وجّه مجلس النواب الأميركي، أمس، ضربةً لخطة الرئيس جورج بوش الإنقاذية للاقتصاد المنهار، رغم التعديلات التي أدخلت عليها، ما أثار حالاً من الهلع في الأسواق انعكست انخفاضاً في المؤشرات الرئيسية وتراجعاً في سعر خام النفط، ليصبح السوق الأميركي على كف عفريت
واشنطن ــ محمد سعيد
رفض مجلس النواب الأميركي، أمس، خطة الإنقاذ المالي التي طرحتها إدارة الرئيس جورج بوش، بالرغم من أنها خضعت لكثير من التعديلات وتضخّمت صفحاتها من ثلاث إلى 110 صفحات. وقد صوّت 226 عضواً ضد الخطة مقابل 207 أعضاء صوّتوا لمصلحتها. وكان لافتاً أن غالبية المعارضين من الجمهوريين، إذ صوّت 132 عضواً جمهورياً ضد، أي ما يعادل 75 في المئة من الأقلية الجمهورية، فيما أيّد الخطة 141 نائباً ديموقراطيّاً، أي ما يعادل 65 في المئة من الغالبية الديموقراطية في المجلس.
وأعرب الرئيس الأميركي، بعد التصويت، عن «خيبة أمل كبيرة»، وطلب من مستشاريه إعداد المراحل المقبلة. وأعلن المتحدث باسم البيت الأبيض، توني فراتو، أمام الصحافيين «بالتأكيد، نحن نشعر بخيبة أمل كبيرة مما حصل». وأشار إلى أن بوش «دعا إلى اجتماع لكبار مستشاريه الاقتصاديين ليقرّر بشأن ما ينبغي القيام به رداً على هذا التصويت المفاجئ». وقال «ما من شك أن البلد يواجه أزمة صعبة ينبغي التصدي لها».
وأعلن نائب أميركي أن مجلس النواب لن يعيد التصويت على هذا المشروع قبل الخميس على أقرب تقدير، ذلك أن الكونغرس سيقفل أبوابه يومي الثلاثاء والأربعاء بمناسبة عيد رأس السنة اليهودية.
وشهدت بورصة نيويورك انهياراً تاريخياً بعد رفض مجلس النواب الأميركي خطة إنقاذ المصارف، ففقد داو جونز 6.71 في المئة، أي خسارة 700 نقطة لم يشهدها أبداً من قبل، وناسداك 9.14 في المئة.
وتراجع «داو جونز اندسترايل افيراج» (دي.جاي.اي.ايه) 777.68 نقطة، وبلغ 365.10،45 نقطة. وكان آخر انهيار كبير في تاريخه (648.81 نقطة) قد سجّل في 17 أيلول 2001، يوم استئناف المبادلات غداة اعتداءات 11 أيلول.
وتراجع مؤشر «ناسداك» الإلكتروني 199.61 نقطة، وبلغ 1983.73، ومؤشر «ستاندارد اند بورز» 500 بـ 106.72 نقاط (أي 8.80 في المئة) وبلغ 1106.55 نقاط.
وقد تراجع سعر برميل النفط أكثر من عشرة دولارات في نيويورك. وأنهى سعر برميل النفط المرجعي الخفيف في سوق نيويورك جلسة التداول على 96.37 دولاراً بتراجع 10.52 دولارات مقارنة بسعره عند الإقفال الجمعة. ووصلت خسارته خلال جلسة التداول إلى حدود 11.85 دولاراً.
وتهدف مسوّدة القانون، التي تحمل عنوان «القانون الطارئ لتثبيت الاستقرار الاقتصادي 2008» إلى «توفير كل الصلاحيات والسبل التي يمكن لوزير المال استخدامها لإعادة السيولة والاستقرار إلى النظام المالي الأميركي».
وتتضمن الخطة التي تمنح وزارة المال الأميركية الكثير من السلطات التي تذكّر بقواعد النظام الاشتراكي، وضع نحو 700 مليار دولار تحت تصرف الحكومة الأميركية لشراء الديون المعدومة والعقارات والأصول المتعثرة لدى البنوك ومؤسسات المال الأميركية مع وضع ضوابط وشروط تضمن حق دافعي الضرائب الذين سيدفعون هذه الأموال من صناديق المعاشات والتقاعد.
وكان الرئيس الأميركي جورج بوش قد حثّ، أمس، أعضاء الكونغرس على الموافقة سريعاً على خطّة الإنقاذ المالي. وقال في البيت الأبيض «أتفهم تماماً أن التصويت سيكون صعباً»، لكن خطة الإنقاذ «ستساهم في عدم انتشار الأزمة التي يشهدها نظامنا المالي إلى قطاعات اقتصادنا». وحذّر من أن الخطة لن تؤدي إلى تسوية كل الصعوبات التي يشهدها الاقتصاد الأميركي، متوقعاً أن تستمر المشاكل «لبعض الوقت».
وتتضمن التعديلات الجديدة التي أدخلت على الخطة منح وزارة المال السلطة على ـــــ والمسؤولية عن ـــــ إدارة كل جوانب الخطة من خلال تشكيل أجهزة، بينها تعيين مفتش عام مستقل للإشراف عليها، وإنشاء ما يسمى «مكتب الاستقرار المالي» ليكون تابعاً مباشرة لإدارة وزير المال. ويضم رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الأميركي) ووزير المال ورئيس لجنة السندات والبورصة الضابطة لعمل وول ستريت.
كذلك يحافظ مكتب المحاسبة العامة التابع للكونغرس على حضور في وزارة المال لمراقبة عمليات شراء الأصول والتدقيق في الحسابات. ويتولى القضاء التدقيق في الإجراءات التي يتخذها وزير المال في إطار الخطة. ويتعين موافقة مجلس الشيوخ على رئيس هذا المكتب الذي سيرشحه وزير المال. وسيقوم رئيس المكتب فور إقرار تعيينه بنشر القواعد الإرشادية التي سيتم الاستعانة بها لتحديد وتسعير وشراء الأصول المتعثرة، وهي عملية مضنية ستنطوي على الكثير من الجدل.
وحسب الخطة، سيتم صرف الاعتمادات المالية المطلوبة على دفعات، وستصل قيمة الدفعة الأولى إلى 250 مليار دولار وسيتم صرفها فور طلب الرئيس لها. وقدّر وزير المال هنري بولسون قيمة الإنفاق الشهري في إطار هذه الخطة بنحو 50 مليار دولار شهرياً، وهو ما يعني عدم تمكنه من إنفاق أكثر من 100 مليار دولار قبل أن تنتهي صلاحياته كوزير للمال مع انتهاء ولاية بوش بنهاية هذا العام.
لكن صلاحيات وزارة المال في مواصلة العمل ببنود الخطة وسلطات شراء الأصول المتعثرة ستستمر حتى نهاية كانون الأول 2009 مع احتمال تمديدها بطلب من الحكومة لفترة أقصاها سنتان اعتباراً من تاريخ إقرار الخطة.
ويمكن للحكومة الاحتفاظ بملكية الأصول التي اشترتها إلى أجل غير مسمّى حتى تعيد طرحها للبيع بعد تحسّن أوضاع السوق وإمكان جني أرباح تعادل على الأقل تكلفة إدارة الخطة والفوائد المستحقة لدافعي الضرائب عن استثمار هذه الأموال خلال هذه الفترة.
ويتعين على الشركات المستفيدة من بيع ما لديها من أصول للحكومة أن تمنح الحكومة ضمانات يستفيد بمقتضاها دافعو الضرائب من الأرباح التي حققتها. وقد أضيف بند قوي قد يسبّب فتوراً لدى بعض الشركات المتعسرة، وربما إحجامها عن الاستفادة من هذا البرنامج، وهو أنه في حالة عجز الحكومة عن استرداد جميع الأموال التي دفعتها بعد خمس سنوات من بدء تنفيذ الخطة يحقّ للرئيس الأميركي عندئذ طرح خطة يتم بموجبها استرداد الأموال من الشركات التي استفادت.
كذلك تضع الخطة قيوداً على الحوافز والأجور الضخمة التي يحصل عليها مسؤولو إدارة الشركات المشاركة في البرنامج، بمعنى ربط نسب هذه الحوافز والمدفوعات بالأداء والأرباح. فالخطة تمنع منح تعويضات باهظة لرؤساء مجالس إدارة الشركات المشمولة في الخطة وغيرهم من كبار الموظفين الذين يتم تسريحهم أو يقدّمون استقالتهم ما دامت وزارة المال تملك أسهماً في هذه الشركات. كذلك تحدّ الخطة من العلاوات وأي تقديمات أخرى يعتقد أنها تشجّع على المجازفة. وتحدد سقفاً قدره نصف مليون دولار لتعويضات المديرين الذين يفيدون من التخفيضات الضريبية. وتنص الخطة على استعادة العلاوات التي تم تقديمها على أرباح متوقعة لم تتحقق.
وقد أشارت دراسة نشرها أخيراً معهد الدراسات السياسية في واشنطن إلى أن متوسط ما يحصل عليه المسؤول التنفيذي لشركة أميركية كبرى يصل إلى 10 ملايين دولار سنوياً، أي ما يزيد على 340 مثل ما يحصل عليه العامل العادي.
وتطالب الخطة وزير المال بإنشاء برنامج تأمين فدرالي تموّله البنوك يكون من مهماته حماية الشركات من فقدان الأصول المتعسرة. كذلك تنصّ على حماية الملاكين المهددين بمصادرة منازلهم، في وقت ترجح فيه التوقعات مصادرة مليوني منزل خلال عام 2009 جراء أزمة القروض العقارية التي أدت إلى الوضع القائم حالياً.
وتكلف الخطة الحكومة مراجعة شروط منح القروض العقارية لقاء الرهن للمقترضين الذين يواجهون صعوبات. كذلك تقدم المساعدة للمصارف المحلية الصغرى التي طاولتها أزمة القروض العقارية.
وقد أضيفت غالبية هذه البنود من الديموقراطيين الذين يصرّون على ألّا يأتي إنقاذ شركات وول ستريت على حساب دافعي الضرائب الأميركيين، فيما حذّر الجمهوريون من أن الخطة تقوّض مبادئ الاقتصاد الحرّ وتمنح الحكومة سلطات واسعة تقيّد حركة الشركات، وهو ما يتعارض مع ركائز فكر المحافظين والجمهوريين.
وكانت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي قد أشارت إلى أن النواب الأميركيين سيتعيّن عليهم التصويت على هذه الخطة ببنودها الأخيرة، ولن يكون هناك مجال لتعديلات أخرى، وخصوصاً بعدما نشرتها يوم الأحد على شبكة الإنترنت باعتبارها نسخة نهائية غير قابلة للتعديل.
ورغم صعوبة تصويت قطاع كبير من الجمهوريين على مثل هذه البنود، إلا أنه لم يكن أمامهم من خيار آخر وسط التحذيرات من قبل حكومة بوش وأقطاب المال في الولايات المتحدة من أن المزيد من التلكؤ والتقاعس عن إقرارها سيلقي بالبلاد في غياهب كساد لن يكون من اليسير أن تخرج منه قبل عقود. كذلك يرجّح أن تضيف هذه الخطة لرصيد الديموقراطيين لدى الناخب الأميركي وأن تؤدّي دوراً مهماً في إثقال ميزان مرشحهم باراك أوباما خلال السباق الرئاسي الذي يتقارب فيه بشدة مع خصمه الجمهوري جون ماكاين، الذي لم يشأ أن يبدي مواقف واضحة وصارمة من هذه الخطة، وآثر إلقاء الكرة في ملعب أعضاء الكونغرس ليصلوا إلى صيغة توفيقية.


الخزانة مصرّة على «حماية الاقتصاد»

أعلن متحدث باسم وزارة الخزانة الأميركية، أمس، في أعقاب رفض مجلس النواب خطة إنقاذ المصارف، أن الوزارة مصممة على استخدام «كل الوسائل التي في حوزتها» لحماية الاقتصاد الأميركي. وقالت المتحدثة ميشيل ديفيس، بحسب ما جاء في بيان، «إن وزير الخزانة (هنري بولسون) سيتحادث مع رئيس (الولايات المتحدة جورج بوش) ورئيس الاحتياطي الفدرالي (بن برنانكي) وقادة الكونغرس حول متابعة العمليات». وأضاف البيان «وفي هذه الأثناء، نحن على استعداد للعمل مع واضعي النظم ولاستخدام جميع الوسائل التي في حوزتنا، كما فعلنا في الأشهر الأخيرة، لحماية أسواقنا المالية واقتصادنا».
(أ ف ب)