من الآن وحتّى حدوث خلل في الطلب على النفط، الحديث الجاد هو عن أسباب ارتفاع سعره: بين 70 دولاراً و500 دولار هامش كبير جداً، تفترضه معطيات سياسيّة ــ أمنيّة في الشرق الأوسط، تدخل في سوق المراهنة على الوقود الأحفوري إلى جانب المضاربة وازدياد عطش الدول النامية واستمرار عطش الدول الصناعيّة
حسن شقراني
«إذا استمرت قيمة الدولار في التراجع، وإذا تفاقمت الأزمة السياسية، فإن سعر النفط سيصل إلى 500 دولار»، يحذّر مندوب إيران إلى منظّمة الدول المصدّرة للنفط، «أوبك» محمد علي خطيبي. بعد جلسات دراماتيكيّة متتالية من تداول العقود المستقبليّة النفط في البورصات العالميّة، أدّت إلى انخفاض سعر البرميل منه إلى نحو 123 دولاراً ، أي أقلّ بـ24 دولاراً من الذروة القياسيّة المسجّلة في 11 تمّوز الجاري.
وبحسب خطيبي، فإنّ حرباً جديدة في الشرق الأوسط (إلى جانب احتلال العراق) ستؤدّي إلى انقطاع نفط المنطقة كلّها عن السوق العالمية، وسيولّد هذا التطوّر «انفجاراً» كبيراً في الأسعار، يتخطّى الهوامش المحدّدة حالياً، التي في أسوأ الأحوال تشير إلى 250 دولاراً للبرميل، بحسب مدير شركة الغاز الروسيّة، «غازبروم»، ألكسي ميلر.
... حديث المسؤول الإيراني يحمل بطبيعة الحال، مثل معظم تصريحات سياسيّي الحكم في الجمهوريّة الإسلاميّة، الكثير من التهويل، ولكن في طيّاته رؤية صحيحة تتعلّق بسؤال: ما مصير السلعة الأكثر استراتيجيّة إذا فشلت السياسة الغربيّة في التعامل سلمياً مع الـ6 آلاف جهاز طرد مركزي، التي تحدّث عنها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. الجواب طبعاً بعيد عن المنطق الآني، ويتطلّب تفكيراً في عالم متخلٍّ عن الإمداد الطبيعي للمنطقة التي تضمّ أكبر نسبة من احتياطي الوقود الأحفوري. وهو يُقدّم في مرحلة تتجاذب فيها أسعار النفط إحداثيّات عديدة منها المضاربة وارتفاع الطلب.
فخلال السنوات الخمس الفاصلة بين عامي 1998 و2002، نما الطلب العالمي على النفط بنسبة 1.1 في المئة سنوياً، ما رفع الاستهلاك اليومي بقدر 4.2 ملايين برميل. إلّا أنّه في السنوات الخمس اللاحقة (بين عامي 2003 و2007) ارتفع ذلك الطلب بنسبة 2.1 في المئة، ليزداد الاستهلاك اليومي بـ8.2 ملايين برميل، ويصبح 85.5 مليون برميل.
ومهما يدُر من أحاديث في واشنطن أو في بروكسيل عن مليارات الدولارات التي تضخّ في سوق العقود المستقبلية للنفط من أجل المضاربة على سعره وجني الأرباح «السهلة!»، فإنّ هناك حقائق لا يمكن تجاهلها متعلّقة بحاجة مجموعة البشر لمزيد من الوقود للحفاظ على أنماط معيّنة من «العيش المرفّه»، وبحاجة مجموعة أخرى إلى المزيد المزيد لاستكمال مسار نهوضها الاقتصادي.
فمنذ 20 عاماً كان باستطاعة العالم ضخّ 15 في المئة من المئة زائدة على حاجته، أمّا اليوم فإنّ تلك القدرة الاحتياطيّة قد تبخّرت فعلياً، فهي تقدّر الآن بنحو 2 في المئة فقط من الإنتاج اليومي المطلوب للاستهلاك. وقد يكون هذا السبب هو ما يضفي الطابع الهش على الأسواق، ويكسب المضاربة أهميّة متزايدة، لتتحوّل «حلقة العرض والطلب على النفط» إلى مصفوفة معقّدة تدخل فيها العوامل السياسيّة والعسكريّة والطبيعيّة (الكوارث) والماليّة.
ولهذا السبب تحديداً، فإنّ تصريحات خطيبي ليست تهويليّة بالقدر الذي تبدو عليه، وخصوصاً أنّ رئيس «أوبك»، شكيب خليل، عزا الموجة الأخيرة لانخفاض سعر برميل النفط إلى تراجع التوتر في شأن ايران، مشيراً إلى أنّ هذا العامل السياسي هو «الرئيسي» لا تغيّر ميزان العرض والطلب.
واللافت هو أنّ خليل، الذي تشدّد منظّمته على أنّ المستويات «الخياليّة!» التي سجّلها سعر النفط أخيراً ناتجة من عوامل غير منطقيّة وتحديداً عن المضاربة، توقع انخفاض سعر البرميل إلى ما بين 70 دولاراً و80 دولاراً إذا ارتفعت قيمة الدولار وتراجع التوتر الجيوسياسي مع إيران.
... يفترض محلّلون أنّ ذروة إنتاج الوقود الأحفوري قد تحقّقت، فيما يرى آخرون أنّ ارتفاع الأسعار متعلّق بفقاعة ستنفّس عاجلاً أو آجلاً، ولكن مهما يكن من أسباب، فإنّ الأكيد هو أنّ دورة الارتفاع والانخفاض و«الاستقرار!» في سوق النفط، تتحدّد بعوامل، يرى شكيب أنّ المسألة الإيرانيّة هي «الحدث الرئيسي» بينها، ولذلك يجب أنّ «تأخذ السوق في الاعتبار أنّه لن يكون هناك هجوم على إيران»... ولكن كيف للسوق الهشّة أن تبلور مساراً بهذه البساطة وتتجاهل مثلاً حديث واشنطن عن «ضرورة» تطويع النظام في طهران وحديث الجمهوريّة الإسلاميّة عن أثمان باهظة ستتكبّدها المنطقة (من تل أبيب وحتّى المنصّات النفطية الخليجيّة) إذا مسّت سيادتها عسكرياً؟!
خليل لا يتوقّع انهياراً في الطلب، ولا انخفاضاً في المعروض من النفط، بل يقول إنّ الأخير قد يزداد (ليس أكثر من 2 في المئة بطبيعة الحال)، إذاً فسوق العقود النفطيةّ، بحسب منطقه، عالقة في متاهة البرنامج النووي الإيراني، الذي تقول طهران إنّه سلميّ!


أرباح المستفيدين

في ظلّ الحديث عن أسعار خياليّة لسعر برميل النفط، تجدر الإضاءة على الأرباح التي يحقّقها المستفيدون. فشركة «EXXON MOBILE»، وهي الأكبر بين المنتجين المستقلّين للنفط، حقّقت أرباحاً قياسيّة في عام 2007 بلغت 40.7 مليار دولار. ومن المتوقّع أنّ تزداد عائداتها هذا العام على هذا الرقم المحقّق. ومن جهتها، فإنّ الدول المصدّرة تفيد من أكبر انتقال للثروة في التاريخ عبر تحويلات البترودولارات. فعند عذا المستوى من الأسعار يبلغ مردود تلك الدول 1.5 مليار تريليون دولار سنوياً... يدفعها المستهلكون.