دخلت العلاقات الروسية ــــ الأميركية، أمس، حلقة مفصلية، تُقرر نتائجها موازين القوة المستجدة لسنوات مقبلة. اختبار عسكري الطابع، سقط ضحيته أمس أكثر من 1400 قتيل، مرشح للتحول إلى حرب شرسة تهدد منطقة القوقاز بكاملها. ساحته إقليم أوسيتيا الانفصالي في جورجيا. وقوده الجيش الجورجي وقوات التمرد المدعومة من موسكو. تداعياته الاستراتيجية تتجاوز في أبعادها تلك الجمهورية السوفياتية السابقة وتحالفها مع الغرب، لتطال امتداد حلف الأطلسي الذي كاد يلامس روسيا، ومنظومة الدرع الصاروخية الأميركية التي تمثّل أحد العناوين الرئيسة لصدام مقبل بين واشنطن وموسكو، بدأت تتضح معالمه في أوسيتيا.نزاع مسلح أقدم عليه الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي بعد ساعات فقط من تأكيد التزامه هدنة مع أوسيتيا، فدفع بقواته باتجاه عاصمة الإقليم الانفصالي، تسخينفالي، حيث دارت معارك ضارية، أدت إلى تدمير جزء كبير منها، بحسب مصادر روسية. احتراب سقط خلاله عشرة جنود روس من قوات حفظ السلام، ودفع موسكو إلى الرد بعمليات عسكرية لامست تبليسي، التي أعلنت عن قصف قاعدة عسكرية في ضواحيها، وفتح حدودها أمام «المتطوعين».
وكان لافتاً أن الموقف الرسمي الروسي بقي طوال نهار أمس أقلّ حدة من المجريات الميدانية، إذ يبدو أن موسكو كانت حريصة على الحفاظ على الهدوء الدبلوماسي تحسّباً لأي تسوية مرتقبة مع أطراف الصراع الحقيقيين، أي حلف شمالي الأطلسي والولايات المتحدة، التي قرّرت إيفاد وفد مشترك مع الاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون في أوروبا إلى تبليسي لبحث الأزمة، بالتزامن مع تجديد الرئيس الأميركي جورج بوش دعم بلاده لـ«سيادة جورجيا على أراضيها»، في إشارة إلى أوسيتيا الجنوبية.
تطورات ترافقت مع تدحرج العمليات العسكرية على الأرض إلى «معارك ضارية» خاضتها القوات الروسية مباشرة مع القوات الجورجية، بلغت دمويتها حداً دفع تبليسي إلى استدعاء ألف من جنودها الموجودين في العراق، وإلى موجة لجوء هرباً من الاقتتال، فيما كان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يتحدث عن عمليات «تطهير عرقي» مارستها قوات ساكاشفيلي في القرى الأوسيتية. وكان الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي قد أعلن سيطرة «جورجيا بشكل شبه كامل» على أوسيتيا الجنوبية. إعلان سرعان ما ناقضته موسكو، التي أكدت «إسكات مصادر النيران»، مؤكدة على لسان العقيد في الجيش الروسي، إيغور كوناشينكوف، أن قواتها «ستتصدى بحزم» للقوات الجورجية.
ويبدو واضحاً أن روسيا ستكون حريصة على الخروج بانتصار، سواء كان عسكرياً أو سياسياً، يكرّس بقاءها وريثة شرعية للاتحاد السوفياتي، وخاصة أن ما يجري يمثّل أيضاً اختباراً لنهج رئيسها الجديد ديمتري ميدفيديف والتزامه السير على هدى سلفه فلاديمير بوتين، ولكونها تملك العديد من أوراق القوة، في مقدّمها «جبهة ثانية» هدد إقليم أبخازيا الانفصالي الموالي لموسكو بفتحها.