كشف تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف»، أمس، أن الأطفال اللاجئين في شمال فرنسا يتعرضون للاستغلال الجنسي، ويُجبرهم المهربون على العمل القسري لساعات طويلة وعلى ارتكاب الجرائم، في مقابل بقائهم في مخيمات اللجوء، أو عبورهم إلى المملكة المتحدة.واستناداً إلى شهادات 61 طفلاً، تراوح أعمارهم بين 11 و17 عاماً، يعيشون في سبعة مخيمات شمال فرنسا، فضلاً عن ملاحظات بعض العاملين والمتطوعين في المخيمات، وجدت المنظمة إثباتات على انتهاكات تطاول الأطفال في رحلتهم من بلادهم حتى وصولهم إلى المملكة المتحدة.

جحيم المهرّبين

عادةً ما يكون هؤلاء الأطفال غير مصحوبين بذويهم، فيستغلّهم المهربون، الذين يطلبون بين مئة يورو وخمسمئة يورو كـ«رسم دخول» للمخيمات، في ظل غياب كامل للحكومة الفرنسية. وفي حالات أخرى، يطلب المهربون من الأطفال دفع ما بين أربعة آلاف جنيه استرليني (5660 $) و5,500 جنيه استرليني (7790 $) للعبور إلى بريطانيا. ونظراً لأن الأطفال لا يمكنهم تحصيل مبالغ مماثلة، يلجأون إلى طرق بديلة للقيام بالرحلة.
في هذا السياق، يقول التقرير: «في المقابلات التي أجريناها مع الأطفال، وجدنا أن العديد من الفتيات اللواتي وصلن وحدهن إلى المخيمات قدّمن «خدمات جنسية» وانخرطن في الدعارة في مقابل حوالي 5 € وذلك لجمع المال للعبور إلى المملكة المتحدة». كما أن الفتيات «كن يتعرضن للاستغلال الجنسي وخاصةً عندما كان المهربون يشربون الكحول». وأكد التقرير أن مثل هذه الحالات شائعة.
إحدى تلك الانتهاكات وثقتها مارثا، الشابة ذات الأعوام الـ 16، التي وصلت الى كاليه (شمال فرنسا) قبل تسعة أشهر. تقول مارثا إن «تقديم الخدمات الجنسية يسرّع في عبوري إلى المملكة المتحدة. من الصعب أن نقول لا عندما يطلبون منا ذلك. لم يجبروني بعد، لكنهم أجبروا فتيات أخريات».
وفي حالة أخرى، قالت فتاة من إريتريا، إنها تعرضت للاغتصاب وأجبرت على ممارسة الدعارة أكثر من مرة من أجل كسب المزيد من المال بسرعة، والعبور إلى الجهة الأخرى. وأضافت أن «ما تعرضت له في غاية الصعوبة. لم يكن لدي سيطرة على أي شيء، إذ كنت أعتمد على المهربين لكي أعيش. كنت أريد أن ينتهي كل شيء في ليبيا، ولكن بقيت الأمور على حالها بعد وصولي إلى فرنسا».
تشرح المستشارة البارزة في «يونيسيف»، ميلاني تيف، أن «هذه المشكلة قائمة منذ أكثر من عقد من الزمن، لكنها ازدادت على نحو كبير العام الماضي مع تزايد عدد اللاجئين». تضيف تيف: «سمعنا قصصاً حزينة من فتيات يُدفع لهن 5 يوروان (5،60 $) في مقابل تقديم خدمات جنسية من أجل الوصول والبقاء في المخيم، أو كدفعة أولى لمساعدتهن على الوصول إلى المملكة المتحدة».
يضيف تقرير المنظمة أن أكثر من 20 فتاة يعملن في الدعارة في مخيم كاليه، موضحاً أن الدعارة الموجودة في المخيمات نوعان: الأولى دعارة غير منظمة، فيما الثانية منظمة إذ تقوم على استغلال القوادين للّاجئات في أماكن خارج المناطق الساحلية كباريس، ليل، وربما مدريد.
ويأتي هذا التقرير بعد يومين من تقرير آخر نشرته «يونيسيف»، كشفت فيه عن بروز «دليل قوي على أن شبكات تهريب البشر الإجرامية تستهدف الأضعف، وخصوصاً النساء والأطفال». وأضاف التقرير أن «عمّال الخدمات الاجتماعية في إيطاليا أكّدوا أن أطفالاً تعرضوا لاعتداءات جنسية، وأجبروا على ممارسة الدعارة أثناء وجودهم في ليبيا. وأن بعض الفتيات كن حوامل لدى وصولهن إلى إيطاليا نتيجة تعرضهن للاغتصاب».

زمن استعباد؟

إلى جانب «الخدمات الجنسية»، يجبر المهربون الأطفال على ارتكاب جرائم مثل بيع المخدرات والطعام المجاني الذي يتبرع فيه المحليون. في إحدى الحالات، اضطرت الشرطة في مخيم في كاليه إلى اتخاذ إجراءات عندما أُبلغ عن أطفال مصريين يبيعون الهيرويين.
ونقلت المنظمة عن مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين، أنه حتى الرابع من حزيران الجاري كان هناك طفل واحد من بين كل ثلاثة من المهاجرين الذين وصلوا إلى أوروبا عبر البحر. وأوضحت أن أكثر من 7 آلاف طفل عبروا هذا العام، من شمال أفريقيا إلى إيطاليا، أي ضعف عدد المهاجرين العام الماضي، و9 من 10 منهم ليس معهم أولياء أو أقارب بالغون. ومن بين هؤلاء الأطفال، ألفا طفل مروا عبر سبعة مخيمات منتشرة على  الساحل الشمالي لفرنسا. وغالباً ما يبقى الأطفال لخمسة أشهر في المخيمات قبل انتقالهم، إلا أنه في بعض الحالات يظل الأطفال لتسعة أشهر أو حتى سنة كاملة.
كما يجبر المهربون الأطفال على العمل في ظروف قاسية «شبيهة بالعبودية» لدفع ثمن الرحلة. يقول آيمامو (16 سنة) عن المزرعة التي عمل فيها مع أخيه التوأم في ليبيا لمدّة شهرين ليدفعا للمهربين: «إذا حاولت الهروب يطلقون النار عليك، وإن توقفت عن العمل يضربونك. كان الأمر كتجارة العبيد تماما». ويضيف «مرة استرحت لخمس دقائق فانهال علي رجل ضرباً بالعصا. وبعد انتهاء العمل يحبسونك في الداخل».
وفي حالات أخرى، أُجبر الأطفال على فتح أبواب الشاحنات ليتمكن المهربون من تهريب البالغين عبر القناة، ومنهم من اختبأ في الشاحنات المبردة للوصول إلى المملكة المتحدة. وتقول ميلاني تيف: «يسير الأطفال لساعات طويلة في الليل للبحث عن شاحنات يمكنهم الاختباء فيها».
ونشرت صحيفة «الغارديان» البريطانية أنه استناداً إلى منظمة «مواطنون»، فإن 150 طفلاً في مخيم كاليه لهم عائلات في بريطانيا، وهم من دون أولياء ومنقطعون عن الدراسة لمدة ثلاثة أعوام. لذلك تدعو «يونيسيف» حكومة المملكة المتحدة إلى بذل المزيد من الجهد لجمع شمل الأطفال مع أسرهم. وبحسب الأمم المتحدة، هناك أكثر من 235,000 مهاجر في ليبيا حالياً، 10 آلاف منهم هم أطفال من دون ذويهم.
من هذا المنطلق، وصفت منسقة اليونيسف الخاصة المعنية بأزمة اللاجئين والمهاجرين في أوروبا، ماري بيير بوارير، الوضع بـ«اليائس ويلفه الصمت». كما قالت إن «هؤلاء الأطفال بعيدون عن العين وبعيدون عن العقل، ولكن الآلاف منهم يواجهون الخطر كل يوم، ومئات الآلاف منهم مستعدون للمخاطرة بكل شيء». وأكّدت على وجوب التزام «جميع الدول ــ الدول التي يغادرها الأطفال، والدول التي يعبرون منها، والدول التي يلتمسون اللجوء إليها ــ بإنشاء أنظمة حماية تركز على المخاطر التي يواجهها الأطفال غير المصحوبين بذويهم».