برازيليا | لم يكن فالدير مارانياو يعلم أن يوم التاسع من أيار سيكون أسوأ أيام حياته السياسية. فرئيس البرلمان الجديد الذي اعتقد أن بإمكانه فرملة المسار «الانقلابي» في البرازيل وتعديل مسار المجلس التشريعي، تعرّض للتعنيف السياسي والأخلاقي غير المسبوق في التاريخ البرازيلي الحديث.
محاولة مارانياو استرداد ملف إقصاء الرئيسة البرازيلية، ديلما روسيف، قبل ساعات من بدء تصويت مجلس الشيوخ عليه، أشعلت محاور المعارضة التي استنفرت ماكينتها السياسية والإعلامية للتشهير بالرئيس الجديد للبرلمان، ووصفه بالأمي والمضطرب. وذهبت محطة «غلوبو» الإخبارية إلى دعوة الشرطة الفدرالية لاعتقال مارانياو وعزله من منصبه. وكانت ذروة الحملة في مجلس الشيوخ، الذي سخر رئيسه، رينان كاليرو، من طلب مارانياو، معلناً استكمال التحضيرات لبدء التصويت على تنحية روسيف لمدة ستة أشهر.
صمود مارانياو أمام هجوم المعارضة، الذي استمر حتى فجر الثلاثاء، كسره انضمام حزبه إلى الحملة الشرسة التي وضعته بين خيارين: إما التراجع عن قراره، أو طرده من الحزب وملاحقته قضائياً. وأدت هذه الضغوط في نهاية المطاف إلى إصدار بيان مقتضب أعلن فيه مارانياو تراجعه عن طلب استرداد ملف إقالة الرئيسة، فاتحاً بالتالي أبواب الكونغرس الذي ينعقد اليوم لتنحية روسيف.
صمود مارانياو كسره حزبه المحكمة الدستورية تنتظر فرصتها للتدخل

لعل الرئيسة العمالية كانت الأكثر تعقلاً في يوم «الجنون» البرازيلي، حين دعت أنصارها إلى التريث والحذر. فروسيف كانت تعلم أن المعارضة ومَن وراءها قد بلغوا الخطوات الأخيرة في مشوار «الانقلاب»، وأن ما من قوة تستطيع وقف زحف المعارضة نحو القصر الرئاسي.
اللافت في هذه المشهدية المثيرة كان غياب المحكمة الدستورية العليا، التي راقبت الاشتباك العنيف بين المؤسسات التشريعية، الذي كان سيؤدي في المحصلة إلى رمي كرة اللهب في أحضانها. وحينها، قد تكون هذه المحكمة أكثر قدرة على إجراء دراسة قانونية خالصة لملف عزل الرئيسة، بعيداً عن الضغط السياسي. إلا أن تراجع رئيس البرلمان عن طلبه أعطى المعارضة قوة دفع سياسية ستؤثر بالضرورة في دور المحكمة، التي باتت مكبّلة بانتصار المعارضة وتقهقر حلفاء روسيف.
تقول مصادر مطلعة على أجواء المحكمة الدستورية «للأخبار» إن أعضاء المحكمة لديهم الرغبة في الإمساك بهذا الملف، ولكنهم ينتظرون تحقيق الكونغرس. وذلك يعني أن المرحلة الأولى من «الانقلاب»، المتمثلة بإبعاد روسيف عن الرئاسة لستة أشهر، باتت محسومة لمصلحة المعارضة، على أن تشكّل المرحلة الثانية فرصة مواتية للنقاش القانوني الهادئ، بعيداً عن ضوضاء الاشتباك السياسي والإعلامي وتبادل الاتهامات.
يقول وزير العدل البرازيلي السابق، تارسو جينرو، إن العماليين بدأو بالفعل التحضير للمرحلة المقبلة، حيث ستكون المواجهة أكثر سخونة في الدوائر التشريعية والقضائية، مضيفاً أن تلطي المعارضة خلف التحالفات القائمة على المحاصصة لن يعطيها الشرعية، وأن الأيام المقبلة ستشهد تداعي رموزها المتورطين في النهب والفساد. تصريح جينرو يشير إلى أن العماليين باتوا أكثر واقعية في التعايش مع مرحلة تنحية روسيف، لكن النقاش في الدوائر الضيقة للعماليين يدور حول العمل على خطين: الأول تعرية المعارضة قانونياً، ووضع حكمها القادم تحت شبهة المشروعية، وبالتالي محاولة إعادة روسيف إلى كرسيها الرئاسي بعد الإقصاء المؤقت. أما الخط الثاني، فهو التعامل مع أسوأ الاحتمالات، وهو الاستفادة من العزل النهائي لروسيف لقيادة معارضة شرسة وبناءة تستنفد نشوة المعارضة وتعبّد الطريق أمام لولا دا سيلفا للعودة إلى سدة الرئاسة!