حتى وقت متأخر من مساء أمس، كانت الاستطلاعات في بريطانيا تشير إلى تقارب بين معسكري "البقاء" و"الخروج" من الاتحاد الأوروبي، وكان الحديث يجري عن فارق لا يتعدى الواحد بالمئة لمصلحة معسكر "الخروج". ولعلّ عدم الوضوح، أنتج نوعاً من الارتباك لدى فريق رئيس الوزراء، ديفيد كاميرون، (المؤيد للبقاء والذي كسب دعم 1300 مسؤول في شركات كبرى أمس)، بينما كان خصمه بوريس جونسون، عمدة لندن السابق، يشير إلى أنّ المملكة المتحدة تقترب من "يوم الاستقلال" عن أوروبا.
في خضم ذلك، برز الحديث الذي خصّ به الأمين العام لـ"حلف شمال الأطلسي"، ينس ستولتنبرغ، صحيفة "ذي غارديان" صباح أمس، قائلاً إنّ دور بريطانيا في قلب أوروبا حاسم لمواجهة تحديات الإرهاب و"الهجرة الجماعية غير الشرعية"، محذراً في الوقت نفسه من أن "أوروبا مقسمة" من شأنها "مفاقمة عدم الاستقرار وعدم القدرة على التنبؤ في المنطقة".
كان ديغول يصف البريطانيين بحصان طروادة الأميركي في أوروبا

لكن حديث ستولتنبرغ (المحمّل بالدلالات)، قابلته تصريحات أوروبية قاسية حيال البريطانيين، كان أبرزها تحذيري رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، والرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، ومفادها أنه إذا جرى اختيار "الخروج"، فإنه "لا عودة عن القرار"، ليضعا بذلك حداً لفرضية إطلاق مفاوضات جديدة، في ظروف سياسية مناسبة، بهدف الاستدراك. وأجمع عدد من المعلقين في الصحف الأوروبية على أنّ سبب تلك تصريحات ليس إلا الخشية الأوروبية من أن يشكّل "الخروج" (إذا حصل) سقوط حجر أول في لعبة دومينو من شأنها زعزعة ركائز الاستقرار الحالية لمؤسسات الاتحاد الأوروبي.

"التأريخ": مفتاح النقاش

منذ عام 2013، تاريخ إطلاق كاميرون وعده بإجراء "الاستفتاء على أوروبا"، بدأت في بريطانيا نقاشات تاريخية حول طبيعة العلاقة بين المملكة المتحدة وأوروبا. وتعيد بعض التقارير الحالية التذكير بتلك النقاشات التي بدأها "مؤرخون لبريطانيا" هم فعلياً على مسافة من مجمل المشروع الأوروبي. وكان هؤلاء يشيرون (وفق ما تلخص دراسة حديثة) أولاً إلى أن بريطانيا عرفت "استمرارية لا مثيل لها في أوروبا"، متأتية من "مبادئ سلوك سياسي له جذور تعود إلى القرن الثالث عشر أو أبعد وإلى مؤسسات قديمة" على غرار البرلمان والجامعات البريطانية. ثانياً، يرى هؤلاء المؤرخون أن بريطانيا لم تعانِ من "القومية المتشددة" وأن "المزاج السياسي للبريطانيين كان أكثر اعتدالاً من غيره في دول أوروبية كبيرة أخرى"، وأنّ بلادهم "لم تتأثر بالأيديولوجيات المهيمنة في القرن العشرين". وهم يشددون كذلك على حججهم عبر إضافة معطى آخر: كون بريطانيا قد سيطرت على مساحات شاسعة من أراضي بعيدة جداً عن أوروبا، فهذا يعني أنّ مصيرها لا يمكن أن يكون في نهاية المطاف أوروبياً فقط.
قد تُفهم أبعاد ذلك الجدال أكثر في كلام المؤرخ فارنون بوغدانور (المقابلة)، الذي يعتبر راهناً أنّ "الاستفتاء يطرح مسألة إذا ما كان يجب أن نستمر (كبريطانيين) في ركوب حصانين في نفس الوقت، أو أن نكون مع أوروبا دون أن نكون داخلها... لن يحل الاستفتاء كل المشاكل، لكن إذا ما ربح (معسكر البقاء)، فإنّ ذلك سيشرع انتماء بريطانيا إلى أوروبا وسيخلص السياسة البريطانية من شيطانها"، في إشارة إلى "التشكيك البريطاني في أوروبا".
طبعاً، وجد أولئك المؤرخون نظراء حاججوهم في ما يطرحون، لكن من باب الإضاءة أكثر على مدى أهمية النقاش، قد يكون من المفيد هنا التذكير بكتاب مرجعي صدر قبل أعوام قليلة للمؤرخ البريطاني، توني يودت، (تاريخ أوروبي منذ عام 1945)، يفند فيه تلك الوجهة، بصورة غير مباشرة، وذلك عبر إعادة تأكيد الدور البريطاني الفعال أوروبياً في النصف الثاني من القرن العشرين.
مؤرخون بريطانيون: المزاج السياسي لمواطنينا كان أكثر اعتدالاً


استحقاق "الأوروبية"

كملخص لطرح توني يودت، يبدو واضحاً لديه أنّ أوروبا "ما بعد الدول القومية"، المسالمة والمتعاونة، ليست وليدة مشروع تفاؤلي طموح، كما يحلو تخيّله اليوم لبعض الأوروبيين المثاليين، بل هي ليست إلا "وليد الخوف، الضعيف". لكن من جهة أخرى، فإنّ مجمل تلك النقاشات التاريخية توضح بصورة أفضل طبيعة الدور البريطاني ضمن الاتحاد الأوروبي منذ عام 1973، وقبل ذلك التاريخ، في مرحلة كان فيها الجنرال، شارل ديغول، يصف البريطانيين بـ"حصان طروادة الأميركي" في قلب أوروبا، وهو سياق تاريخي يعيد التذكير بالحساسية البريطانية إزاء احتضان وتبني "فرنسا ــ ديغول" فكرة قيام الكيان الأوروبي في مواجهة طروحات "أطلسية" وأميركية. وفي بداية الستينيات، سيعتبر رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، هارولد ماكميلان، (كما يشير المؤرخ الفرنسي المتخصص بتاريخ العلاقات الدولية، موريس فاييس)، أنّ "كل سياستنا الخارجية والداخلية دمّرت. إنّ الهيمنة الفرنسية في أوروبا هي الآن واقع جديد ومثير للقلق".
لم تكن المنافسة مع فرنسا سبباً وحيداً حدّ من حجم الانخراط البريطاني في المنظومة الأوروبية المتشكلة بصورة متدرجة، لأنّ البريطانيين دائماً ما كان لديهم حدود لأي تعاون يلامس السيادة ومنطقها، ولعلّ أكثر الشخصيات البريطانية وضوحاً في ذلك، كانت مارغريت تاتشر، حين قالت في الثمانينيات: "نحن لم نرسم حدوداً للدولة في بريطانيا لنجدها مفروضة علينا على المستوى الأوروبي في ظل دولة أوروبية (ذات صلاحيات استثنائية)، تمارس هيمنة جديدة من بروكسل". لا شك أنّ الظروف التي كانت تاتشر تتحدث خلالها تبدلت (ولو جزئياً من المنظور التاريخي)، لكن يبقى أنّ مشاركة البريطانيين في استحقاق اليوم، ستقدّم جواباً جديداً عن سؤال "الأوروبية".




أنقرة: نرفض استخدامنا كحجّة

قال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، إنّ من الخطأ استخدام وضع تركيا كدولة مرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي كحجة في حملة انسحاب بريطانيا من الاتحاد.
وأضاف جاويش أوغلو، في مؤتمر صحافي في أنقرة أمس، أنّ «من الخطأ استخدام قضية توقيت انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي في حملة انسحاب بريطانيا من الاتحاد. تركيا لم تشكل عبئاً قط على الاتحاد الأوروبي». وبيّن الوزير أن بلاده تود أن تبقى بريطانيا في عضوية الاتحاد الأوروبي «حتى يكون التكتل أقوى».
(رويترز)