Strong>أزمة الائتمان العالميّة التي انطلقت بسبب فقدان الثقة في الأسواق الماليّة، التي نتجت من الاختلال في سوق الرهونات العقاريّة الأميركيّة، تولّد مرحلة تحاول خلالها المؤسّسات إعادة التوازن عبر زيادة رأس المال عوضاً عن الاقتراض: عمليّة صعبة في بيئة متزايدة المخاطر، يقول صندوق النقد الدوليبعد عام من انطلاق أزمة الرهونات العقاريّة في الولايات المتّحدة، وتحوّلها إلى أزمة ائتمان، ورغم التعديلات الكبيرة التي أجرتها الأسواق الماليّة والتدخّلات الاستثنائيّة التي اضطلعت بها المؤسّسات الرسميّة، لا تزال الأسواق العالميّة هشّة ومؤشّرات المخاطر النظاميّة مرتفعة، بحسب «تقرير الاستقرار المالي العالمي، مستجدّات الأسواق الماليّة»، الذي نشره صندوق النقد الدولي في 28 من الشهر الماضي.
فالمخاطر الائتمانيّة تبقى كبيرة، في ظلّ استمرار المستوى المنخفض للإقبال على المخاطر. ولم ترجع الأسواق الماليّة بعد إلى مستويات المخاطر النظاميّة المرتفعة التي شهدتها في الربيع الماضي، ولكن ذلك أصبح مصحوباً بقلق متزايد تجاه الاحتمالات المتوقّعة للاقتصاد الكلّي.
والقلق المتزايد سببه انتشار التدهور في جودة القروض مع الزيادة الحادّة في حالات تأخّر سداد أقساط الرهونات العقاريّة الأميركيّة، والهبوط المتواصل في أسعار المساكن. وفيما الخسائر المتوقّعة لم تحدّد هوامشها بعد (صندوق النقد يتحدّث عن مليار دولار)، تهبط أسهم المؤسّسات التي ترعاها الحكومة، وتعتمد السوق في عمليّات التمويل العقاري على توريق قروض المؤسّسات العامّة. وتجدر الإشارة هنا إلى أيّ مدى كان من الممكن أن تستفحل الأزمة لو لم تتدخّل السلطات الأميركيّة، لإنقاذ عملاقي سوق الرهونات العقاريّة، «FREDDIE MAC» و«FANNIE MAE»، وتوفر استقراراً، ولو مؤقّتاً للأسواق.
وفي هذا الصدد، يرى صندوق النقد أنّه لإرساء الاستقرار المالي، يتعيّن القضاء على حالة الهبوط الراهنة في سوق المنازل الأميركيّة، ما يساعد قطاعي الأسر والمؤسّسات الماليّة على التعافي. ولا نهاية واضحة حتّى الآن لتدهور الأوضاع، غير أنّ بعض التطوّرات التي طرأت أخيراً على إمكان تحمّل كلفة السكن قد تدعم أسعار المنازل.
ومن جهة أخرى، تتواصل الضغوط في القطاع المصرفي. فبالرغم من إجراء خفوضات على القروض العقاريّة وسندات الدين، تجاوزت قيمتها 400 مليار دولار، نجحت المصارف في زيادة رأس المال. غير أنّ الخسائر التي أفصح عنها حتّى الآن، تتجاوز رأس المال الإضافي وتواجه تلك المصارف مصاعب في الحفاظ على مستوى أرباحها في ظلّ تراجع الجودة الائتمانيّة.
وفي الأساس، نبعت المشكلة من عدم إيلاء المصارف أهميّة للاحتياطيّات أو لإشباع رأس المال، من أجل احتواء أيّ موجة من الانتاكسات في سوق الرهونات العقاريّة (يفوق حجمها 11 تريليون دولار)، كتلك التي نتجت من عدم تمكّن المقترضين من تسديد أقساطهم، ووقو المصارف في الهوّة، وبالتالي انفجار الفقاعة العقاريّة.
وبالتالي يؤدّي سعي المصارف حالياً لخفض التمويل عبر القروض ورفع حجم رأس المال، إلى بيع الأصول، ما يسبّب إبطاء النموّ الائتماني في الولايات المتّحدة وفي منطقة اليورو. وهنا يحذّر التقرير، من أنّه إذا تواصلت مخاطر التضخّم، يزداد ضيق المجال المتّسع المتاح للسياسة النقديّة من أجل دعم الاستقرار المالي.
وفي المقابل لا تزال الأسواق الصاعدة قادرة على الصمود نسبياً في مواجهة الاضطرابات الائتمانيّة، غير أنّ الأزمة طويلة الأمد وأوضاع التمويل الخارجي تزداد ضيقاً، وبالفعل فقد بدأ التركيز على الأسواق الصاعدة، ولا سيّما في شأن سياساتها المتّبعة لمعالجة تصاعد الضغوط التضخّميّة.
ويشدّد التقرير على أنّ الأسواق أصبحت حريصة بتزايد على التمييز بين البلدان في ما يتعلّق بمخاطر الاختلالات الخارجيّة الكبيرة. وهكذا بدأت علاوات المخاطر تعود إلى مستوياتها المرتفعة المسجّلة في آذار الماضي، (وهي عجز في الحساب الجاري بمقدار 5 في المئة من إجمالي الناتج المحلّي)، وأصبح أداء أسواق الأسهم في هذه البلدان دون مستوى الأداء الملحوظ في البلدان ذات الاختلالات الخارجيّة الأقلّ حجماً.
وعموماً، لا تزال مخاطر الائتمان مرتفعة في سياق العمليّة الجارية لخفض نسبة التمويل بالديون وفي ظلّ عدم التيقّن من قيم الأصول، ما يشير إلى احتمال الحاجة إلى المزيد من رأس المال في عدد من المؤسّسات، وفي المرحلة الحاليّة من الأزمة يصبح التركيز أشدّ على طبيعة الاستراتيجيّات المعتمدة لتسوية الأوضاع ومدى المساندة التي تقدّمها الحكومات.
وهنا يلفت الصندوق إلى أنّ تطوّرات الأزمة أبرزت أهميّة المضي قدماً في الإصلاحات اللازمة في الأصوال الماليّة، وأهمّها التقويم ومراقبة مجالات رأسم المال والسيولة والشفافيّة والتقويم وبلورة أطر حديثة لإدارة وتسوية الأزمات.
(الأخبار)


صمود إصدارات السندات

تراجع نموّ اقتراض القطاع الخاص الأميركي، خلال الربع الأوّل من العام الجاري، حتّى بلغ 5.2 في المئة (على أساس سنوي)، وهو مستوى لم يتحقّق منذ الفترة التي أعقبت الركود عام 2001، بسبب انفجار فقاعة قطاع التكونولوجيا والإنترنت. وقد يصبح هذا النموّ أكثر بطئاً إذا استمرّت الضغوط لخفض نسبة التمويل بالديون لدى المصارف. ومن التطوّرات الإيجابيّة في هذا السياق، بحسب صندوق النقد الدولي، هو استمرار صمود إصدارات السندات الاستثماريّة، وإن ظلّت أسواق الائتمان مرتفع العائد والائتمان المهيكل، مغلقة بالفعل.