تونس | رئيس «النهضة» يوصد الباب أمام مناوئيه

  • 0
  • ض
  • ض

تونس | خرج راشد الغنوشي من مؤتمر حركة النهضة العاشر منتصراً، ليس بظفره برئاسة الحركة عبر التصويت له من طرف 800 مؤتمر من إجمالي 1200، بل باعتماد الشروط التي أرادها والتي تسمح له بإدارة الحركة بالطريقة التي يريدها أو يراها ناجعة للقيام بالإصلاحات اللازمة، وذلك بعدما جرى تكريس صلاحيات واسعة لرئيس الحركة، كانت مرفوضة لدى بعض الأطراف الداخلية المؤثرة.

وتتمثل تلك الصلاحيات في الإبقاء على آليتي تعيين رئيس الحركة لأعضاء المكتب التنفيذي ومن ثم عرضهم على مجلس الشورى للتزكية. وجرى تدعيم الأمر عبر إقرار التخلي عن الزامية حصول قائمة أعضاء المكتب التنفيذي التي يطرحها رئيس الحركة على أصوات خمسين زائداً واحداً من أصوات مجلس الشورى، بل أصبحت تقتصر على أغلبية الحاضرين من الأعضاء فحسب. ولم يمر الحفاظ على تلك الآلية بسلاسة خلال المؤتمر، إذ أراد قياديون في الحركة إقرار تعديلات تتمثل في انتخاب أعضاء المكتب التنفيذي من طرف المؤتمرين الـ 1200 عوض اختيارهم من طرف الرئيس، الأمر الذي رفضه الغنوشي، ولولا تهديده المبطن عبر التلويح بعدم الترشح لرئاسة الحركة إثر التصويت الأولي على اللائحة الهيكلية، لكانت النتيجة النهائية مغايرة.
ولم تظهر الخلافات بشأن تلك الآلية خلال المؤتمر فقط ومن خلال تمريرها بنسبة تصويت متدنية، لكن هذه المرة تخلت الحركة الإسلامية عن واحدة من ميزات الحركات العقائدية (أي تجنب الإفصاح عن أي خلافات داخلية)، فجرى تداول الأمور علناً في الإعلام من قبل بعض القيادات. ويعدّ هذا الأمر سابقةً، إذ على سبيل المثال، في شهر كانون الثاني/جانفي 2015، استقال نائب رئيس الحركة، عبد الحميد الجلاصي، من منصبه، ولم يُعلن السبب آنذاك، فيما رجح المتابعون أن الخلاف يتمحور حول بعض التوجهات التي أقرها الغنوشي بخصوص الحكومة التي شاركت فيها النهضة بوزير واحد، رغم أنها كانت في حينه القوة الثانية انتخابياً. وبعد تلك الآونة بفترة، عاد الجلاصي إلى الحركة (في ظل شبه تكتم حول الأمر)، ليكون خلال المؤتمر الأخير أحد أبرز الوجوه التي أرادت تقليص صلاحيات رئيس الحركة.


عبد الحميد الجلاصي:
قد نشهد تشكّل تيارات وحساسيات داخل النهضة

الجلاصي نفسه، شرح في حديث إذاعي أمس، أنّ "صورة العناق التي جمعتني بالشيخ راشد الغنوشي في نهاية أعمال المؤتمر، تقول: نعم، إننا نختلف في وجهات النظر، لكننا في الأخير نحافظ على وحدتنا ونحافظ على عمق علاقتنا الإنسانية والمحبة بيننا". وأضاف: "داخل المؤتمر كانت هناك مراحل نقاش هادئة وأخرى متوترة ومنفعلة، لكن داخل الحركة تبرز قوتنا في أننا نعترف بالاختلاف وننضبط للخيارات التي تعبّر عنها الأغلبية، والاختلاف لا يمسّ العلاقات بيننا ولا يمسّ بأي حال من الأحوال بوحدتنا". وأوضح الجلاصي أنه "لم نصل بعد داخل حركة النهضة إلى وجود تيارات وحساسيات، فنحن في طور التشكل، لكن الأكيد أننا في مرحلة الانتقال من إدارة الخلافات بالتوافق إلى مرحلة قد تصل بنا إلى وجود مثل هذه التيارات والحساسيات، وبالطبع مع الحفاظ على وحدة الحركة، بل قد يزيد ذلك من تعزيزها".
من جهة أخرى، وفي حديث إلى "الأخبار"، رأى عبد اللطيف المكي، وهو قيادي في الحركة وأحد الرموز الداعية إلى تقليص صلاحيات رئيس الحركة، أن الهدف من خلال "ما سُمي في الإعلام، تقليص صلاحيات الرئيس" هو دفع النهضة نحو تشاركية أكبر على مستوى الإدارة، ونحو اتخاذ القرارات عبر اعتماد صيغة انتخاب المكتب التنفيذي أساساً من طرف المؤتمرين، "وهو تطور عادي في حياة كل الأحزاب التي تريد انتهاج نهج ديموقراطي". وأشار المكي إلى أنه سيجري تكريس الآلية الجديدة خلال المؤتمر المقبل.
الخبير في الحركات الإسلامية، محمد القوماني، رأى في تصريح لـ"الأخبار"، أنّ "الخلاف بخصوص طريقة انتخاب المكتب التنفيذي والكشف عن هذا الخلاف من طرف قيادات النهضة نفسها، قطع مع حالة الانغلاق التي تتميز بها الحركات الإسلامية، ووضع النهضة في خانة الأحزاب التي لا ترى ضيراً في الكشف عن خلافاتها". وأما عن التصويت لمصلحة الغنوشي للاحتفاظ بصلاحياته، فاعتبرها القوماني "إلزامية في هذا الظرف باعتبار أن الداخل والخارج يتعامل مع النهضة من خلال الثقة في خيارات الغنوشي التي لا يمكن أن يبلورها على أرض الواقع إلا من طريق صلاحيات واسعة".
المكسب الثاني للغنوشي في مؤتمر الحركة الأخير، تمثل في اعتماد النظام الداخلي الجديد للنهضة، الذي ينص في أحد فصوله على الأولوية التي يتمتّع بها رئيس الحركة في الترشح للمناصب العليا في الدولة، أي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان، وأنه في حال اعتذاره عن الترشح، فإنه يتولّى ترشيح شخص آخر (لا يُشترط أن يكون من الحركة)، ويعرضه تالياً على مجلس الشورى لتزكيته.
بهذين المكسبين، يخرج راشد الغنوشي من المؤتمر العاشر رابحاً أكبر. فمن جهة لديه صلاحية تعيين الفريق الذي يريده لإدارة الشؤون اليومية للحركة، ومن جهة أخرى ضمن الأولوية في ترشيحه من طرف حزبه إلى المناصب العليا في حال مشاركة النهضة في الحكم، وهي فرضية قد تكون ممكنة باعتبار أن رئاسة الغنوشي للحركة هذه المرة ستكون الأخيرة.

  • يخرج راشد الغنوشي من المؤتمر العاشر رابحا أكبر (موقع النهضة)

    يخرج راشد الغنوشي من المؤتمر العاشر رابحا أكبر (موقع النهضة)

0 تعليق

التعليقات