يبدأ وزراء التجارة من أكثر من 30 بلداً جولة جديدة من المحادثات في جنيف اليوم، للاتفاق على صيغة تعيد إحياء «جولة الدوحة». فيما الخلافات تستعر بين مجموعات لا تنفكّ تزداد طروحاتها حدّة، في شأن المسائل المتعلّقة بدعم الزراعة في البلدان المتقدّمة وفتح حدود البلدان النامية، أمام «بضائع الغرب»
حسن شقراني
جولة الدوحة التي كان من المفترض أن تطلق مرحلة جديدة على صعيد التجارة الدوليّة، بعد أكثر من نصف قرن على إبرام اتفاق التجارة العالميّة، اصطدمت بعوائق التوليف بين مصالح العناصر المؤثّرة في العولمة. فهذه المرحلة، من تطوّر منظمة التجارة العالميّة، كان هدفها وضع العولمة في خدمة تنمية العالم الثالث عبر خفض الدعم على الزراعة في الدول الغربيّة بهدف إلغاء تقويض إنتاج الدول الفقيرة. ولكن ما بدأ في العاصمة القطرية في تشرين الثاني عام 2001، لم يستكمل... بانتظار التوافق على المسائل العالقة.
ودعوة رئيس المنظّمة الدوليّة، باسكال لامي، إلى عقد اجتماعات تستمرّ أسبوعاً، فيها كثير من المخاطر. فهو يرى أنّ نسبة النجاح تفوق 50 في المئة، ما يعني أنّ للفشل مجالاً كبيراً للتحقّق. والسبب في ذلك يعود إلى إحداثيّات عديدة.
فالوزيرة الأميركيّة، سوزان شواب، لا تتمّتع بمجال كبير للمناورة في موضوع خفض الدعم الزراعي في بلادها، نظراً لتعلّق ذلك بتعديلات في الكونغرس. ومن جهته، يواجه الاتّحاد الأوروبي مشاكل داخليّة تنبع من الاختلاف في الرؤية، ويفشل في تأليف «جبهة موحّدة». والمثال الأبرز الذي عبّر عن هذا التضارب، هو الخلاف الأخير الذي ظهر بين المفاوض الأوّل في الاتحاد الأوروبي، بيتر مانديلسون، والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي.، الذي يؤكّد أنّ «الظروف ليست ملائمة» لإبرام اتفاقيّة.
في المقابل، يقف تحالف البلدان النامية بالمرصاد، كي لا تتمّ أيّ اتفاقيّة لا تتضمّن إلغاء الأفضليّات التي يتمتّع بها المزارع الغربي. لأنّ فتح الحدود يتطلّب تكريس عدالة معيّنة لا تغرق المزارع الإندونيسي مثلاً في بحر منافسة، لا يقدر على مواجهة أمواجه. وعن هذا التوجّه عبّر وزير الخارجيّة البرازيلي، سيلسو أموريم، أوّل من أمس. فقد شدّد على أنّ بلاده مستعدّة للانتظار حتّى عام 2012 بهدف ضمان بنود أكثر عدالة في الاتفاقيّة، لأنّ فشلاً خلال محادثات هذا الأسبوع سيدفع الاتفاق 3 أو 4 سنوات إلى الأمام.
إذاً النجاح يتوقّف على إحداث تنازلات سياسيّة في عالم تتغيّر فيه تمركزات القوّة الاقتصاديّة. ومعاييره التقنيّة تتحدّد كالآتي: على الجميع الموافقة على «ترتيبات» التفاوض أي النسب المئوية المحددة لخفض الرسوم الجمركيّة حول المنتجات الزراعية والصناعية وخفض الدعم على الزراعة. وفي حال النجاح يجب تبادل اللوائح التي تفصل التنازلات سلعة بسلعة.
وإقرار هذه الترتيبات ارتفع مستوى صعوبته في الفترة الأخيرة، بسبب تصلّب الولايات التحدة من خلال إقرارها أخيراً، قانوناً زراعياً يمنح 290 مليار دولار للمزارعين، على شكل مساعدات، وهو مبلغ لا سابق له من حيث الحجم. أمّا دول «MERCUSOR» (الأرجنتين، البرازيل، الباراغواي، الأوروغواي) فقد وصفت النصوص الأخيرة المقترحة في منظمة التجارة بأنّها «غير كافية وغير دقيقة».
وبما أنّ جولة الدوحة، قائمة على مقولة ضرورة إحداث توازن في العالم من خلال دعم بلدان العالم الثالث، فإنّ حجج الدول النامية، تبدو منطقيّة. ولكن في ظلّ أزمة النموّ والتضخّم التي يعيشها الغرب، تبدو التنازلات صعبة التحقّق، وإن كانت أساسيّة للتقدّم في الاقتصاد العالمي وإن بتوازنات جديدة. وذلك لسببين:
1 - نسبة النموّ السنوي للتجارة الدوليّة تنخفض. ومتوقّع أنّ تكون هذا العام 4.75 في المئة. وهو مستوى أقلّ بكثير من المحقّق عام 2004 (نحو 10 في المئة). وعلى الرغم من أنّ باسكال لايم يصنّف مؤسّسته على أنّها المكافح الأوّل ضدّ مذهب الحمائيّة الاقتصاديّة، إلّا أنّ الجمود الذي يحكم المفاوضات التجاريّة الدوليّة، يجعل المواطنين في العالم الغربي يحنّون أكثر إلى هذا الخيار المتطرّف.
2 - إنّ إقرار جولة الدوحة، سيحقّق بالفعل تقدّماً على صعيد إعادة إطلاق نظم منظّمة التجارة العالميّة، على أسس جديدة. فالنموّ العالمي، المتوقّع أن يكون هذا العام، 4.1 في المئة بحسب صندوق النقد الدولي، تقطره البلدان النامية بنسبة تقارب الـ50 في المئة. وبالتالي فإنّ إيلاء اقتصادات هذه البلدان الأهميّة التاريخيّة الحقيقيّة، خارج إطار «الضغوط من أجل فتح الحدود»، أساسي لـ«مصلحة الجميع».
... ربّما ليست الدعوة إلى إلغاء 70 في المئة من الدعم الأميركي للمزارعين حجّة منطقيّة لتحقيق مصلحة العالم النامي، ولكن شيئاً من هذا القبيل يجب أن يحدث وإلّا فستُطاح 7 سنوات من المفاوضات وربّما على العالم الانتظار 4 سنوات إضافيّة... البلدان النامية لا تمانع!


كل التفاصيل معروفة

ترى وزيرة الدولة الفرنسية لشؤون التجارة الخارجية، آن ماري إيدراك، أنّ أوروبا لم تعد قادرة على تقديم التنازلات في المجال الزراعي في مفاوضات منظمة التجارة العالمية، وتطالب ببادرات من الدول الناشئة. وهي قالت الجمعة الماضي، «بصراحة في المجال الزراعي ذهبنا بعيداً جداً ولا إمكان لكي نذهب أبعد من ذلك». وذلك فيما يرى المدير المساعد السابق للمنظمة، دايفيد هارتريدج، أنّ «كل تفاصيل الاتفاق معروفة والسؤال يقتصر على معرفة ما إذا كانت الحكومات مستعدة للتحرك الآن على الصعيد السياسي».