على أمل قبض فارق كبير، في اللحظة التي ينبغي فيها شراؤه لإعادته، ما يسرّع تدهور الأسعار في غالب الأحيان) لنحو 800 سهم مالي. وهو إجراء أدّى إلى استقرار الأسواق كثيراً.
ولكن رغم الهدوء الذي خيّم على الأسواق، يبقى السؤال مطروحاً عن الصيغة الجديدة التي ستعمل على أساسها تلك الأسواق في مرحلة ما بعد الاستقرار: حتى لو أراحت الإجراءات الحكوميّة الأسواق من عبء المنتجات الثقيلة، من يضمن عدم تكرار الأزمة وعدم لجوء المضاربين إلى عمليّات مثل «البيع المكشوف» لتحقيق الربح السريع وتعريض المؤسّسات الماليّة لخسائر ضخمة تدفعها للجوء إلى الحكومة؟
رئيسة مجلس النوّاب، نانسي بيلوسي، علّقت على التطوّرات بالقول: «الأزمة المتفاقمة تتطلّب حلولاً قويّة وقيادة حازمة». ولكن ليس محسوماً أن تلك القيادة ستستطيع تحقيق الاستقرار المستقبلي، لأنّ ما تعرّضت له الأسواق نتج من انعدام الرقابة على أداء المؤسّسات الماليّة وتوسّعها بالإقراض بطريقة غير مدروسة، ولكن العلاج لا يكون بالضرورة من خلال عكس المسار، أي عبر فرض معايير أقسى للرقابة والتقنين. لأنّ تطوّر «وول ستريت» أساساً كان نتيجة الهوامش الواسعة الممنوحة للاعبين الماليّين من أجل التطوير، وإذا كُبح أداؤهم فإنّ السوق ستعلق في دوّامة تقع بين «السوق الحرّة» و«مآسيها». فليأمل الأميركيّون أن تتضمّن الخطّة الجديدة حلاً لهذه المعضلة.


مصير «MORGAN STANLEY»

مع استمرار الشائعات عن إمكان حدوث إفلاسات جديدة في «وول ستريت» ولجوء بعض المؤسّسات والمصارف إلى عرض نفسها للبيع من أجل تجنّب سقوط أسعار أسهمها، نقلت وكالة «رويترز» عن مصادر قولها إنّ مؤسّسة الاستثمارات الصينيّة، تجري محادثات مع المصرف الأميركي «MORGAN STANLEY» لرفع حصّتها فيه من 9 في المئة (التي اشترتها بـ5 مليارات دولار في كانون الأوّل الماضي) إلى 49 في المئة. وفيما يستمرّ انخفاض سعر سهمه، بلغت القيمة السوقيّة للمصرف عند الإغلاق أوّل من أمس، 24 مليار دولار، ويقول المسؤولون فيه إنّهم يبحثون عن حلول.