strong>أعلن وزير المال العراقي، بيان جبر، الأسبوع الماضي، أنّ أكثر من 50 في المئة من العراقيين القادرين على العمل، هم الآن بلا عمل. الخبراء الاقتصاديون يرون تلك تصريحات «مخففة»، وسبب ذلك هو بنية هشّة جدّاً لاقتصاد تحت الاحتلال مفترض أن يكون منتعشاً بالنفط
بغداد ــ الأخبار
التقرير العربي الأول عن التشغيل والبطالة في الدول العربية، الذي أعدته منظمة العمل العربية، كشف عن أنّ جيبوتي هي صاحبة أعلى معدل بطالة في الدول العربية بنسبة 50 في المئة، وأفاد بأنّ تلك النسبة في العراق تبلغ 29.5 في المئة، وفي الصومال 25 في المئة، وفي فلسطين 23.5 في المئة.
وحقّقت الكويت أدنى معدل بطالة في العالم العربي، بنسبة 1.7 في المئة، تليها قطر بنسبة 2 في المئة، ثم الإمارات العربية المتّحدة بنسبة 2.3 في المئة.
ويقول التقرير إنّ نسبة البطالة في المنطقة العربية هي من أعلى النسب مقارنة بالتجمعات الإقليمية المشابهة، إذ تزيد على 14 في المئة، ليصل عدد العاطلين من العمل من الناطقين بلغة الضاد إلى 17 مليون شخص. ويلفت إلى ارتفاع نسبة البطالة بين المتعلمين في الدول العربية، وكذلك بين النساء المتعلمات ولا سيما في دول الخليج، فيما تنخفض بين الأميين كما تبقى المنطقة ذات المعدلات الأعلى في البطالة بين الشباب، إذ بلغ هذا المعدل نحو 25 في المئة.
وفي ما يتعلّق بالعراق المحتلّ، فإنّ لارتفاع معدّلات البطالة فيه أسباباً عديدة في مقدّمتها توقف الإنتاج الصناعي والزراعي والخدماتي منذ 5 سنوات، رغم الحديث عن مشاريع «وهميّة» بمليارات الدولارات لا أساس لها على أرض الواقع.
ومعروف أن التيّار الكهربائي نادر الوجود في العراق، وأنّ أسعار الوقود ارتفعت بنسبة لا يدركها العقل، تصل إلى 150 ضعفاً عمّا كانت عليه قبل عام 2003، ما يعني توقف المعامل والمصانع ومضخات الماء الزراعية، وإلقاء مئات الآلاف من العاملين في أحضان البطالة والفقر أو الميليشيات والجماعات المسلحة. وتضاف إلى ذلك إجراءات سلطات الاحتلال بحلّ الكثير من مؤسّسات الدولة كالجيش والأجهزة الأمنية والإعلام، وإيقاف عمل المنشآت الصناعية العائدة للدولة.
وبحسب الخبراء فإنّ العراق الذي كان مصدّراً للمشتقات النفطية، أصبح الآن مستورداً لها، جراء توقف إنتاج مصافي النفط التي كانت تنتج ما يفيض كثيراً عن الحاجة المحلية: السعر كان رمزياً للمواطنين... «1.5 دولار لبرميل البنزين».
من جهة أخرى توقفت معامل الفوسفات والكبريت والإسفلت وغيرها، والأهمّ من كلّ ذلك توقّف عمل الشركات الكبرى التابعة لوزارة الصناعة، لانقطاع الكهرباء والدعم الحكومي عنها.
ومن أبرز المعامل التي توقّفت عن العمل، معامل الإسمنت، ما يضع الكثير من علامات الاستفهام حول الحديث عن إعمار العراق، الذي يمتلك 13 معملاً ضخماً للإسمنت، تُنتج 22 مليون طن سنوياً، وهي متوقفة منذ 5 سنوات، لأنها في حاجة إلى مولّدات كهربائية، تعجز الحكومة وسلطات الاحتلال عن توفيرها، رغم أنّ الموازنة العامة السنوية ارتفعت إلى أكثر من 70 مليار دولار.
وتفيد بعض الإحصاءات الرسمية التي أعدتها وزارة التخطيط، بأنّ الحكومة «شغّلت» العديد من منتسبي أحزابها في بعض المؤسّسات وعدّتهم من ضحايا النظام السابق أو مفصولين سياسيّين.
وذكرت الوزارة أنّ عدد العاملين في الشركات الكبرى «ارتفع» إلى حوالى 190 ألف شخص، إلّا أنّ حسابات الكلفة والجدوى ومعدلات الإنتاجية قد فاتتها. فهي قالت إنّ إنتاجية هذه الشركات الكبرى بلغت حوالى 150 مليون دولار سنوياً، أي ما يعادل 780 دولاراً سنوياً للشخص الواحد، ولم تُدخل في الحساب استهلاك العمل، وقيمة المواد الأولية والنقل... أي إنّ مجمل الإنتاج لا يغطي رواتب العاملين وأجورهم، ما يعني أنّ عمل هؤلاء هو نوع من البطالة المقنعة، وهم في كلّ الأحوال لا تزيد نسبتهم على 15 في المئة من العاملين في صفوف القوّات الأمنية، ومعظم هؤلاء عملهم وقتي ومتعلق بالظرف الأمني والسياسي.
ويذكر الباحث الاقتصادي حسام الساموك أنّ 90 في المئة من مؤسّسات القطاع العام الإنتاجيّة متوقفة، بينما تعمل البقية بطاقة جزئيّة، أما معامل القطاع الخاصّ والمختلط فهي ليست في حال أفضل بعد توقف حوالى 95 في المئة منها جراء انقطاع الدعم الحكومي، وعدم توافر المواد الأولية وإغراق الأسواق بالبضائع المستوردة من دون أيّ ضرائب، وكذلك انقطاع الكهرباء وشحّ الوقود وارتفاع أسعاره.
وبقي في سوق العمل القطاع التجاري الذي يعاني ركوداً نسبياً بعدما انخفض كثيراً الطلب على البضائع التي تعتمد على الطاقة الكهربائية، وتدنّت قيمة دخل الفرد. وإضافة إلى التجارة، هناك القطاع المتعلّق بالانتساب إلى الأجهزة الأمنيّة وتوابعها، وقطاع «المال السياسي والعسكري».


حرق الحسابات!

يفتقر العراق إلى إحصاءات دقيقة عن معدّلات البطالة، كما يفتقر إلى أيّ مؤشرات حقيقية عن أهمّ الأمور المتعلقة بالاقتصاد مثل النفط، الذي لا توجد له عدّادات لحساب الإنتاج وكميات التصدير والعائدات. وأكثر من ذلك، فإنّ الخلافات التي دارت في مجلس النواب أخيراً عن تقديم كشوفات عن النفقات المالية العامة للسنة الماضية، والسنوات التي سبقتها، أنهاها حريق فاجأ الجميع في مبنى المصرف المركزي، ثم جرى عرض الموازنة ضمن مجموعة قوانين أُقرّت «توافقياً»، وأدرج موضوع الحسابات طيّ التناسي.