إسبانيا | «بوديموس» أمام تحدي الشارع والسلطة

  • 0
  • ض
  • ض

مثّل تاريخ 15 أيار 2011، لحظة تاريخية في إسبانيا، حين اشتعلت الاحتجاجات في الشارع، مناهضة الإجراءات الأوروبية أولاً إثر غرق البلاد في أزمة اقتصادية وأزمة بطالة. حراك «الغاضبون»، احتل ساحات مدريد، وامتد تأثيره أوروبيا حتى اليوم، إذ يُنظر إلى حراك «نوي دوبو» الفرنسي على أنه امتداد للحراك الإسباني، لجهة أنّ الدافع يكمن في اليأس من اليسار التقليدي أولا.

يوم الأحد الماضي، وفي الذكرى الخامسة للتظاهرات، تجمع الآلاف في مدريد، ناظرين بتفاؤل إلى «نوي دوبو» الذي أطلق يوما عالميا، «غلوبال دوبو». وتنقل صحيفة «ليبيراسيون» الفرنسية عن أحد المشاركين قوله «إنها لحظة يقظة لأوروبا». ومن بين المشاركين، قيادات وأعضاء من «بوديموس» الذي تمكن في نهاية العام الماضي من دخول البرلمان الإسباني بعد نحو عام واحد على تأسيسه، بقيادة بابلو إيغليسياس. وكان من نتائج تلك الانتخابات كَسر الثنائية الحزبية بين «الحزب الشعبي» و«الحزب الاشتراكي الإسباني»، بينما أخفق الاشتراكي، بيدرو سانشيز، الذي حل حزبه ثانيا في البرلمان، بتشكيل ائتلاف حكومي.
راهناً، يسعى «بوديموس»، الذي خرج من الحركة المناهضة للتقشف أوروبياً، إلى تركيز مكانة له كـ«قوة يسارية رائدة» محليا وأوروبيا. وخلال الانتخابات المرتقبة في شهر حزيران يحاول الحزب تكريس الأمر عبر تحالف «متحدون نستطيع» إلى جانب حزب «اليسار المتحد». لكن سعي «بوديموس» إلى تمتين وجوده في الحكم، يطرح من جهة تساؤلات حول واقعه كترجمة حقيقية للحركة شعبية، ومن جهة أخرى تساؤلات تهدف إلى معرفة إن كان الحزب قد بدأ الغرق في السياسة، وخاصة أنّ إيغليسياس يطمح إلى أخذ مكان «الحزب الاشتراكي»، وردع احتمال تشكيل أغلبية وسطية يمينية.
«بوديموس» نحو القيادة؟
تلفت استطلاعات للرأي إلى أن تحالف «بوديموس» مع «اليسار المتحد» تزيد من حظوظه الانتخابية. ووفق تحقيق نُشر في مجلة «بوبليكو» الإسبانية القريبة من التحالف اليساري الجديد، فإن الحزبين قد يضمنان بسهولة أصوات ستة ملايين ناخب، أي حوالى 92 نائبا. لكن تبقى نسبة أصوات تحالف «بوديموس ــ اليسار المتحد» في حدود الـ25 في المئة، أي أدنى من «الحزب الشعبي» اليميني الذي قد يحوز على نحو 28 في المئة.


لا يكفي أن ينزل إيغليسياس
إلى الشارع حتى يثبت أنه
لم ينقطع عنه

في المقلب الآخر، يبدي «الحزب الإشتراكي» عدم اهتمامه بتحالف «متحدون نستطيع» في العلن، بوصف المتحدث باسم الحزب في البرلمان، أنطونيو هيرناندو، التحالف بأنه «مناورة يائسة» لاستعادة الدعم، وذلك في وقت يقول فيه مصدر آخر من القيادة الاشتراكية، إن القلق قائم داخل الحزب من هذا التحالف الجديد، وفق «بوليتيكو».
وقد يرتفع منسوب القلق لدى الاشتراكيين وخصوصاً أنّ إيغليسياس (الذي وصف التحالف الجديد بأنه لحظة تاريخية) لا يبحث فقط عن السلطة، إنما أيضا «قيادة اليسار في البلاد» والتقدم على «الإشتراكي»، وهي نظرة يشاركه إياها زعيم «اليسار المتحد»، ألبيرتو غارزون.
لكن، برغم تمكن «بوديموس» من خلق دينامية جديدة في العمل السياسي عبر كسر الثنائية الحزبية في البلاد، فإنّ التحالف الجديد قد لا يمثل «روح حركة 15 أيار»، وفق ما يرى الباحث الاسباني، أنريك غيل كالفو، وخصوصا لجهة عدم وضوح توجه «بوديموس» أوروبيا. وهي فكرة يعززها عدم تضمن الاتفاق نقاطا تُعد أساسية بالنسبة لـ«اليسار المتحد»، من بينها الخروج من «حلف شمال الأطلسي»، ليبدو بذلك «بوديموس» وكأنه يعمل فقط على تركيز مكانته في الحكم.
لذا، لا يكفي أن ينزل إيغليسياس إلى جانب غارزون إلى ساحة «بويرتا ديل سول» ليثبت أنه لم ينقطع عن الشارع، لأن التحدي الحقيقي أمامه يتمثل بكيفية تعامله مع القضايا التي حركت الشارع من موقع السلطة (اذا فاز بمقاعد كافية)، وخصوصا إجراءات التقشف الأوروبية.
الحاجة لبرنامج «خلاق»
صحيح أن «بوديموس» تمكن من تحريك المياه الراكدة محليا وأوروبيا، إلا أن عليه أن يقدم على خطوات أكثر جذرية من مجرد مطالبة المفوضية الأوروبية بالتساهل مع البلاد حيال الدين والعجز، وخاصة أن رئيس الحكومة، ماريانو راخوي، سبق أن قام بذلك، وفق ما كتب وزير المالية اليوناني السابق، يانس فاروفكس، في مجلة «نيوزويك». وطالب فاروفاكس «بوديموس» بتشكيل «برنامج خلّاق يطرح حلولاً ويثير إعجاب الناخبين»، وبالتالي لكي تكون أوروبا أمام تغيير حقيقي، فإن هذا يتطلب جهدا أكبر من «بوديموس» في هذه الدولة الأساسية داخل الاتحاد. ومن هنا جاءت المتابعة الإسبانية الحثيثة للتطورات اليونانية، وفق تقرير في موقع «بوليتيكو»، فمن جهة شكل فوز «سيريزا» في الانتخابات اليونانية «دفعا لبوديموس في الانتخابات الإسبانية»، لكن الأشهر التي تلت وصول «سيريزا» إلى الحكم، والمفاوضات المضنية مع الأوروبيين، لم تكن لمصلحة «بوديموس» في رؤية الشارع الإسباني إليه. ويقول مسؤول العلاقات الخارجية في «بوديموس»، بابلو بوستيندي، لموقع «بوليتيكو» إن «سبب قسوة المؤسسات الأوروبية والدائنين على الحكومة اليونانية هو لأنهم يريدون أن يلقنوا درسا لهذه الشريحة، وخصوصا على المستوى الأوروبي، وبالتحديد أولئك الذين يرسمون طريقة جديدة في العمل السياسي». بالمحصلة، فإن تحالف «بوديموس» الجديد قد يزيد من حظوظه، إلا أن عليه أن يقدم «أجندة أوروبية واسعة» حتى تتمكن إسبانيا من تغيير ما وصل إليه الاتحاد الأوروبي على مستوى اتخاذ قرارات «سلطوية وسيئة»، وبالتالي خطة عمل يحتاج الشارع الإسباني لمعرفتها لتحديد خياراته.

  • مثّل تاريخ 15 أيار 2011 لحظة تاريخية في إسبانيا

    مثّل تاريخ 15 أيار 2011 لحظة تاريخية في إسبانيا (أ ف ب )

0 تعليق

التعليقات