يعمل وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، مثل المكوك، في مواصلة الحشد ضد إيران. لم يكف تحالفان، واحد لمحاربة الحوثيين في اليمن والثاني لمحاربة «الإرهاب» بكل مشتقاته، وفق تعريفات السعودية، من أجل حشر طهران في الزاوية. كان يجب استفزازها بإعدام الشيخ نمر النمر لتفتح «بوابة فرج» على الرياض، وتصرخ بين العواصم من أجل النفير ضد الإيرانيين، بعدما «مسوا كرامة» المملكة وسفاراتها. في اللقاء الأول، جلس الجبير مع رئيس هيئة الأركان الباكستانية، رحيل شريف، ليبحثا معاً «العديد من القضايا المتعلقة بالأمن الإقليمي»، فيما ستجرى باقي اللقاءات مع المستويات السياسية وستشمل حتماً «المشكلة الإيرانية».
ضمن هذا السياق، لا يمكن التعاطي مع المشهد الإيراني ــ السعودي القائم حالياً بصورة منفصلة عن سعي الرياض إلى تكوين حلف يضم تل أبيب وأنقرة والقاهرة وما أمكن من عواصم في المنطقة بعد الاتفاق النووي. على جانب النيل، اختارت القاهرة الوقوف في صف الرياض على المستويات كافة، بغض النظر إن كان المصريون مقتنعين بما تفعل الرياض أو لا، تماماً كالقاعدة التي رسمها رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، أول من أمس، «نحن مع السعودية في كل ما تفعل».
وبرغم أن مصر ليس لديها ما تقطعه مع إيران، على المستوى الدبلوماسي أو الاقتصادي أو حتى رحلات الطيران، فإنه لا مجال للقاهرة سوى تأكيد المؤكد مع الرياض. ولكن حديث الخارجية المصرية عن أن العلاقات مقطوعة مع الإيرانيين أصلاً منذ 27 عاماً، لعب على الكلام، يهدف إلى إعادة تكرار موقف قديم خدمة لحالة جديدة. وفي كل الأحوال، لا يمكن أن تنقلب الرئاسة المصرية، ومجموعة أخرى من المكونات الدينية والسياسية في البلاد (كمشيخة الأزهر وحزب النور وحتى جماعة الإخوان المسلمين)، على المملكة، التي لا تزال تقدم المنح والقروض والاستثمارات.
وبرغم تعليق الوزير سامح شكري، إلى جوار نظيره عادل الجبير قبل أسبوع، بتأكيد «دعم مصر أمن واستقرار الخليج»، أعرب المتحدث باسم الخارجية، أحمد أبو زيد، أمس، عن قلقه من «تصاعد التوتر على أساس مذهبي بما يهدد الأمن والاستقرار في المنطقة»، وهي التصريحات التي جاءت ضمن رؤية تبلور في الوقت الراهن داخل الخارجية.
اتّسقت المواقف المصرية والتركية الخارجية في الصف السعودي ضد إيران

وتتركز الرؤية التي طرحها عدد من الدبلوماسيين على قيام القاهرة بوساطة بين دول الخليج والجمهورية الإسلامية في المدة المقبلة، عبر آليات «يجري الاتفاق عليها لتضمن تهدئة الأوضاع نسبياً ووقف التلاسن بين المسؤولين»، تقول مصادر مطلعة، مع تشديدها على رفض القاهرة «عرقلة أي تسوية من شأنها تحقيق انفراج في الأزمة السورية».
وتستبعد القاهرة (أحمد جمال الدين) التصعيد العسكري في المشهد المتوتر، لكنها لا تظن أن القطيعة ستستمر طويلاً، كما أن الرؤية المصرية للأوضاع تقول إن «السعودية لديها تمسك باتخاذ موقف حاسم في ظل المساندة العربية القوية»، مع أن لدى مصر «عتباً» على الإيرانيين بشأن «المساس بأمن أماكن دبلوماسية»، بما أن لها «تجربة» داخلية في هذا الشأن.
عموماً، لا يمكن الفصل بين التأييد المصري للرياض ومنح البترول المقدرة بـ 500 مليون دولار، والقروض الميسرة التي ستودع في البنوك المصرية قريباً، وفق تعهدات المملكة للمسؤولين المصريين، فيما أكدت المصادر في الخارجية أن القاهرة «ستساند أي تحرك دولي للرياض للرد على التدخلات الإيرانية في شؤونها» كموقف أساسي.
على المستوى الشعبي، صدّرت السعودية عبر علاقاتها بمالكي ومقدمي المحطات والبرامج التلفزيونية وجهة النظر نفسها: «إيران هي المخطئة وعلينا الاستمرار في مقاطعتها»، وسط «فرحة» بأن الرئيس عبد الفتاح السيسي، لم ينسق خلف دعوات إعادة العلاقات الثنائية مع إيران ورفع مستوى التمثيل الدبلوماسي، كما كان يقترح بعض الخبراء وأساتذة الجامعات.
وبينما تفترق كل من مصر وتركيا على عدة طرق، التقت السياسة الخارجية المصرية مع نظيرتها التركية في خط الرياض. وبعد حديث رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، عن إمكانية تدخل بلاده للتوسط، رفض الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، «إدانة إقدام الرياض» على إعدام الشيخ نمر النمر، معتبراً ذلك «شأناً داخلياً» سعودياً.
وقال اردوغان، الذي له مواقف شهيرة بشأن فض اعتصام رابعة في مصر واعتقال قيادات «جماعة الإخوان المسلمين»، إن «الإعدامات شأن داخلي سعودي»، علماً بأن ذلك يتناقض مع تصريح للمتحدث باسم الحكومة التركية، نعمان كرتلموس، الذي أعرب قبل كلام اردوغان بيومين عن أسفه لذاك القرار.
كذلك، أبدى الرئيس التركي دهشته من ردود الفعل الشديدة التي أثارها إعدام النمر. وقال: «حدث في ذلك اليوم 46 إعداماً، بينهم 43 لسنّة. ثلاثة فقط كانوا شيعة». وأضاف: «تمت إدانة آلاف الأشخاص بالإعدام في مصر. لم يقل أحد شيئاً». كما وصف هجوم متظاهرين على السفارة السعودية في طهران بأنه «غير مقبول».