أتت لحظة الانتقام. مدة الانتظار أو الاستعداد لم تتعدّ الـ6 أشهر. الأسلوب والتقنية نفساهما. التصريحات لم تختلف، وإن تغيّرت الأسماء. انطلاقاً من قيادتها مهمة نشر الديموقراطية في الغرب، أصرّت الولايات المتحدة على استقلال كوسوفو أحادياً، رغماً عن روسيا وصربيا. أما التبرير، فهو حق هذا الشعب في تقرير مصيره. اللغة نفسها اعتمدتها موسكو أمس في اعترافها باستقلال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، ليبدأ السباق مجدداً بين الدب الروسي والعم سام من نقطة التعادل، مع زيادة أرجحية التفوق لروسيا. فهي مستعدة لخوض حرب باردة، وابتزاز حلف شمالي الأطلسي لمعرفتها مدى حاجته إليها. أمس، كان حدثاً تاريخياً. أعلن الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف أن «روسيا تعترف باستقلال جمهوريتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية»، داعياً «الدول الأخرى إلى أن تحذو حذو بلاده. فهو الخيار الوحيد للحفاظ على أرواح الناس».
وفي خطاب شديد اللهجة، توجّه مدفيديف إلى الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي، قائلاً إنه من خلال العملية العسكرية التي قادها ضد أوسيتيا الجنوبية، «ألغى كل آمال التعايش السلمي بين الأوسيتيين والأبخاز والجورجيين في دولة واحدة». وكلّف وزارة الخارجية الروسية التفاوض لإقامة علاقات دبلوماسية مع الإقليمين الانفصاليين.
أما الحرب الباردة، التي تسابقت وسائل الإعلام الغربية على التبشير بعودتها، فتطرق إليها مدفيديف، مشدداً على أن «روسيا لا تخشى شيئاً، بما فيه قيام حرب باردة جديدة مع الغرب»، مؤكداً في الوقت نفسه أنها «لا تريد هذه الحرب». وأضاف «كل شيء رهن بشركائنا والمجتمع الدولي». حتى إن وزير خارجيته سيرغي لافروف أعلن أن «بلاده لن تعزل على الصعيد الدولي نتيجة هذا القرار». قرار حذّر منه الزعيم السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشيف، باعتبار أنه سيخلق «انقساماً ونكبة جديدة للعالم».
دقائق، ربما أكثر بقليل، كانت كافية لسكان تسخينفالي وسوخومي، عاصمتا أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، للنزول إلى الشوارع للاحتفال بالحدث، الذي وصفه رئيسا الإقليمين، إدوارد كوكويتي وسيرغي باغابش، بـ«التاريخي». تبع ذلك استعداد تسخينفالي، لاستقبال قاعدة عسكرية روسية على أراضيها. وعلى الفور، عقد مجلس الأمن الجورجي اجتماعاً استثنائياً، اتهم سكاشفيلي في نهايته روسيا «بالسعي إلى تغيير حدود أوروبا بالقوة»، قائلاً إن «هذه أول محاولة في أوروبا بعد ألمانيا النازية والاتحاد السوفياتي، لتركيع دولة مجاورة». وأكد أن روسيا تسعى إلى «تجزئة الدولة الجورجية وإزالتها عن الخريطة»، معتبراً أن قرار موسكو «غير قانوني». وأشار إلى أن بلاده تسعى للانضمام سريعاً إلى الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي.
القرار الروسي استدعى «استياءً» من دول «الأطلسي»، ووصفته وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس بأنه «مؤسف». تعبير استخدمته أيضاً فرنسا وإيطاليا وبريطانيا وألمانيا، فيما أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، عن خشيته من أن يخلف القرار عواقب على استقرار القوقاز.
(ا ف ب، ا ب، رويترز، يو بي آي)