للمرّة الأولى منذ نشأته، تقلّص اقتصاد منطقة اليورو في الربع الثاني من العام الجاري، بنسبة 0.2 في المئة. تطوّر كان متوقّعاً نظراً إلى تراجع أداء اقتصادات ألمانيا وفرنسا وإسبانيا، ويشير إلى معاناة الدول الـ15 على سكّة مواجهة الضغوط التضخّمية، وفي الوقت نفسه الاستمرار في تحقيق نموّ
حسن شقراني
في الأوّل من كانون الثاني من عام 1999، انطلقت أوروبا بحلّة جديدة، ميّزتها العملة الموحّدة التي وطّدت الروابط الاقتصاديّة بين 11 بلداً من القارّة العجوز. وخلال السنوات اللاحقة، انضمّ إلى تلك البلدان 4 أعضاء جدد، وظهر اليورو بشكله المادّي في كانون الثاني عام 2002، ونشأ أكبر اقتصاد في العالم (على أساس حسابات القوّة الشرائيّة للعملات) يضمّ 320 مليون نسمة، أفقه منيرة، على أساس أنّ «القوّة في الوحدة».
غير أنّه بعد 9 سنوات من «انطلاقته»، يشهد اقتصاد اليورو تراجعاً مقلقاً. والأرقام التي نشرتها الوكالة الأوروبيّة للإحصاءات، «EUROSTAT»، تأتي في سياق رفع المخاوف من دخوله في ركود، وخصوصاً إذا شهد الربع الثالث من العام الجاري نتيجة مماثلة.
فبعد نموّ نسبته 0.7 في المئة خلال الربع الأوّل، قاده أداء الاقتصاد الألماني (أكبر اقتصادات القارّة) بنسبة نموّ بلغت 1.3 في المئة، سجّل معدّل نموّ اقتصادات البلدان الـ15 رقماً سلبياً، وتقلّص بنسبة 0.2 في المئة. وهو أسوأ أداء منذ تاريخ النشأة، وكان قد سبقه تسجيل الاقتصاد نموّاً بنسبة صفر في المئة خلال الربع الثاني من عام 2003.
ولعلّ التراجع الأكثر دراماتيكيّة في أداء اقتصادات المنطقة كان في إسبانيا التي تمتّعت لعقد مضى، بنسب نموّ مثيرة وثابتة. فقد أوضحت أرقام المعهد الوطني للإحصاءات أنّ اقتصاد البلاد بالكاد نما خلال الربع الثاني، مقارنة بالأشهر الثلاثة الأولى، وسجّل نسبة نموّ قدرها 0.1 في المئة، بعدما كان الربع الأوّل قد سجّل نسبة 2.7 في المئة. وهي أرقام تظهر الوتيرة السريعة للتباطؤ. ففي العام الماضي كانت نسبة النموّ 3.8 في المئة.
وقد دفع هذا التطوّر في بلاد الأندلس رئيس الوزراء «المحتار»، خوسيه لويس ثاباتيرو، وفريقه الوزراي، إلى قطع عطلتهم، وعقد اجتماع هو الثالث من نوعه في إطار إحياء الاقتصاد، من خلال سلسلة إجراءات تحاول احتواء الآثار الحادّة لانهيار قطاع البناء (وهو الذي قاد النموّ بهامش كبير خلال الفترة السابقة)، وللحدّ من تدهور مؤشّرات كثيرة يسهم مجموعها بزيادة الوضع سوءاً: البطالة والتضخّم، وعجز الإسبان عن سداد أقساط ديونهم، ما يدفع بهم نحو الغرق في الديون المتكاثرة.
وفي الوقت الحالي، تتوقّع الحكومة أن يسجّل النموّ نسبة 1.6 في المئة خلال العام الجاري، و1 في المئة فقط في عام 2009، على أنّ ينمو الناتج المحلّي الإجمالي بنسة 3 في المئة بدءاً من عام 2010... وهي تقديرات تتعلّق بمدى جدوى الإجراءات المتخذة، ومدى تحمّل الإسبان لهذه الحكومة، في ظلّ اللحاق الخارق الذي يحقّقه المحافظون.
ومن جهته، تراجع الناتج الداخلي الصافي في فرنسا بنسبة 0.3 في المئة، في الفصل الثاني، وهو التراجع الأوّل من نوعه منذ الفصل الرابع في عام 2002. وصحّح المكتب الوطني للإحصاءات نسبة النموّ التي سجّلها الفصل السابق، إذ قال إنّها 0.4 في المئة لا 0.5 في المئة.
وفي تعليقها على هذه الأرقام السلبيّة، قالت وزيرة الاقتصاد، كريستين لاغارد: «إنّها أرقام كنّا نتوقعها وليست جيّدة»، وبرّرتها بالوضع الدولي السيّئ، مشيرة إلى «ارتفاع أسعار المواد الأوّليّة وتراجع سعر الدولار... والتضخم». إلّا أنّها أبقت على التفاؤل من خلال اعتبار أنّ الفصل الثاني «أصبح وراءنا... والمهم هو التساؤل عما سيحدث خلال الأشهر المقبلة».
التضخّم الذي تتحدّث عنه لاغارد مقلق بالفعل، فهو بقي عند نسبة 4 في المئة (وهو معدّل قياسي) في تمّوز الماضي على أساس سنوي. وعندما يقترن هذا الواقع بالتراجع الحاد في نسب النموّ، تظهر المصاعب أمام المصرف المركزي الأوروبي الذي أكّد رئيسه جان كلود تريشيه، الأسبوع الماضي، أنّ مواجهة التضخّم «هدف أساسي»، ولذلك أبقى على سعر الفائدة الأساسي عند 4.25 في المئة.
وما يثير القلق في توقّع أداء الأشهر المقبلة، هو أنّ الاقتصاد الألماني، وبعد تمكّنه خلال الأشهر الأولى من العام الجاري من الصمود في وجه تقلّبات الأوضاع الاقتصاديّة الدوليّة الناشئة من أزمة الائتمان، تأثّر أخيراً بالأزمة، وتقلّص خلال الربع الثاني مقارنة بأداء الأشهر الثلاثة الأولى، بنسبة 0.5 في المئة، وذلك للمرّة الأولى منذ صيف عام 2004.
وعموماً، تظهر في الاقتصاد الألماني مؤشرات على التباطؤ في القطاع الصناعي، بينما يؤثر التضخم في معنويات المستهلكين، ويحدّ من رغبتهم في الإنفاق... وإذا كانت هذه هي الحال في أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، فإنّ الأيّام المقبلة ستكون صعبة عليها.


تصميم على بيع اليورو!

مع ظهور الأرقام التي نشرتها «EUROSTAT»، انخفض سعر صرف اليورو أمام الدولار إلى 1.4905، كما تأرجحت الليرة الإسترلينيّة قرب أدنى مستوياتها خلال سنتين أمام العملة الخضراء. وفي هذا السياق، نقلت وكالة «فرانس برس» عن رئيس قسم الصيرفة الأجنبيّة في مصرف «MITSUBISHI UFJ»، آكيو شيميتزو، أنّ «لاعبين كثراً مصمّمون على بيع اليورو والليرة الإسترلينيّة، فيما آفاق الاقتصاد والسياسة النقديّة في أوروبا تبدو مضطربة». وفي المقابل، بدا الدولار أكثر صلابة، ما يؤكّد المسار التصاعدي الذي يسري عليه.