أصبحت مناخات الأسواق الإنتاجيّة في البلدان النامية قاسية على الشركات العالميّة. «ADIDAS» تمثّّل نموذجاً لشركة تحاول الالتفاف على التطوّرات في الصين، حيث سيفرض القانون الجديد للعمل ارتفاعاً بنسبة 25 في المئة على الرواتب، و10 في المئة على أكلاف الإنتاج
حسن شقراني
بحسب آخر أرقام دائرة الإحصاءات المركزيّة في الصين، فإنّ معدّل دخل العامل يبلغ 200 يورو شهرياً، ما يؤهّله لشراء 3 أحذية رياضيّة «ADIDAS» خلال موسم التنزيلات... تطوّر لافت في بلاد أصبح يقارب ناتجها المحلّي الإجمالي الـ3 تريليونات دولار، وستتخطّى الولايات المتّحدة (ناتجها حالياً 14 تريليون دولار) في هذا السياق بحلول منتصف القرن الحالي.
هناك قاعدة كانت قائمة في عصر العولمة: الشركات العابرة للقارّات، وتحديداً تلك الصناعيّة الأميركيّة التي تبحث بدون كلل عن أسواق تنتج فيها سلعها بأقلّ كلفة، تستغلّ عمّال البلدان النامية، لتأمين هامش واسع من الربح يعاد ضخّ مفاعيله في اقتصاد الولايات المتّحدة، لأنّه إذا كانت شركة «GENERAL MOTORS» بخير فإنّ أميركا بخير، كما تقول الأسطورة التاريخيّة لنموذج «أميركا الشركات العظمى».
ولكن هناك ما يطرأ على الاقتصاد الكوني، يجعل الكرة في ملعب «المستغلّين!». فالنموّ العالمي المتوقّع خلال العالم الجاري (4.1 في المئة) وخلال عام 2009 (3.9 في المئة) مسؤولة عنه بالدرجة الأولى فئة من البلدان تتصدّرها الصين، وتسمّى نامية، بحكم المعدّلات المثيرة للنموّ الاقتصادي التي حقّقتها خلال السنوات السابقة.
فالعملاق الآسيوي، الذي يضمّ 1.3 مليار نسمة، حقّق خلال السنوات العشر الماضية نسب نموّ تفوق الـ10 في المئة، ويُتوقّع أن تتواضع هذه الأرقام قليلاً هذا العام (لكن ليس دون الـ8 في المئة)، وهو مسؤول عن نسب كبيرة من الارتفاعات في الطلب على المواد الأوليّة (بعضها يصل إلى 80 في المئة في حالة المطّاط). ولا بدّ أن تنعكس هذه التطوّرات تنمية محليّة تشعر بها الطبقة الوسطى، وبدأت تلمس مفاعيلها طبقة العمّال الذين «خضعوا للاستغلال».
ومن هذا المنطلق أعلن رئيس مجلس إدارة «ADIDAS»، هيربرت هاينر، أنّ شركته، الألمانيّة الأصل، تسعى إلى نقل إنتاجها المركّز في الصين إلى بلدان تتمتّع بأسواق أكثر تنافسيّة، «لأنّ الرواتب المحدّدة من جانب الحكومة تحوّلت تدريجاً لتصبح مرتفعة جداً».
وحتى لو اعتبرنا أنّ مدخول الفلّاح الصيني لا يتخطّى الـ65 دولاراً شهرياً، فإنّ معدّل مداخيل الصينيّين عامّة (العمّال في المدن والفلّاحين) ارتفع بنسبة 20 في المئة خلال الفصل الأوّل من العام الجاري، ويُتوقّع أنّ يستمرّ وفق هذا النمط، ليطرح تحديّاً مستقبلياً، ليس فقط على «ADIDAS»، بل على جميع الشركات الضخمة. ومن هذا المنطلق تنبع رؤية هاينر.
فالتقنين الذي تعتمده بكّين، والنابع من رؤية التحديث، من خلال الدمج بين السلطة وقوّة القطاع الخاص، أنتج في بداية العام الجاري، قانون عمل جديداً لـ«حماية العمّال». وبحسب بعض فقراته فإنّ الصيني الذي أمضى أكثر من 10 سنوات يعمل في شركة معيّنة، أو وقّع عقداً لفترتين متتاليتين، يحقّ له توقيع عقد لا يتضمّن تاريخاً لانتهاء الخدمة، ما يعني منحه «وظيفة مدى الحياة».
هذا القانون الذي يشعر بخيراته العمّال في شينزين وبكّين، وسائر محاور الإنتاج الصناعي في البلد الآسيوي، دفع شركات كثيرة إلى إعادة هيكلة استراتيجيّاتها الإنتاجيّة. فبحسب بعض المحلّلين، سترتفع كلفة العمل في الصين بنسبة 25 في المئة، الأمر الذي سينعكس ارتفاعاً بنسبة 10 في المئة على أكلاف التصنيع. والشركات التي تفشل في التكيّف مع «الواقع الجديد» ستبدأ تشعر بالوخز بعد 5 أو 6 سنوات.
«ADIDAS» تحاول استباق الشعور بالوخز. والبيئة التنافسيّة الصعبة في سوق المعدّات الرياضيّة تدفعها لبلورة استراتيجيّات أكثر ابتكاراً. فهي حلّت في المرتبة الثانية العام الماضي من ناحية ربحيّة الشركات التي تنتج المعدّات الرياضيّة. وبلغت أرباحها 1.88 مليار دولار، فيما حقّقت شركة «NIKE» أرباحاً صافية قيمتها 2.199 مليار دولار، محتلّة المركز الأوّل.
ولكن التنافسيّة تبرز من خلال أرقام نسب النموّ لتلك الشركات. فبينما بلغت نسبة نموّ أرباح «ADIDAS» و«NIKE»، 68.2 في المئة و51.7 في المئة، على التوالي، بين عامي 2004 و2007، حقّقت «شركات نامية» مثل «LI NING»، نسبة نموّ أرباح بلغت 289.5 في المئة للفترة نفسها.
ومن هذا المنطلق يقول هاينر إنّ هدف شركته هو إنشاء 5 آلاف نقطة بيع مركزيّة مع حلول عام 2010، وأهمّ التطوّرات في هذا السياق حالياً، هو افتتاح أكبر معرض لها في العالم (3170 متراً مربّعاً) في بكّين، في 8 آب المقبل... في ما يبدو تحوّل الصين من البيئة الإنتاجيّة الأكثر ملاءمة إلى أحد المستهلكين الأوائل.


قانون تكلفته العمل!

يثير قانون العمل الجديد في الصين، الكثير من التساؤلات عن جدواه. ففيما يرى بعض المراقبين أنّه سيمنح العمّال حقوقاً كثيراً ما طالبوا بها، وهي تعدّ أساسيّة لهم نظراً للظروف الصعبة التي يعملون في ظلّها، يشدّد آخرون على أنّ العامل الصيني لن يستغلّ جميع البنود المفترض أن تضمن له حقّه. فهو سيتردّد لأنّ المطالبات وجذب الانتباه قد تكلّفه عمله. كذلك، فإنّ هناك توجّهات تحاجج بأنّ القانون لن يضمن التزام مكاتب العمل المحليّة فرضه على الشركات، كذلك فإنّ تلك الشركات لن تكون ليّنة في التعاطي مع التطوّر.