في الوقت الذي ينتظر فيه العالم تنفيذ بنود الاتفاق النووي الذي وُقّع بين إيران ومجموعة الـ"5+1"، في تموز الماضي، وبالتالي رفع العقوبات المفروضة على الجمهورية الإسلامية مقابل تنازلات قدمتها في ما يتعلق بملفها النووي، ألقت الولايات المتحدة عبوتها المتمثلة في العرقلة السياسية لتنفيذ الاتفاق، في ظل الحديث عن فرض عقوبات جديدة على إيران، بذريعة اختبار صاروخ "باليستي" أجرته إيران في تشرين الأول الماضي، وذلك في خطوة رأت إيران أنها تشكل نكثاً للاتفاق.
وتأتي هذه الخطوة بعد قانون أميركي يفرض قيوداً على حقوق السفر، من دون تأشيرات دخول للأشخاص الذين زاروا إيران أو يحملون الجنسية الإيرانية مع جنسية أخرى، وهو تحرّك وصفته وزارة الخارجية الإيرانية بأنه انتهاك للاتفاق.
غداة التهديد الأميركي بفرض عقوبات، ردّ الرئيس الإيراني حسن روحاني بأن أمر وزير دفاعه حسين دهقان بتوسيع برنامج بلاده الصاروخي. تلى ذلك تسريب وسائل إعلام أميركية أنباءً عن أن البيت الأبيض يتروّى في فرض هذه العقوبات، الأمر الذي لاقى انتقاداً من مشرّعين أميركيين لـ"استدارة" حكومتهم.
إلا أن هذه الاستدارة لم تمنع رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني من الإشارة إلى أن إيران ملتزمة بتعهداتها، ولكنها سترد على المراوغة بإجراء حاسم. هو أكد أن الحكومة مكلّفة في ما يتعلق بالصناعات الصاروخية والدفاعية بتقوية البنية الأساسية في مجال الهجوم والدفاع، وفق ما جاء في القانون الذي صادق عليه مجلس الشورى. ولكنه أضاف "إذا كان الأميركيون يعتقدون أن بإمكانهم القيام بخطوات خادعة، فعليهم أن يعلموا أنه لا يوجد مجال للخداع، وسيتم رصد جميع تحرّكاتهم بدقة. وكل إجراء غير مبرر يقومون به ستقابله إجراءات مبررة من الشعب والحكومة الإيرانيين".
في هذا السياق، أشار المسؤول في العلاقات الخارجية والخبير في العلاقات الدولية هاني حسن زاده، في حديث إلى "الأخبار"، إلى أن "سياسة إيران مبنية على تعزيز قدراتها الدفاعية، علماً بأن الجمهورية الإسلامية قدمت جملة تنازلات في ما يخص برنامجها النووي في مرحلة المفاوضات". وأضاف زاده "من هذا المنطلق، وفي ظل إعلان أميركا عن عقوبات جديدة على إيران، أصدر الرئيس روحاني إيعازاً بزيادة الإنتاج الصاروخي، وتعزيز القدرة الدفاعية، رداً على الخرق الاميركي للقوانين الدولية وتأثّره باللوبي اليهودي والكيان الصهيوني لفرض عقوبات كهذه".
أما عن مصير الاتفاق النووي، فقد أوضح زاده أن "إيران، الآن، تنتظر من الدول الالتزام بتعهداتها والتزاماتها، وبالتالي رفع العقوبات في الشهر الحالي، لتستمر في تعاونها". ولكنه لفت إلى أنه "في حال فرض عقوبات جديدة، ستعود إيران إلى المربع الأول، وتلغي كل ما تم الاتفاق عليه، ذلك أن العالم يشهد، الآن، على أن الولايات المتحدة لا تلتزم باتفاقات ووعود، وبالتالي لإيران كل الحق في استخدام كل الأوراق تجاهها".
من جهته، أوضح المحلل الاستراتيجي والسياسي محمد مارندي أن "الازدواجية الأميركية عوّدتنا على نكثها للوعود"، مشيراً إلى أن "واشنطن تسعى، من خلال الإجراء الذي قد تتخذه، إلى إضعاف قوة إيران الصاروخية والردعية، بشتى الطرق، نظراً إلى ما تلعبه من دور مهم في محاربة الإرهاب في البلدان الشقيقة، وبالتالي تعطيل الخطة الأميركية في تقسيم المنطقة". لكن مارندي أضاف، في حديث إلى "الأخبار"، أن "إيران اليوم، وفي ضوء التحالف الأقوى مع دول عظمى، مثل روسيا والصين، باتت قوة دولية تستطيع الوقوف أكثر في وجه أميركا". ورأى أن هذا الأمر "من الممكن أن يضغط على الولايات المتحدة للتراجع وتنفيذ الاتفاق من دون مراوغة".
من جهة أخرى، لفت مارندي إلى أن فرض قيود على التأشيرات على من سافر إلى إيران وأراد الدخول إلى الولايات المتحدة، "يتنافى مع نص الاتفاق النووي، وهو قد يسبب عرقلة تنفيذه، خصوصاً بعد تصريح إيران بأن قرار كهذا يشكل انتهاكاً واضحاً، وقد يدفعها إلى إعادة النظر في التزاماتها في إطار بنود الاتفاق".
مارندي عقّب بالقول إن إيران "لديها الكثير من الأوراق والخيارات التي يمكن أن تتخذها رداً على القرار الأميركي". وأوضح أنها "يمكنها أن تعود إلى تخصيب اليورانيوم، بدرجة 20 في المئة، كما كان الأمر قبل الاتفاق". وأشار إلى أن "إيران تستطيع حشد الرأي العام العالمي، الذي شهد على الاتفاق"، مضيفاً أنها "من هذا المنطلق تقوم اليوم بالتشاور مع حلفائها، مثل روسيا والصين، وحتى مع بريطانيا وألمانيا، الذين لديهم موقف غير راضٍ ــ مثل دول أخرى في الاتحاد الأوروبي ــ عن فرض قيود كهذه، معتبرة أنه يشكل مسّاً بسيادتها وأمر يعود بالضرر على اقتصادها، وانتهاك للتعاون القائم بين إيران والاتحاد الأوروبي".
ومع ذلك، فقد لفت مارندي إلى أنه "رغم محاولات بعض الشخصيات في الولايات المتحدة، وتحديداً في الكونغرس، عرقلة الاتفاق، لكن يبدو أن الحكومة الأميركية، وخصوصاً وزارة الخارجية، تريد تطبيق الاتفاق، وهي لذلك تقوم بتهدئة الأوضاع". ولكنه أضاف "إذا ما استمرت وتيرة الخروقات، فمن الممكن أن تصل إيران، بعد المشاورات مع حلفائها، إلى إلغاء الاتفاق بسبب تبعية قرارات الولايات المتحدة للوبي اليهودي".