رأى أوروبيون أن تصريحات الرئيس الأميركي باراك أوباما، خلال زيارته للمملكة المتحدة منذ أيام، تمثل تهديداً، خاصةً قوله إنه في حال خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكست) فستصير في «آخر القائمة» في ما يتعلّق بإبرام اتفاقات تبادل مع الولايات المتحدة مستقبلياً، في إشار إلى الجهود لإبرام اتفاق «الشراكة الأطلسية للتجارة والاستثمار» بينها وبين أوروبا.
وفيما تفكّر أوروبا في جدوى الاتفاق الذي من شأنه إنهاء الحدود الجمركية والحواجز التنظيمية مع الولايات المتحدة، تحاول الحكومة البريطانية (إحدى أكثر الحكومات دعماً للاتفاق) إقناع شعبها باختيار البقاء في الاتحاد خلال الاستفتاء في حزيران المقبل، بذريعة أن ذلك سيكون من مصلحة الجميع، في حين أن الدراسات تشير إلى أن الضرر المحتمل سيلحق بالشركات والمصارف الكبرى.
الجدير بالذكر أن جميع نماذج العلاقة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، في حال الانفصال، تتضمّن سوقاً شبه مفتوح وتبادلاً تجارياً حراً بين الطرفين، في حين أن المملكة قد تستثنى من «الشراكة الأطلسية للتجارة والاستثمار» (تي تي أي بي) ـــ في حال الانفصال ـــ وستظل تتحلّى بسوق مفتوح من الاتحاد الأوروبي الذي يشكّل، ككتلة، أكبر سوق صادرات لبريطانيا.
في الانفصال ستظل بريطانيا تتحلّى بسوق مفتوح في الاتحاد

كذلك، يبدو غريباً خطاب أوباما وتهديده بأن المملكة ستصير في «آخر القائمة»، في حين أن الولايات المتحدة تعتبر أكبر سوق لصادرات بريطانيا على مستوى الدول، وهي سوق تساوي حوالى 3.5 مليارات جنيه إسترليني (نحو 5.1 مليارات دولار). وفي المقابل، تشكّل بريطانيا ثالث أكبر سوق لصادرات أميركا (2.9 مليار جنيه) بعد ألمانيا والصين، وفق «بي بي سي». إضافةً إلى ذلك، «تشكّل كلٌّ من بريطانيا وأميركا المستثمر الأجنبي الأكبر للآخر»، طبقاً للحكومة البريطانية.
ونصح الاقتصادي الأميركي جوزيف ستيغلتز بريطانيا بالخروج من الاتحاد في حال تبيّن أن اتفاق الـ«تي تي أي بي» سيتم. ولكن يبدو أنّه في ظل حكومة «حزب المحافظين» القائمة، لن يختلف الأمر كثيراً. فحكومة الـ«توريز» أقوى داعمي الاتفاق، حتى في نماذجه الأكثر تطرفاً. وفي حين عبّر مسؤولون أوروبيون عن قلقهم حيال إدراج «معاهدة الاستثمار الثنائية» كبند يسمح للشركات بمقاضاة الدول، أصرّت لندن على إبقائه.
والمبدأ الأساسي لـ«تي تي أي بي» هو رفع القيود وإعطاء الشركات صلاحيات أكبر في إدارة الاقتصاد، وهذا يتماشى تماماً مع برنامج رئيس الحكومة البريطانية دايفيد كاميرون، المحلي، الذي يقضي بإزالة أي حدود «تزعج» الشركات الكبرى أو تعكّر أعمالها، بغض النظر عن التداعيات على المجتمع والبيئة، وفق مدير المؤسسة غير الحكومية «غلوبال جاستس ناو»، نيك ديردن.
يوضح ديردن أن «سياسة كاميرون على جميع الأصعدة، من الصحة إلى حقوق الإنسان إلى الغذاء والتعليم، تتمحور حول تعزيز النمو الاقتصادي»، ما يعني في لغة النيوليبرالية تسهيل عمل الشركات والحفاظ على مصالحها، وهو بالضبط ما يهدف إليه «تي تي أي بي»، لذلك لن تكون لأوروبا أو للولايات المتحدة مصلحة في تبديل سياستيهما نحو بريطانيا، لأن التوجه الذي تميل إليه المملكة لا يتعارض مع مصالحهما، بل يتطابق معهما تماماً.
وفي ظل تطابق سياسات هذا الاتفاق مع السياسات التي تتبعها الحكومة البريطانية «المحافظة»، قد لا يهدد أصلاً الخروج البريطاني من الاتحاد فرص تحقيقه، بل ستضطر بريطانيا إلى تبنّي الكثير من السياسات المطروحة فيه للتعامل مع أكبر سوقيْن لصادراتها (أوروبا وأميركا) من دون عراقيل.