الخسائر التي حلّت بالمصارف الاستثماريّة والمؤسّسات الماليّة في الولايات المتّحدة جرّاء أزمة الائتمان، تعبّر عن مدى الخلل الهيكلي، في عمليّة تقييم المخاطر. الأرباح القصوى تحقّقت جرّاء فقاعة سرعان ما انفجرت وأدّت إلى محو جزء كبير من منها: «MERRIL LYNCH» نموذجاً
حسن شقراني
منذ عام تحديداً، كان المصرف العملاق، «UBS»، يصنّف على أنّه ملاذ آمن ومشع بالثقة للاستثمارات. ولكن أزمة الرهون العقاريّة وما تبعها من خلل في سوق الائتمان العالميّة، أدّت إلى خسارة أسهمه نسبة 66 في المئة من قيمتها، وهبوط قيمته السوقيّة إلى 45.3 مليار دولار، من 90 مليار دولار، أي بنسبة 50 في المئة، وبلوغ خسائره 15 مليار دولار.
اعتمد المصرف السويسري الخضوع لـ«علاج الصدمة» من أجل الالتفاف على «قدر استثماراته» في السوق، وقلّص وحدته المختصة بالاستثمارات، كما طرد أكثر من 550 موظّفاً. وأكبر الإشارات دلالة على إجراءاته الجذريّة، كانت استقالة رئيس مجلس إدارته المخضرم، مارسيل أوسبل، في الأوّل من نيسان الماضي، ليحلّ في مكتبه محامي المجموعة، بيتر كورر.
ويصنّف المصرف الآن في المرتبة 25 عالمياً من ناحية القيمة السوقيّة. إلّا أنّه الثالث على «لائحة الخاسرين» من ناحية انخفاض قيمة الأسهم، بعد نظيريه الأميركيّين، «MERRIL LYNCH» و«CITIGROUP»، اللذين عاشا عاماً رهيباً، منذ انفجار فقاعة الرهونات العقاريّة.
فخسائر المصرف الأوّل خلال الأشهر الـ18 الماضية تمثّل ربع الأرباح التي حقّقها خلال 36 عاماً من وجوده، طبقاً لبحث أجرته صحيفة «FINANCIAL TIMES»، يركّز على آفاق الأزمة الائتمانيّة، وانعكاساتها على المصارف.
وخلال الفترة الممتدّة بين بداية العام الماضي والفصل الثاني من عام 2008، عانى «MERRIL LYNCH»، خسائر بلغت قيمتها بعد الضرائب، 14 مليار دولار، وشهدت ورقة موازنته شطوبات بقيمة 52 مليار دولار. أمّا أرباحه المعدّلة بحسب نسب التضخّم، فقد بلغت بين عامي 1971 و2006، 56 مليار دولار، طبقاً لأرقام أصدرتها شركة «THOMSON REUTERS».
ونسبة خسائر المصرف الأميركي المتعلّقة بالأزمة الائتمانيّة، إلى الأرباح التاريخيّة، تعدّ الأكثر ارتفاعاً بين 10 مصارف أوروبيّة وأميركيّة، هي، إلى جانب المصرف المذكور، «CITIGRPOUP» و«JP MORGAN CHASE» و«BANK OF AMERICA»، و«MORGAN STANLEY» و«GOLDMAN SACHS»، و«LEHMAN BROTHERS»، و«CREDIT SUISSE»، و«UBS»، بحسب الدراسة نفسها التي أعدّتها الصحيفة البريطانيّة. والمصرف الأخير حلّ ثانياً من ناحية نسبة الخسائر إلى الأرباح التاريخيّة، وهو لم يعلّق مثل «MERRIL LYNCH» على الأرقام المنشورة.
ومنذ تسلّمه زمام الإدارة من ستان أونيل، في تشرين الثاني الماضي، سعى المدير التنفيذي لـ«MERRIL LYNCH»، جون ثاين، إلى التخلّص من «الأصول المسمّمة»، وإعادة هيكلة الموازنة من خلال جمع أكثر من 30 مليار دولار رأسمالاً إضافياً. ولكن الخسائر التي سجّلها مثل بقيّة المصارف الاستثماريّة في «WALL STREET»، تسلّط الضوء على عمل مؤسّسات تعتمد على منتجات ماليّة معقّدة لرفع نسبة الأرباح.
ويتساءل المراقبون عن مدى إمكان عودة المصارف المذكورة إلى مستويات الربحيّة التي حقّقتها خلال الأعوام السابقة.
وتنقل «FINANCIAL TIMES» عن رئيس قسم الأسواق الماليّة العالميّة في شركة الاستشارات الماليّة، «ACCENTURE»، روبرت غاش، قوله إنّ «الشطوبات الضخمة التي عانت منها المصارف الاستثماريّة في العالم، تشير إلى أنّ أنماط عملها (موديلات التشغيل) يجب أن تتغيّر».
تجدر الإشارة إلى أنّ «MERRIL LYNCH» و«CITIGROUP»، أعلنا في بداية الشهر الجاري، عن استعدادهما لإعادة شراء منتجات ماليّة بمليارات الدولارات من زبائن «خاب أملهم» ولم تتحقّق أرباحهم المتوقّعة. وقال المصرف الثاني، إنّه سيستعيد 7.5 مليارات دولار من الدين الذي تُحدّد فائدته في سوق المزاد، بعدما عانى جرّاء تسجيل خسائر ائتمانيّة وشطوبات بقيمة 58 مليار دولار، منذ منتصف العام الماضي. وخلال تسعة أعوام من الأعوام العشرة المنقضية، حلّ في المرتبة الأولى من حيث الشطوبات المتعلّقة بالديون ذات الفوائد المحدّدة عبر المزادات.
أمّا المصرف الثاني، الذي تضمّنته جميع لوائح العشرة الأوائل خلال العقد الماضي، فقد كشف عن أنّه سيطلق مرحلة في 15 كانون الثاني المقبل، تمتدّ عاماً واحداً، ويُعاد خلالها شراء ديون من زبائن تقدّر قيمتها بـ12 مليار دولار.
«زبائننا علقوا في أزمة سيولة لم تشهد الأسواق مثيلاً لها»، يقول ثاين. ويضيف «نحن نحلّ هذه المشكلة بمنحهم خيار بيع أوراقهم الماليّة لنا».... ولكن عندما تدهورت الأوضاع منذ الصيف الماضي، كان الجميع منتشياً بأرباح الفقاعة، ولم يكترث أحد بالخيارات الفضلى.


معاناة فرنسيّة

أظهرت نتائج الربع الثاني من العام الجاري، تراجع أرباح المصارف الفرنسيّة الكبرى، بسبب أزمة الرهونات العقاريّة الأميركيّة. وأعلن أكبر مصرف تجاري فرنسي، «CREDIT AGRICOLE»، أنّ أرباحه بلغت فقط 112 مليون دولار، مشيراً إلى أنّ نتائجه عانت من انخفاض قيمة الأصول. من جهته، قال مصرف «CAISSE D ESPAGNE» إنّ أرباحه انخفضت إلى 21 مليون يورو فقط خلال النصف الأوّل من العام الجاري، من 1.45 مليار يورو خلال الفترة نفسها من العام الماضي. وكان مصرف «SOCIETE GENERAL» قد أعلن عن انخفاض أرباحه بنسبة 63 في المئة، خلال الربع الثاني.