لم يكد يمضي وقت قصير على إعلان نتائج الاستفتاء الذي تقرر فيه مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي، حتى سارعت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إلى إطلاق «بانيل» رئيسي على موقعها عنونت فيه: «هزة أرضية»، وفي الصورة علما الاتحاد وبريطانيا. وقالت الصحيفة في الموضوع الرئيسي، إن ما جرى هو «دومينو أوروبي: اليمين الفرنسي وهولندا يرغبان في المغادرة»، فيما رأت أنه بعد 43 سنة من عمر بريطانيا في الاتحاد قرارها بالخروج يبدو «دراماتيكياً»، لأنه يمكن أن يؤدي إلى سلسلة من موجات الصدمة (في إشارة إلى إمكانية خروج دول أخرى من خارج المملكة أو داخلها).وأضافت «يديعوت» أن هذه «المملكة هي في الحقيقة غير موحدة، فقد أظهرت الدوائر الانتخابية المختلفة الفجوة الكبيرة بين لندن الغنية، وغيرها من المناطق، في القضية المتعلقة بالبقاء في الاتحاد الأوروبي. ففي الوقت الذي صوّت فيه 60% من ناخبي لندن لمصلحة المغادرة، كان الناخبون في الأرياف والمحافظات الأخرى البعيدة يصوتون للبقاء. ففي شرق البلاد وشمال شرقها، اختار 58% من الناخبين المغادرة، وفي شمال غرب وجنوب غرب إنكلترا أيّد 53% المغادرة.
عموماً، في إنكلترا نفسها، 53 ٪ من الناخبين أيدوا عدم البقاء في المملكة المتحدة (بريطانيا). كما اختارت ويلز مغادرة الكتلة الأوروبية، بعدما اختار 57% من سكانها ذلك. ونقلت الصحيفة الإسرائيلية تصريحات زعيم حزب «الاستقلال»، نايجل فاراج، التي أدلى بها مباشرة بعد ظهور النتائج، وقال فيها إن «هذا هو نصر الناس الحقيقيين، الناس العاديين»، مضيفاً: «حاربنا ضد القومية، وضد البنوك الكبرى، وضد الأكاذيب والفساد».
«يديعوت» ركزت على أنه خلافاً لقرار بريطانيا، أعربت اسكتلندا عن رغبتها في الاستمرار في الاتحاد، وأيد 62٪ فيها هذا الخيار، فيما رأت النسبة الأعلى بين المحافظات المختلفة في المملكة المتحدة، لكن هذه النتائج قد تؤدي إلى إجراء استفتاء جديد في المملكة بأكملها، وهذه المرة في اسكتلندا، حول إذا ما كان يؤيد مواطنو الأخيرة البقاء في المملكة أو مغادرتها.
وبرغم أن الاسكتلنديين قرروا في الاستفتاء الشعبي السابق البقاء في المملكة المتحدة، فإن المشهد «الدراماتيكي» الحالي، كما ترى الصحيفة، قد يؤدي إلى تغيير في قرارهم مستقبلاً.
تعليقاً على نتائج الاستفتاء، نقلت «يديعوت» عن رئيسة حكومة اسكتلندا، نيكولا سترغون، قولها إن «أصوات الاسكتلنديين دلت بوضوح على أنهم يرون مستقبلهم في الاتحاد الأوروبي». أمّا عن المحافظات الأخرى التي أيدت البقاء، فقالت إن حال إيرلندا الشمالية مماثل لحال كل من اسكتلندا، وويلز، وإنكلترا، التي تتنافس كل منها منفردة في مباريات كرة القدم في يورو 2016، علماً أنها ضمن بريطانيا العظمى، أيضاً أيدت البقاء. فقد صوت 52% في شمال إيرلندا للبقاء، فيما صوّت 48% للمغادرة، على غرار بريطانيا.
في هذا الإطار، اقتبست الصحيفة تصريحات زعيم حزب «الشين فين» في شمال إيرلندا، ديكلان كيرني، الداعية إلى إجراء استفتاء جديد والتصويت لمصلحة الانفصال عن بريطانيا. وأضاف كيرني أن «نتائج الاستفتاء تغير بطريقة مدهشة المشهد السياسي في ايرلندا الشمالية؛ لقد فقدت الحكومة البريطانية ولايتها لتمثيل مصالح سكان ايرلندا الشمالية».
أيضا، نقلت الصحيفة تصريحات زعماء اليمين في مختلف دول أوروبا، التي دعوا فيها للانفصال عن الاتحاد، قائلة إن هذه الدعوات لم تأتِ على لسان زعماء اليمين الأوروبي فحسب، بل على لسان وزير الخارجية البولندي، فيتولد فاتشيكوبسكي، الذي قال إن خيار بريطانيا هو «دلالة على الحاجة إلى إعادة النظر في مفهوم الاتحاد الأوروبي».
رأت «هآرتس» أن التصويت كان احتجاجياً لا لخدمة اليمينيّين المتطرفين

صحيفة «هآرتس»، أرسلت من جهتها موفداً خاصاً إلى لندن، ليزودها بالتقارير الصحافية والبث المباشر من هناك. وعنونت في الرئيسية أن قرار بريطانيا مغادرة الاتحاد «تصويت احتجاجي ضد دولة لندن والعالم». وقالت: «كان الجو متفائلاً في لندن أثناء التصويت على الاستفتاء. في الشوارع، وخارج محطات السكك الحديدية، وفي نوافذ المنازل وشرفاتها... نشط الجميع من كلتا الحملتين الداعيتين للخروج من الاتحاد أو البقاء فيه، حيث علقت كل حملة لافتاتها. كذلك نشط أعضاء من مختلف الأحزاب السياسية... حزب المحافظين، حزب العمال، الأحزاب الليبرالية، في دعوة ناخبيهم إلى التوجه لصناديق الاقتراع، فيما أخّرت الأمطار الغزيرة حركة القطارات وأثرت قليلاً في نسبة التصويت».
لكن «هآرتس» رأت أن انتصار معسكر المغادرة في الاستفتاء الشعبي الذي قررت فيه بريطانيا الخروج من الاتحاد قابلته لندن بحالة من الصدمة صباحاً. فبعد ساعات قليلة على إغلاق صناديق الاقتراع في جميع أنحاء المملكة، كانت كل المراجع السياسية والصحافيين المؤيدين لكلا المعسكرين، يؤكدون أن النتائج ستشير إلى فوز معسكر البقاء في الاتحاد، وخصوصاً أن استطلاعين للرأي أشارا إلى وجود فجوة بنسبة 4 ــ 7% في مصلحة هذا المعسكر.
ومن استطلاعات الرأي، كان واضحاً في وقت مبكر أن لندن واسكتلندا ستقرران البقاء، فيما بقية المحافظات، وخاصة إنكلترا وويلز، كانت ستقرر الخروج. ونقل موفد الصحيفة الإسرائيلية أنه «كان معروفاً أن الكبار في السن الذين تجاوزوا الأربعين وبدأوا يشعرون بتواصل أقل مع العالم في ظل عصر العولمة والاتصالات، سيقررون الخروج من الاتحاد، أمّا ما لم يكن في الحسبان، فهو انتصار معسكر الخروج!».
«قبل كل شيء، خرج قرار الاستفتاء من أولئك الذين لم يروا كيف تستفيد بريطانيا من كونها جزءاً من المجتمع العالمي»، يقول موفد «هآرتس»، «هؤلاء الذين رأوا أنفسهم معزولين عن عالمية لندن ولم يندمجوا في بريطانيا الجديدة ذات الثقافات المتعددة. معظم هؤلاء كان من البالغين البيض، ولكن أيضاً من الناس ومن الأطفال ومن المهاجرين من الشباب الذين شعروا بالغربة عن دولة لندن».
وكان موفد الصحيفة يقدم بذلك «توطئة ليشرح للعالم بأن أي إسرائيلي رأى تشابهاً في العزلة المشار إليها مع تلك التي يشعر بها كثير من الإسرائيليين تجاه فقاعة التلأبيبيين (فقاعة إسرائيليي تل أبيب)»، فإنه «لم يكن على خطأ»، بل أضاف أن «ما دفع الملايين من المواطنين البريطانيين إلى صناديق الاقتراع، بمن فيهم أولئك الذين لم يصوتوا للانتخابات البرلمانية في العادة، كان مزيجاً من الاستياء والعزلة والغيرة والغضب على النظام القائم الذي همشهم لوقت طويل، من دون أن يقدم خدمات لأجلهم»، في إشارة إلى ما يشعر به الإسرائيليون تجاه تل أبيب الغنية والمتعجرفة.
في النهاية، رأت «هآرتس» أن التصويت كان احتجاجياً، لكن لم يكن واضحاً، هل قصد المصوتون تسجيل هذه النهاية؟ لقد صوّتت الأكثرية البريطانية من أجل الخروج، لذلك هم ببساطة أرادوا «صفع» البيروقراطيين في بروكسل، والسياسيين في وستمنستير، والرؤساء الذين يربحون بإدارة المجتمعات الكبيرة. تضيف الصحيفة: «بالطبع لم يكن هؤلاء يقصدون التسبب في ابتهاج دونالد ترامب، ولا مارين لوبان وبقية السياسيين اليمينيين المتطرفين في أوروبا والعالم. كما لم يقصدوا في تصويتهم إعطاء القوميين في اسكتلندا وإيرلندا الشمالية الذريعة للانفصال عن المملكة المتحدة. ولم يقصدوا بالطبع التسبب بانهيار الجنيه الإسترليني والبورصة في ستي لندن، وربما حذف مدخراتهم. هم أرادوا أن يشعروا للحظة بأنهم بشر من حقهم الحصول على يوم استقلال، وأن فوزهم قادر أن يؤثر في النظام العالمي المهدد أساساً».