الإجراءات» التي اتخذتها السلطات في بكين تحضيراً للألعاب الأولمبيّة: الحظر على التنقّلات والإغلاق المؤقّت لبعض المصانع، قد تؤدّي إلى تراجع عجلة الاقتصاد، بعدما كان الفصلان الماضيان قد سجّلا تراجعاً ملموساً. المرحلة تقتضي رزمة محفّزات، تبدأ مفاعيلها مباشرة بعد انتهاء «الإجراءات» في 20 أيلول المقبل
حسن شقراني
كتب الاقتصاديّان في مصرف «GOLDMAN SACHS»، هونغ ليانغ ولو سونغ، في ورقة بحثيّة نشرت الأسبوع الماضي، أنّه فيما الانعكاسات طويلة المدى للألعاب الأولمبيّة على الاقتصاد الصيني قد تكون محدودة، إلّا أنّه يزداد وضوحاً أنّ الانعكاسات في المدى القصير ستكون سلبيّة. وسيترجم ذلك تراجعاً في الإنتاج والاستهلاك على حدّ سواء في شهري آب (الجاري) وأيلول المقبل، على أنّ ينتعش الاقتصاد بطريقة محدودة في تشرين الأوّل المقبل، بعد انقضاء الفترة المحدّدة لتطبيق المحظورات المتعلّقة بوقف عمل بعض المصانع وتخفيف حركة المواصلات، التي تفرض لتخفيف نسبة التلوّث لكي يحظى الرياضيّون بأنقى أجواء ممكنة.
وهذه الرؤية التي يطرحها ليانغ وسونغ، تتناقض مع إشارة العديد من الاقتصاديّين إلى أنّ التراجع في الإنتاج الصناعي في الصين، بسبب وقف عمل المصانع، ستنتفي آثاره بسبب العمل المكثّف الذي سينشأ في المصانع الواقعة في مناطق أخرى من البلاد (خارج بكين تحديداً) وبسبب الدفعة التي ستقدّمها الألعاب إلى الاقتصاد، وتحديداً عبر قطاع السياحة.
والواضح أنّ نسبة نموّ رابع أكبر اقتصاد في العالم ستكون أخفّ مقارنة بالعام الماضي، وخصوصاً بفعل الأرقام التي ستسجّل خلال النصف الثاني من العام الجاري. فانخفاض الطلب الخارجي على السلع الصينيّة بسبب تباطؤ الاقتصاد العالمي وتحديداً التراجع الذي يشهده الاقتصاد الأميركي، إلى جانب ارتفاع سعر صرف اليوان أمام الدولار، يؤدّيان إلى انخفاض حجم الصادرات. فخلال الفترة بين كانون الثاني وتمّوز الماضيين، انخفض فائض الميزان التجاري في الصين بنسبة 9.6 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
ونتيجة لذلك، سجّل النموّ خلال النصف الأوّل نسبة 10.4 في المئة، بعدما كان العام الماضي قد سجّل نسبة نموّ إجمالي بلغت 11.9 في المئة.
وفي المقابل يمكن ملاحظة استمرار نموّ الاستثمارات الثابتة في المدن (الإنفاق لتطوير القدرات الإنتاجيّة)، التي تدفعها حالياً فورة الألعاب الأولمبيّة. فخلال الفترة المذكورة، نمت تلك الاستثمارات بنسبة 27.3 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، بحسب المكتب الوطني للإحصاءات.
من جهة أخرى، فإنّ ارتفاع أسعار السلع الأوليّة (الطاقويّة والغذائيّة) أدّى إلى تسجيل معدّل التضخّم في تمّوز الماضي، نسبة 10 في المئة، على أساس سنوي، وهو أعلى رقم مسجّل خلال 12 عاماً. ولكن اهتمام المراقبين حالياً ينصبّ على ضرورة اتخاذ المسؤولين في العاصمة الشيوعيّة إجراءات لا تركّز على مواجهة التضخّم، بل تدعم محفّزات النموّ.
وفي هذا السياق، قال الاقتصادي في المصرف الأميركي، «JP MORGAN CHASE»، فرانك غونغ، في ورقة بحثيّة نشرت أمس، إنّ السلطات الصينيّة تبحث تقديم رزمة محفّزات اقتصاديّة يصل حجمها إلى 58.4 مليار دولار (400 مليار يوان)، وتمثّل 1.5 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي، من أجل دفع النموّ.
وتتضمّن هذه الرزمة إعفاءات ضريبيّة وإجراءات تهدف إلى دفع السوق المالي الصيني نحو الاستقرار، إضافة إلى جهود من أجل دعم تطوير سوق المنازل، حسبما أوضح غونغ في ورقته. وهي تأتي إلى جانب مبلغ الـ85 مليار دولار، المتوقّع أنّ تنفقه بكّين على إعادة الإعمار في محافظة سيشوان، في جنوب غرب البلاد، التي تضرّرت بفعل الزلزال المدمّر في آذار الماضي.
وهذا التطوّر دفع الأسهم في بورصة شانغهاي إلى الارتفاع بنسبة 7.63 في المئة، بعدما كانت قد شهدت أشهراً أخيرة صعبة. فقد انخفضت الأسهم بأكثر من 50 في المئة عن المستوى القياسي المسجّل في تشرين الأوّل الماضي.
... الاقتصاديّون يجمعون تقريباً على أنّ انتهاء الألعاب الأولمبيّة لن يؤدّي بشكل جاد إلى أي تباطؤ طويل المدى في النموّ الاقتصادي في الصين، مثلما كانت عليه الحال في تجارب ألعاب «سيول ـ 1988»، و«برشلونة ـ 1992»، و«أثينا ـ 2004». والسبب في ذلك يعود، بحسب الاقتصادي في مصرف «UBS»، جوناثان أندرسون، إلى أنّ آثار الأولمبياد على الاقتصاد الكلّي تتعاظم كلّما كان حجم السكّان في المدينة المضيفة يشكّل نسبة كبيرة من السكّان في البلاد. ففيما سكّان بعض المدن المذكورة يشكّلون أكثر من 40 في المئة من إجمالي السكّان، فإنّ سكّان بكّين، لا يمثّلون أكثر من 1.1 في المئة من الصينيّين.
ولكن على الرغم من ذلك، يتضح أنّ المسؤولين الصينيّين مصمّمون على تخطّي «آثار الألعاب» عبر اللعب بأرقام الإنفاق العام، وتناسي التضخّم قليلاً.


ملهاة المشاكل

انتهاء الألعاب الأولمبيّة قد يعود بالنفع على الاقتصاد في نواح عديدة، فهو سيتيح للسلطات التركيز على مسائل اقتصاديّة عديدة ضاغطة، تنتظر المعالجة، وذلك بحسب رؤية المحلّل الخبير في شؤون البلد الشيوعي، في مركز «GLOBAL INSIGHT»، ويليام هيس. فهو يقول إنّ «الألعاب الأولمبيّة شكّلت ملهاة ضخمة في ما يتعلّق ببلورة السياسات. والمشاكل المتعلّقة بأسعار مواد الطاقة، وانقطاع الكهرباء، وارتفاع أكلاف المنتجين، عولجت بطريقة مضخّمة، فيما هناك العديد من المسائل الكبيرة تحتاج إلى الانتباه».