لم تنجح البلدان الخليجيّة خلال السنوات الـ15 الماضية في الاستثمار في بناها التحتيّة. ولكن «العصر الجديد» الذي تعيشه بسبب الأسعار القياسيّة للنفط، يدفعها نحو التنويع في اقتصاداتها التي تضمّ 35 مليون نسمة: وصول حجم أعمال مشاريع التصميم إلى 16 مليار دولار عام 2010 نموذجاً
حسن شقراني
أكثر من 1.9 تريليون دولار من المشاريع الاستثماريّة هي على طريق الإقرار أو أعلن عنها لفترة السنوات السبع المقبلة، في البلدان التي تعيش فورة استثماريّة، بسبب تدفّق البترودولار، بعد وصول سعر برميل النفط إلى أسعار قياسيّة يتوقّع أنّ تقارب في المدى القريب 150 دولاراً للبرميل. إنّها بلدان الخليج العربي: الكويت، السعوديّة، الإمارات العربيّة المتّحدة، البحرين، سلطنة عمان وقطر.
وخلافاً لفترة «عدم الاستغلال» خلال الثورتين النفطيّتين في سبعينيّات وثمانينيّات القرن الماضي، تظهر البلدان الخليجيّة خلال هذه المرحلة بحلّة جديدة، مبدأها الأساسي الهروب من الاعتماد الكلّي على العائدات النفطيّة. وهنا تظهر أهميّة المشاريع الاستثماريّة الضخمة، إضافة إلى الشركات العملاقة التي تجتاح السوق العالمية في إطار التحديث والانفتاح الذي أمّنه الانضمام إلى منظّمة التجارة العالميّة. فبحسب تقرير أصدرته شركة «شعاع كابيتال» في نيسان الماضي، قاربت قيمة المشاريع الاستثماريّة في السعوديّة وحدها 855 مليار دولار، يتصدّرها القطاع الخاص بحصّة 39 في المئة من الإجمالي، وبعده مشاريع الاستثمار في الصناعة الطاقة بـ19 في المئة، وتليهما صناعتا تكرير النفط والبتروكيميائيّات، بـ15 في المئة و13 في المئة على التوالي.
وفي السياق أيضاً، فإنّ تقارير إعلاميّة تحدّثت أمس عن أنّ الكويت ستستثمر 28 مليار دينار (105.5 مليارات دولار) لتنفيذ خطة خمسية تهدف لدعم الاستثمار الأجنبي وتطوير القطاع المالي، وتقسّم مراحلها بين عامي 2009 و2014، وذلك بهدف تنويع المواردها الاقتصادية بعيداً عن النفط، ليصبح البلد الخليجي مركزاً مالياً عالمياً، وجاذباً للسائحين مثل دبي والبحرين.
وهذه الفورة في الاستثمارات، تعبّر عن محفّزاتها صناديق سياديّة شرق ـــ أوسطيّة للاستثمار، تبلغ أرصدتها الإجماليّة 1.5 تريليون دولار. كما أنّ ما يوازيها هي شركات ضخمة لا تنفكّ تتوسّع، لتغزو السوق العالمية. وهنا يبرز مثال الشركة السعوديّة للبتروكميائيّات، «سابك»، والشركة الإماراتيّة «اتصالات»، التي تتصدّر السوق العالمية من حيث أكبر نسبة نموّ لدى الشركات المشغّلة لشبكات الهاتف الخلوي (106.41 في المئة).
واللافت هو أنّ نسب النموّ الضخمة في بلدان الخليج، التي تقول دراسات إنّ معدّلها سيكون هذا العام 35 في المئة، تساهم فيها مشاريع أعمال نوعيّة، وبينها ما يتعلّق بتصميم المواقع، بسبب فورة البناء التي تشهدها المدن الخليجيّة. فلدى الحديث عن مشاريع ضخمة مثل البرج الديناميكي في دبي، وهو الأوّل من نوعه في العالم (كلّ طابق يتمتّع بقدرة على الدوران المستقلّ)، يزداد الاهتمام بمشاريع التصميم التي سيخصّص لها معرض خاص في أبو ظبي في 17 و18 من تشرين الثاني المقبل.
وبحسب الشركة البريطانيّة المنظّمة للمعرض، «CMPi»، فإنّ حجم الأعمال المختصّة بتصميم المشاريع السكنيّة والتجاريّة، إضافة إلى إدخال «تعديلات التكنولوجيا» في المباني القائمة، في بلدان مجلس التعاون الخليجي، سيتضاعف في عام 2010، ليصبح 16 مليار دولار.
وقطاع تصميم المواقع يشهد منافسة حادّة في الخليج، تؤدّي إلى انخفاض الأرباح وارتفاع الأكلاف الاستثماريّة. وفي هذا السياق، يقول مدير «CMPi»، كريس فاونتين، «مع دخول اللاعبين الدوليّين (في المنافسة)، يدرك المصمّمون الإقليميّون أنّ النموّ يتطلّب أكثر من شعاع الشمس والأرض والمياه»، في إشارة إلى ضرورة الابتكار في عالم تزداد فيه المنافسة. ويضيف أنّه في ظلّ «فورة العمران، تلجأ عائلات كثيرة إلى خدمات التصميم للاهتمام في استثماراتهم (على اعتبار أنّ المنزل هو استثمار خاضع في ما بعد لإمكان البيع)، وفي الوقت نفسه، يتعلّم المتعاقدون كيفيّة التقاط حصّتهم في هذه السوق ذات النسبة المرتفعة للنموّ».
إذاً، ففيما تنطلق نحو العالميّة شركات مثل «إعمار» الإماراتيّة، وهي إحدى أكبر شركات العقارات في العالم، وتتملّك في المغرب ومصر والهند وتونس، تزداد الحاجة في الخليج إلى الابتكار في تصميم المشاريع الإعماريّة، وخصوصاً أنّ السوق لم تشبع. ويظهر ذلك من مشاريع كالتي تقوم بها «مجموعة الجميرة» لبناء الفنادق الفاخرة، فهي تدرس 100 مشروع استحواذ مع رؤية لاستحواذ 30 مشروعاً في المستقبل.
... الخليج يدرك خطورة عدم استغلال الفورة النفطيّة الحاليّة، ويفتح الباب على مصراعيه أمام الابتكار والتطوير من أجل التنويع الاقتصادي. وستبقى دوله تؤكّد أنّ المعروض من النفط كاف للسوق ولا حاجة إلى رفع الإنتاج.


منافسة في «الجذب»

تسعى الحكومة الفرنسيّة إلى جذب أموال الاستثمارات الخليجيّة، المتركّزة في لندن، إلى أراضيها، من خلال الترويج للصيرفة الإسلاميّة، عارضةً أنّها ستؤمّن لها إطاراً أكثر قانونيّة ومرونة ضرائبيّة. وفي خطابها الأخير أمام مستثمرين خليجيّين، قالت وزيرة الاقتصاد الفرنسي، كريستين لاغارد، إن النشاطات الماليّة الإسلاميّة «مرحّب بها بالقدر نفسه مثلما هي الحال في بريطانيا وباقي دول العالم». فسوق المشاريع الإسلاميّة تقدّر حجمها بـ700 مليار دولار، ونتج النموّ فيها من الفورة النفطيّة.