على بلدان مجلس التعاون الخليجي أن تضيّق الهوّة في معدّلات التضخّم التي تسجّلها قبل عام 2010، الموعد المحدّد لـ«تطبيق الاتحاد النقدي الخليجيّ»، بحسب «مركز دبي المالي العالمي». ولكن الطفرة النفطيّة تدفع نحو معدّلات تضخّم قياسيّة: ارتفاع الاستهلاك مقلق، وتظهر مفاعليه في قطر
حسن شقراني
أمّنت العائدات النفطيّة القياسيّة لبلدان مجلس التعاون الخليجي الستة، فوائض ضخمة في ميزانيّاتها، مخفّضة الدين إلى نسب ضئيلة من الناتج المحلّي الإجمالي، ورافعة الاحتياطيّات الأجنبيّة (العملات الصعبة إلى جانب الذهب) إلى مستويات عليا قد تفوق تريليوني دولار خلال العام الجاري.
ولكن هذه الطفرة تصعب إدارتها وتصاحبها مشكلات، على رأسها معدّلات التضخّم المرتفعة. وعلى الرغم من أنّ تلك المعدّلات لم تتجاوز 10 في المئة في البحرين وعمان والكويت والسعوديّة، العام الماضي، إلّا أنّ اقتصادي البلدين الأخيرين، سجّلا معدّلات شهريّة تفوق هذا الحاجز، خلال العام الجاري.
واللافت أنّ نسب التضخّم سجّلت مستويات مثيرة للقلق في قطر والإمارات العربيّة المتّحدة، وبلغت في البلد الأوّل 13.76 في المئة، وفي الثاني 11.1 في المئة خلال عام 2007... واللافت أيضاً أنّ المؤشّرات الاقتصاديّة في قطر تفيد بأنّ تلك النسبة متوجّهة نحو الارتفاع أكثر، وخصوصاً إذا استمرّت أسعار النفط عند المستويات المرتفعة (فوق 100 دولار للبرميل)، على الرغم من المساعي الحثيثة التي تطبّقها السلطات لاحتواء التضخّم، وبينها تطبيق تجميد للإيجارات لمدة عامين ورفع قيمة دعم أسعار السلع وتثبيت أسعار الصلب والإسمنت لمدة ثلاث سنوات.
فقد أظهر مسح أجراه جهاز الإحصاء القطري أنّ المتوسط الشهري لإنفاق الأسر القطرية بلغ 40757 ريالاً (11190 دولاراً) في عام 2007، بزيادة نسبتها 82.2 في المئة مقارنة بمستواه في عام 2001. وهذا الارتفاع الضخم، المتوقّع أن يستكمل نمطه خلال العام الجاري، يهدّد بمزيد من الارتفاعات في معدّلات التضخّم، وبالتالي يمسّ إحدى الأسس التي تخطّها المؤسّسات النقديّة الخليجيّة من أجل تحقيق الوحدة النقديّة في عام 2010.
فبحسب تقرير أصدره الأسبوع الماضي، يشدّد مركز دبي المالي العالمي، على أنّ التضخّم يجب أنّ يكون أولويّة على «الأجندة» الممهّدة لإطلاق العملة الخليجيّة. إلى جانب سياسات معياريّة تتعلّق بمعدّلات الفائدة واحتياطيّات العملات الأجنبيّة والعجز في الموازنة العامّة، والدين العام، إضافة إلى موضوع الحفاظ على ربط العملات الخليجيّة بالدولار.
ويجب ألّا تتجاوز نسبة التضخّم في البلد الخليجي «المتّجه نحو الإصلاح»، المعدّل العام للتضخّم في الدول الست مجتمعة زائداً نقطتين. وقد بلغ المعدّل خلال العام الماضي، 6.91 في المئة خلالعام 2007. وإذا عُدّل للمقارنة بلغ 8.91 في المئة.
معدّل التضخّم في قطر يزيد عن هذا الرقم بـ4.85 نقاط.
عامل أساسي حرم بلدان مجلس التعاون، وفي هذه الحالة قطر، من خاصيّة استخدام أسعار الفائدة لاحتواء معدّلات التضخّم: ربط الريال بالدولار. فالإجراءات التي تتخّذها السلطات النقديّة الأميركيّة تجبر نظيرتها القطريّة على اللحاق بالنمط. وبالتالي فإنّ خفض نسبة الفائدة الأساسيّة في الولايات المتّحدة يدفع نحو خفض مماثل في بلدان الخليج، حتّى وإن كان الواقع يفترض اعتماد سياسات كابحة للنموّ، وبالتالي للتضخّم.
وفيما التحوّلات الحاليّة المتعلّقة بانخفاض سعر صرف العملة الخضراء تنفي الحجّة التي تفيد بأنّ الربط بالدولار يؤمّن استقراراً نقدياً واستقراراً في الأسعار، تدفع الأموال الأجنبيّة وتدفّق العائدات النفطيّة، نحو ارتفاع الاستهلاك، وبالتالي نحو ارتفاع الأسعار.
فبالعودة إلى المؤشّرات الاقتصاديّة في قطر، يوضح المسح أنّ الأسر الوافدة المقيمة في البلد الخليجي، الذي يُعدّ أكبر دول العالم تصديراً للغاز الطبيعي المسال، أنفقت 13329 ريالاً في الشهر الماضي، ما يُعدّ زيادة نسبتها 46 في المئة مقارنة بإنفاق عام 2001.
وحظي الإسكان بالحصّة الكبرى من الإنفاق الشهري للمقيمين في قطر. وأظهرت البيانات أنّه يمثّل، إلى جانب المياه والكهرباء، 29.3 في المئة من المصروفات الشهرية. وبالنسبة للوافدين، مثّلت مصروفات الإسكان 30.8 في المئة من الإنفاق الشهري عام 2007. أمّا الإنفاق على الغذاء والمشروبات والتبغ، فقد بلغت نسبته 11.2 في المئة من إجمالي المصروفات، منخفضاً من 17.5 في المئة عام 2001.
... تحوي قطر 1.45 مليون نسمة، ويبلغ حجم اقتصادها 69 مليار دولار... تعاني تضخّماً قياسياً، يعيق جهودها نحو الموازنة بين النموّ والسياسة النقديّة الرشيدة. فكيف حال الصورة الكليّة: بلدان مجلس التعاون يبلغ عدد سكّانها 35.1 مليون نسمة، وتسعى لإرساء استقرار تمهيداً للوحدة النقديّة؟


معوقات كثيرة

يشدّد كبير الاقتصاديّين في مركز دبي المالي العالمي، ناصر سعيدي، على أنّ ربط عملات البلدان الخليجيّة بالدولار «ليس بالضرورة السبيل الأفضل لمواجهة التضخّم». وينصح تلك البلدان بالاستثمار في قدراتها الإحصائيّة من أجل تأمين بيانات اقتصاديّة وماليّة قيّمة، تدعم إنشاء الوحدة النقديّة، التي قرّر الزعماء الخليجيّون خلال قمّة عقدت في قطر في كانون الأوّل الماضي، أنّ ولادتها ستكون في عام 2010. ولكن المهلة المحدّدة تصطدم بمعوقات كثيرة، أبرزها تلك التي تنتج عند دراسة المعايير المتعلّقة بأسعار الصرف... والتضخّم.