بهدف إعاقة ولوجها قنوات الدولار والنظام المالي الأميركي، فرضت الولايات المتّحدة على المصارف التجاريّة الإيرانيّة، «ملّي» و«صادرات» و«ملّات»، في تشرين الأوّل الماضي، «عقوبات» تأتي في إطار «الصراع على النووي». ولكن المصرف الأخير يلتفّ على تلك الإجراءات ويُفشل «المخطّط الأميركي»!
حسن شقراني
تعدّ العقوبات الاقتصاديّة التي تفرضها الولايات المتّحدة على إيران منذ 10 أشهر، أكبر وقعاً على الجمهوريّة الإسلاميّة من تلك التي تنشأ في كنف الأمم المتّحدة، لأنّ الأخيرة محصورة بالنشاطات المتعلّقة بالبرنامج النووي والصاروخي، الذي تقول طهران إنّه سلمي، فيما يؤكّد الغرب أنّ نوايا عسكريّة تكمن وراءه.
ولكن يبدو أنّ لتلك العقوبات المشدّدة نقاط ضعف. فبحسب مدير مصرف «ملّات» علي ديفانداري، فإنّ تلك العقوبات «كان لها تأثير سلبي على سمعة المصرف، وسببت مشكلات... ولكن فعلياً عمليّاتنا لم تتوقف... وحالياً نعمل مع مصارف تجارية دولية مهمة ومصارف مراسلة على أساس يومي، أوروبية وآسيوية وأفريقية».
فاستراتيجيّة «ملّات»، الذي يُعدّ ثالث أكبر بنك في إيران وتمسّه العقوبات، تقوم على توطيد الصلات مع المؤسّسات الماليّة والمصارف، المتوسّطة الحجم والصغيرة، وغير المكشوفة بشكل كبير على السوق الأميركيّة، وعلى الرقابة الحكوميّة الأميركيّة (هيئة تقنين السوق الممثّلة بمكتب مراقبة السوق الماليّة).
وظهر نجاح تلك الاستراتيجيّة مع اتضاح أنّ عدد المصارف التي تتعامل مع «ملّات» ارتفع منذ فرض العقوبات الأميركية «لأنّ المؤسسات المالية الدولية الكبرى التي كنا نتعامل معها، حل محلها عدد أكبر من المصارف الصغيرة»، بحسب ديفانداري، الذي تحدّث لصحيفة «FINANCIAL TIMES» البريطانيّة، ففيما المصارف الدولية الكبرى أوقفت تعاملها مع «ملات» لحماية مصالحها في الولايات المتحدة، لا مصالح للمصارف الصغيرة والمتوسطة الحجم هناك.
وقد يمتدّ نمط هذه الاستراتيجيّة في التعاطي مع مختلف أنواع العقوبات أو الحظر الذي قد يصدر من أوروبا. وفي هذا الصدد يقول ديفانداري، إنّ «فرض عقوبات أوروبية على إيران سيسبب مشكلات، لكننا سنكون قادرين مجدداً على إيجاد مصارف لتحلّ مكان تلك التي ترحل».
تجدر الإشارة إلى أنّ الاتحاد الدولي الأوروبي فرض في حزيران الماضي، حظراً على عمل مصرف «ميلي» (أكبر البنوك الإيرانية التجارية) على أراضيه، وحذّر مؤسّساته الماليّة من التعامل مع المصارف الإيرانية. ولكن ما شهدته تجربة تحويل العقوبات السياسيّة إلى اقتصاديّة يثبت أنّ الحظر صعب جداً تطبيقه.
فرغم وقوف بريطانيا وفرنسا أخيراً إلى جانب الولايات المتحدة في اتهام المصارف الإيرانية بالتورط في نشاطات نووية غير مشروعة وتمويل الإرهاب، لا يزال «ملّات» يمتلك ستة فروع خارج إيران، من بينها فرع في العاصمة لندن، لا يزال ينشط تحت اسم «المصرف الفارسي الدولي».
وبالتالي فإنّ منع المصارف الإيرانيّة من الارتباط بشبكة سمسرة دوليّة لا يفترض أنّ جميع القنوات ستكون مسدودة، لأنّ «هذا الاقتصاد له محاسنه الخاصة حتى في ظلّ أصعب الظروف»، بحسب ديفانداري. فالسوق الماليّة في الجمهوريّة الإسلاميّة لا يمكن تجاهلها، «والاستثمار الداخلي لا يمكنه وحده ملاقاة حاجة البلاد، ما يجعل إيران فرصة للمصارف الأجنبيّة، وتحديداً المصارف الاستثماريّة».
وتاريخياً لم تشهد البلاد الإسلاميّة منذ ثورة عام 1979 أي وجود للمقرضين الأجانب في نظامها المالي، فحينها أُمّمت جميع المؤسّسات والشركات. غير أنّ المصارف الاستثماريّة الضخمة أبقت على مكاتبها التمثيليّة هناك. ولكن حتّى هذا الوجود قُزّم أو أُلغي حتّى خلال العامين الماضيين.
وتجربة المصارف الإيرانيّة في الالتفاف على العقوبات، يمكن مقارنتها بسعي القطاع النفطي إلى استبدال المعرفة التقنيّة الغربيّة في شأن تطوير آبار النفط، بـ«الخبرة الشرقيّة». فالولايات المتّحدة، أكبر مستهلك للطاقة في العالم، تمنع شركاتها من الاستثمار في حقول النفط والغاز الإيرانيّة. ولكن طهران تستخدم عناصر جاذبة عديدة لتحقيق هدفها النفطي المتمثّل بضخّ نحو 160 مليار دولار في الصناعية المتعلّقة باستخراج الوقود الأحفوري من أجل تطوير الإنتاج خلال السنوات السبع المقبلة.
والاعتماد على آسيا في عطشها للطاقة، يقابله طموح عملاقي القارّة إلى زيادة استثماراتهما النفطيّة في إيران. فشركة التنقيب عن النفط الصينيّة، «CNOOC»، تدرس صفقة بقيمة 16 مليار دولار لتطوير حقل نفطي وبناء مصنع للغاز المسيّل، كما تنتظر الشركة الهنديّة «ONGC»، الموافقة الإيرانيّة على صفقة لتطوير إنتاج النفط والغاز في حقل «فارس».
... وتستغني إيران عن التكنولوجيا والطلب الغربيّين في قطاع النفط، ويبدو أنّها، بحسب تجربة «ملات»، ستنجح في القطاع المالي. ولكن كما التكنولوجيات تختلف، يختلف تطوّر الأسواق الماليّة.


الاستغناء عن الغرب

تحاول الشركات الإيرانيّة تذليل «العقوبات» من خلال إيجاد المخارج الملائمة التي تولّف بين الاستغناء عن الغرب والحفاظ على مستوى الربحيّة وبطبيعة الجدوى. وفي هذا الصدد يقول نائب رئيس الشركة النفطيّة، «NIOC»، حجّة الله غنيميفارد، «تعلّمنا العيش من دون تكنولوجيا الولايات المتّحدة. وظهر أنّه بإمكاننا إيجاد شركاء جدد». ولكن هذا النجاح قد يبدو مؤقّتاً. فبحسب مدير مركز الدراسات السويسري «GULF»، جياكومو لوتشياني، فإنّ المهمّ هو الأهداف الطويلة المدى، و«لم يستطع الإيرانيّون حتى الآن ملاقاتها».