فنادق غزة: ضرائب مربّعة و«سويتس» بلا نزلاء

  • 0
  • ض
  • ض

غزة | دخلنا فندق «فلسطين» المقام على ساحل بحر غزة. لمْ يلاقنا موظف الاستقبال بالابتسامة العريضة التي من المفترض أن يوزعها العاملون في الفندقة والمرافق السياحية. يبدو أن عبد الله، يعلم سلفاً، بأننا لسنا نزلاء.

أساساً، من أين سيأتي السيّاح ومعبر رفح مغلق منذ سنوات والوفود الأجنبية التي تدخل المدينة من معبر بيت حانون الرابط بين غزة وإسرائيل، تعرف طريقاً آخر إلى غير فندقه؟
حالة فندق «فلسطين»، الذي أنشئ عام 1995، يمكن قراءتها من صوت النرجيلة الذي يكسر هدوءه التام. وحدهم أصحاب الفندق يجلسون في قاعة استقبال الزوّار. هنا يستذكر عبد الله كيف كان النزلاء في الماضي يتزاحمون في القاعة، تلك الأيام التي كانت فيها غرف الفندق الخمسين محجوزة طوال الصيف، وعدد فنادق القطاع لا يتجاوز الخمسة.
وفيما يحرق ما تبقى من سيجارته، يواصل حديثه إلى «الأخبار»، «عشنا بين عام 1996 إلى 1999 سنوات عز لن تتكرر». ويشير إلى مطعم الفندق، الذي يقود إليه درج داخلي تملأ جدرانه المشغولات التراثية، فمن السهل على الغبار المتراكم على أثاثه، أن يخبرك بأن مدّة إغلاقه تتجاوز عمر الحصار المفروض على غزة منذ 2007.
يستذكر صاحب الفندق خلال جولة بين الغرف المهجورة، كيف كان فندقه عامراً بالحياة، قائلاً إنه «في السنوات التي تلت مجيء السلطة إلى غزة عام 1994، كان السّياح يدخلون بالمئات يومياً عبر مطار رفح الدولي، فضلاً عن زيارة أهل الضفة وفلسطينيي الـ48 لأقربائهم دوما من معبر بيت حانون... كانت أسرّة الغرف موضبة جيداً، وكان يقوم على نظافة الفندق وخدمة النزلاء أكثر من عشرين عاملاً». ويتابع: «كان الجو معطراً دائماً.. لا تقلق لم تكن لتشم رائحة الرطوبة».
لكنّ الأمور أخذت تتدرج بالسوء إلى أن سُرّح كلُّ عمّال الفندق، وأغلق المطعم نهائياً، ولم يبقَ مرفق من الفندق الموزعة في طبقاته السبعة يعمل سوى صالة الأفراح، التي يسدد مدخولها النفقات الشهرية من ضرائب ووقود وخدمات!
حال «فلسطين» ليس الأسوأ بين مباني غزة السياحية، فهو على الأقل مفتوح، في حين أغلقت أكثر من عشرين منشأة سياحية أبوابها نهائياً منذ 2007.
يشرح المدير العام للسياحة الداخلية في وزارة السياحة والآثار، رزق الحلو، أن قرابة 25 منشأة أخرى كانت قد أغلقت أبوابها خلال انتفاضة الأقصى الثانية، مشيراً إلى أن 45 منشأة سياحية من أصل 120 أغلقت كلياً مذ بدأت الانتفاضة، خاصة عقب إخفاق مفاوضات كامب ديفيد في 2000.
المفاجئ، أنه وسط هذه المعطيات، افتتحت أربع منشآت سياحية كبيرة تقدم خدمة المبيت في الفترة بين عامي 2007 ــ 2015! ولعل فندق المشتل (المعروف سابقاً بالموفينبيك) هو الأفخم من ناحية الامتيازات والمساحة، ووفق المعايير المحلية، يصنف بأنه الوحيد الذي يستحق وسام النجمات الخمس من بين 13 أخرى، استمرت في تقديم خدماتها.
وبرغم ما أثاره افتتاح الفندق عام 2011 من جدل، بدءاً من تسميته، مروراً بالجدوى الاقتصادية من افتتاحه في منطقة استثمارية يصفها المختصون بأنها منطقة «رمال متحركة»، فإنه شكّل واجهة سياحية مهمة للمدينة. لكن، هل اسمه المشتل أم «الموفينبيك»؟


أغلقت أكثر من
20 منشأة سياحية أبوابها
نهائياً منذ 2007


يفيد أحد المطلعين بأنه في 1998، بدأت شركة «الموفينبيك» السويسرية، صاحبة سلسلة الفنادق الشهيرة في الشرق الأوسط، بناء الفندق وفق معاييرها، ولمّا بدأ الوضع السياسي بالتقلب مع انتفاضة الأقصى، توقفت أعمال البناء حتى 2005.
وبعد سيطرة حركة «حماس» على القطاع في 2007، وصلت الشركة إلى قناعة بانتفاء القدرة على افتتاح الفندق وفق المعايير الدولية، فلم يكن من المنطق فعلاً أن يتقبل واقع غزة الاجتماعي «المحافظ»، والسياسي المشتعل وسط أحداث الانتفاضة والحروب المتتابعة، وجود الامتيازات الخاصة بـ«الخمس نجوم»، خاصة تقديم المشروبات الروحية وتوفير المسابح المختلطة. لذلك عرضته الشركة للبيع وهو قيد الإنشاء، وبثمن زهيد مقارنة بحجمه، فاشترته شركة «باديكو» القابضة، التي يترأسها رجل الأعمال الفلسطيني المعروف منيب المصري.
مشكلة «المشتل» كما يوضحها المدير المالي والإداري للفندق، عدلي الحلو، ليست مقتصرة على واقع الحصار المفروض على القطاع، بل بدراسة الجدوى، خاصة أن ما خطط له عام 1995 بُني بكفاءة فندقية وبمعايير دولية عالية، محتوياً على 220 غرفة للنزلاء، إضافة إلى صالة أفراح وعدد من قاعات الورش والاجتماعات.
يشرح الحلو أنه «وُضعت دراسة الجدوى بناءً على معطيات ما بعد أوسلو، كحرية الحركة والتنقل للأفراد ونشاط السياحة الخارجية؛ آنذاك كانت غزة مفتوحة على العالم، ومطارها وميناؤها كذلك، وممراتها آمنة... كل ذلك قدّم معطيات مخالفة عن الواقع الذي افتتح فيه الفندق عام 2011». ويضيف: «انتظر المستثمرون مدّة طويلة كي تتحسن الأوضاع في غزة، لكن استمرار إغلاق المكان كان يعني استمرار الخسارة».
والمفارقة هُنا أن خسارة الفندق مغلقاً تبلغ 350 ألف دولار سنوياً، في حين تبلغ خسارة افتتاحه 350 ألف دولار سنوياً أيضاً! يشرح الحلو أن هناك نفقات ثابتة يحتاجها المكان، مثل طاقم الحراسة، والوقود اللازم للإضاءة ليلاً لمنع السرقة، إضافة إلى الضرائب التي تتلقاها الحكومة والبلديات (جرت مضاعفتها)، كما يدفع المبلغ نفسه كخسائر في حالة التشغيل الحاليّة، لأن واردات المكان لا تكاد تغطي كلفته التشغيلية!
يشار إلى أنه في مطلع العام الماضي، اشتكت «الهيئة الفلسطينية للمطاعم والفنادق» في غزة، مضاعفة البلديات الضرائب المفروضة عليهم، كرفع ضريبة الحرف السنوية من 700 إلى 4000 شيكل، ورفع قيمة ضريبة النظافة الشهرية من 120 شيكلاً إلى 1200 شيكل (100 دولار = 380 شيكلاً).
فما العبرة من افتتاحه إذاً؟ يجيب الحلو أن «بقاء المكان مغلقاً يعني استمرارية تآكل أثاثه وتلفه دون جدوى، وأيضاً استمرارية الخسارة، فالعمل على أي حال أفضل الحلول السيئة... قد تؤسس هذه الفترة لمستقبل جيد للفندق إذا ما تغيرت الظروف السياسية... من يدري؟».
ويعمل في (المشتل) حالياً أكثر من مئة موظف، بمتوسط راتب 550 دولاراً أميركياً، وتبلغ النفقات الشهرية أكثر من مئة ألف دولار، موزعة بين رواتب الموظفين والتكاليف التشغيلية، التي يستهلك منها الوقود اللازم لتشغيل مولدات الفندق ما نسبته 30% وحده.
في هذا الصدد، يؤكد الحلو أن «المسؤولية الاجتماعية أضحت إلزامية بعدما شرع الفندق في العمل، لأن تشغيل الأيدي العاملة التي تعيل عشرات الأسر وسط حالة الركود والبطالة، هو أحد الأهداف الأساسية التي تشكل دافعاً للاستمرار، بالرغم من أن مجموع خسارة الفندق منذ تشغيله بلغت ستة ملايين دولار، وواردات الفندق الشهرية لا تتخطى 80 ألف دولار في أفضل الأحوال؛ إحدى أهدافنا أيضاً المحافظة على المكان برونقه الجميل، والمحافظة على تشغيله بأقل خسائر ممكنة».
ما هي الحلول المطروحة للخروج من هذا النفق؟ يرى وكيل وزارة السياحة والآثار، محمد خلة، أن السياحة الداخلية «يمكن أن تشكل حلاً جيداً يساهم في تحريك الركود الذي تعيشه المنشآت السياحية». ويضيف أن هناك الكثير من المنشآت استطاعت التأقلم مع واقع الحصار، فيما رفضت أخرى النزول إلى متوسط الدخل العام للفرد.
لكن المدير المالي لفندق «المشتل» أكّد أن النفقات المرتفعة للخدمة الفندقية تشكل حاجزاً أمام إمكانية تخفيض سعر الخدمة، لأن النزول بسعر حجز الغرفة عن 80 دولاراً لليلة الواحدة يعني الاستمرار في مضاعفة الخسارة.
وبرغم موافقة الخبير الاقتصادي ماهر الطباع، لرأي خلة، يضيف أن «السياحة الداخلية يمكنها المساهمة في تحسين أوضاع قسم معين من المنشآت السياحية كالمطاعم والمنتجعات السياحية، لكن فنادق المبيت يتوقف حلها على فتح المعابر». ويبيّن الطباع أن نزلاء فنادق المبيت هم السيّاح والوفود الآتية من الخارج، ولا يمكن أن تستهوي هذه الفنادق سكان القطاع المحليين، نظراً إلى مساحة القطاع الضيقة أولاً، وغياب سياحة داخلية تتطلب المبيت، إضافة إلى الوضع الاقتصادي للسكان، الذي يقيس فكرة السياحة بسقف الدخل المتدني.


حكومة غزة لا ترحم... مالياً

يجد أصحاب الفنادق أنفسهم في صراع مع الجهات الحكومية التي تراكم الضرائب عليهم بالتصاعد. ويفيد عدد من أصحاب الفنادق بأن قيمة الضرائب الثابتة تضاعفت مؤخراً وبصورة غير متناسبة مع مستوى الواردات. فقد رُفعت قيمة ضريبة رخصة السياحة إلى 1200 دولار سنوياً، في حين كانت تبلغ قيمتها 800 دولار خلال السنوات الماضية.
أمّا ضريبة النظافة السنوية، فبلغت ثلاثة آلاف دولار، واستجد عليها ضريبة التطوير التي طلبتها بلدية غزة من بعض الفنادق وتتجاوز 80 ألف دولار سنوياً، فضلاً عن ستة آلاف دولار طلبها الدفاع المدني أيضاً من أصحاب الفنادق.
بالإضافة إلى ما سبق، توجد حزمة ضرائب الأملاك والدخل والقيمة المضافة المرتبطة بمستوى الدخل. ويؤكد أصحاب الفنادق أن جزءاً كبيراً من هذه الضرائب تُدفع بلا مقابل يعود على فنادقهم.

  • وسط معطيات التراجع افتتحت 4 منشآت سياحية كبيرة بين 2007 ــ 2015!

    وسط معطيات التراجع افتتحت 4 منشآت سياحية كبيرة بين 2007 ــ 2015! (أي بي أيه )

0 تعليق

التعليقات