أسعار المنازل في الولايات المتّحدة هبطت بنسبة 16 في المئة خلال الأشهر الـ12 الماضية. معدّل البطالة (بالمعنى الواسع الذي يتضمّن من يتقاضى «أجوراً جبريّة») ارتفع إلى 10.3 في المئة... مؤشرات إلى أن اقتصاد أميركا لا يزال يعاني والاحتياطي الفدرالي يجتمع اليوم لبحث «إبقاء سعر الفائدة ثابتاً»!
حسن شقراني
خلال الكساد العظيم، الذي شكّل في القرن الماضي أسوأ مرحلة للعالم الرأسمالي المتوغّل في أعاجيب الصناعة، ارتفعت نسبة البطالة في الولايات المتّحدة إلى 25 في المئة عام 1933، وبلغ معدّلها بين عامي 1929 و1933، 18 في المئة. وفشلت 40 في المئة من المصارف الأميركيّة في تأدية واجباتها الماليّة، من تأمين سيولة للجمهور وإكمال مسيرة الإقراض والاقتراض بنمط صحّي.
العديد من المراقبين يقارب بين الوضع الذي تعيشه الولايات المتّحدة حالياً وبين أزمة الرأسماليّة الصناعيّة. فأحدث التقديرات (نشرتها صحيفة «THE ECONOMIST») تفيد بأنّ 30 شهراً هي الفترة اللازمة لكي تعود الأرباح التي هدرت جرّاء أزمة الرهونات العقاريّة وفقدان السيولة، إلى مستويات ما قبل انطلاق شرارة الأزمة في آب عام 2007.
الفترة ليست قصيرة والإجراءات التي يتخذها الاحتياطي الفدرالي الأميركيّ من أجل احتواء التراجع الحاصل في العجلة الاقتصاديّة، عبر خفض أسعار الفوائد، لا تزال بعيدة عن تحقيق «العودة»، رغم أنّها حافظت حتّى الآن على استقرار معيّن في الأسواق، توازيه الإنجازات التي يؤمّنها السعر المنخفض للدولار: الاعتماد على النموّ الذي يقطره التصدير، وجذب السيّاح مثلاً! (مدينة نيويورك وحدها تجذب هذا العام 3.24 ملايين سائح).
ولكن هل تلك الإجراءات، المحدّدة أساساً بخفض سعر الفائدة ليصبح 2 في المئة، قادرة على إنعاش أكبر اقتصاد في العالم؟ حتّى الآن لم ينجح رئيس الاحتياطي الفدرالي، بن برنانكي، في خفض كلفة الاقتراض للقطاع الخاص. فمعدّلات الرهونـــــات العقاريّة لا تزال عنـد المستويات نفسها التي سادت في الصيـــــف الماضي، والغريب أنّ أسعار الفوائد التي تدفعها معظم المؤسّسات قد ارتفعت ولم تنخفض تماشياً مع خفوض الفائدة الرئيسيّة.
والسبب في ذلك، يعزوه الاقتصاديّون إلى الخوف. فقد تراجع تمويل القطاع الخاص، لأنّ المستثمرين الملذوعين من خسائر الأدوات الماليّة المفترض أن تكون آمنة، هم متردّدون في شراء أدوات ماليّة غير مضمونة من الحكومة الأميركيّة. وحتّى رزمة المحفّزات الضريبيّة التي قدّمها الكونغرس لرفع الإنفاق الاستهلاكي (المسؤول عن ثلثي حجم الاقتصاد) والتي تبلغ قيمتها 168 مليار دولار، قد ضخّت بالكامل، وأدّت إلى نتائج مؤّقتة وغير نوعيّة. لذا، فالمدى المتوسّط يبدو مظلماً إذا تمّ الافتراض أنّ النهوض يعتمد على استئناف الإنفاق: الأمور ستسوء قبل أنّ تعود إلى طبيعتها (30 شهراً!).
... الاحتياطي الفدرالي يجتمع اليوم للبحث من جديد في كيفيّة المضي قدماً. الأمور تبدو شبه محسومة في ما يتعلّق بسعر الفائدة الأساسيّة. فلا أحد من الاقتصاديّين يتوقّع أنّ يؤدّي خفضها إلى ما دون الـ2 في المئة، إلى تحفيز القطاع الخاص وإخراجه من دائرة «خوف السوق الماليّة». بل يرون أنّ الاتجاه المقبل لتغييرها سيكون صعوداً، من أجل مواجهة خطر آخر متمثّل بالتضخّم. وفي هذا الصدد، يقول الرئيس السابق للاحتياطي، لايل غراملي، «لا يرغبون (المسؤولون في المصرف) في إعطاء الانطباع بأنّهم، بطريقة ما، نسوا الاهتمام بالتضخّم... فذلك سيكون قاتلاً». ويرى أنّ نسبة الفائدة ستبقى كما هي حتى 2009.
وفيما العديد من الاقتصاديّين في المصرف يحذّرون من الإبقاء على سعر الفائدة منخفضاً لوقت طويل، تدعم المعلومات الماليّة والاقتصاديّة الأخيرة السياسة النقديّة الصبورة. وتبقى، بحسب مصرف «BANK OF AMERICA»، مخاطر التراجع الاقتصادي والنسب المرتفعة للتضخّم، متوازنة، لذا «سيحافظ الاحتياطي الفدرالي على توجّهاته حتى الآن».
وهكذا فإنّ الاحتياطي الفدرالي عالق بين نارين: الشركات الماليّة مستمرّة في تسجيل خسائر قياسيّة جرّاء الرهونات العقاريّة، لدرجة أنّ الاحتياطي يؤكّد في كلّ مرّة أنّ السوق الماليّة لا تزال «غير عاديّة ومتطلّبة»، وفي الوقت نفسه، ضايق ارتفاع نسبة التضخّم في ظلّ الأسعار المرتفعة للنفط والمواد الغذائيّة، سياسة المصرف حول أسعار الفوائد.
الوضع الاقتصادي لأميركا حسّاس. ويمكن استنتاج ذلك ممّا يعانيه شعبها في حقبة «4 دولارات لغالون البنزين»... ربّما الأمور لا تشبه كثيراً عام 1929، وكساد عظيم آخر ليس متوقّعاً (قريباً في الحدّ الأدنى) ولكن المؤشّرات الصحيّة الاقتصاديّة تتراجع. والأمور على عاتق برنانكي، حتّى الآن، لمعالجة أزمة أطلقتها فقّاعة الرهونات العقاريّة والنفط.


19 مليار دولار

خلال الأشهر الـ12 التي سبقت حزيران الماضي، ارتفعت مداخيل وأجور الأميركيّين، بنسبة متواضعة بلغت 3.2 في المئة، وهي النسبة نفسها خلال فترة العام حتّى آذار الماضي. كذلك فإنّ نسبة التغيّر في مداخيل المياومين بقيت ثابتة عند 3.4 في المئة. وتأتي هذه البيانات بعدما سجّلت نسبة البطالة في حزيران، 5.5 في المئة. كلّ ذلك وأرباح المصارف تبقى ضخمة رغم الخسائر الخياليّة، فصحيح أنّ أرباح الفصل الأوّل من العام الجاري انخفضت بنسبة 46 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، ولكنّها 19 مليار دولار!