نجحت موسكو في اختبار القوّة. حسمت المعركة في أوسيتيا الجنوبية سريعاً وبدأت برفع سقف أهدافها. المعارك لم تنته بعد، لكن لا شك أن واقعاً جديداً سياسيّاً وعسكرياً بات على الساحة الدوليّة.روسيا أثبتت خلال الأيام القليلة الماضية أنها لم تعد تلك الدولة التي وقفت موقف المتفرّج لضرب أقرب حلفائها في بلغراد. و«جس النبض» الغربي، إذا صحّت تسميته، حظي بقراءة على غير هواه لقوة الجسم الروسي الجديد، وهو ما بدا واضحاً خصوصاً من خلال ردود الفعل الأوروبية، التي سارعت إلى الوساطة لإنهاء الصراع، في بادرة سيكرسها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في موسكو الأسبوع الجاري.
موسكو باتت وكأنها تتعاطى بحرفية مع المحاولات الأوروبية؛ فوزير الخارجية سيرغي لافروف لم يمانع في الاتصال بنظيره الجورجي ايكا تكيشلاشفيلي، بوساطة ألمانية، لتبليغه بأن على القوات الجورجية الخروج بشكل كامل من «منطقة النزاع»، أي من كامل أوسيتيا الجنوبية.
مطالبة زاد عليها الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف بأن على تبليسي التوقيع على تعهد بعدم مهاجمة أوسيتيا الجنوبية. شروط تبدو جورجيا مستعدة لتطبيقها، ولا سيما أنها سبق وأعلنت انسحابها الكامل من الإقليم الانفصالي، إلا أن موسكو نفت ذلك وواصلت حربها التي وصلت جواً إلى العاصمة الجورجية.
وقال شاهد من «رويترز» ووزارة الداخلية الجورجية إن مطار تبليسي الدولي أصيب في ضربة جوية روسية قبل ساعات من وصول وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير إلى جورجيا. وأصيب المطار على بعد 200 متر من مدرج الهبوط. وفي الغارة الجوية نفسها قصفت الطائرات الروسية مطاراً عسكرياً قريباً ومصنعاً لبناء الطائرات. كما نقلت وكالتا «انترفاكس» و«ايتارتاس» عن وزارة الدفاع الروسية أن سفناً حربية روسية أغرقت سفينة حربية جورجية قاذفة للصواريخ بينما كانت تحاول مهاجمتها.
الحرب في أوسيتيا انعكست توتّراً بين روسيا والولايات المتحدة، عبّر عنه سيل التصريحات للمسؤولين الأميركيين، كان أبرزها للمندوب الأميركي في الأمم المتحدة زلماي خليل زاد، الذي أشار إلى أن علاقات الولايات المتحدة وروسيا ستتأثر بالأزمة لمدى طويل. وكشف أن لافروف طلب من نظيرته الأميركية كوندوليزا رايس «رحيل الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي».
ورغم أن لافروف نفى في وقت لاحق كلام زاد، إلا أنه يبدو أن ساكاشفيلي بات يستشعر خطراً وجودياً. وهو توجّه إلى مواطنيه في خطاب متلفز مساء أمس ليعلن أن «وجود جورجيا بات مهدداً». وأضاف أن «عمليات القصف هدفها إثارة الرعب»، مشدداً على أن «جورجيا تريد السلام ولا شيء غيره».
قد يكون وقف إطلاق النار قاب قوسين أو أدنى، لكن موسكو باتت تدرك أن الأحداث الأخيرة تتجاوز جورجيا. ويقول خبير روسي لـ«الأخبار» إن الخطة أعدّت بين تبليسي وواشنطن خلال لقاء سرّي بين ساكاشفيلي ورايس في واشنطن، للسيطرة على كامل أوسيتيا الجنوبية في غضون 24 ساعة، أثناء انشغال العالم بافتتاح الألعاب الأولمبية.