بعد ستة أشهر من الأزمة السياسية، يتوجه الناخبون الإسبان غداً، في يوم تاريخي، إلى صناديق الاقتراع لاختيار ممثليهم في البرلمان، وذلك للمرة الثانية في أقل من عام، ما سيحدد مصير البلاد في السنوات المقبلة، بل ربما امتدت تأثيراته في أوروبا، خصوصاً بعد نتائج الاستفتاء البريطاني. أما التحدي الأكبر، فهو بانتظار التحالف اليساري الجديد («معاً، نستطيع»)، القائم بين «بوديموس» و«اليسار المتحد»، ومن المنتظر أن يقلب النتائج لمصلحته ويشكل حكومة يسارية تتألف من مكونات سياسية تحكم إسبانيا للمرة الأولى منذ تحولها الديموقراطي.
لكن، لا شيء ثابت في ظل اختلاف استطلاعات الرأي حول إمكانية أن يحصد التحالف اليساري 176 مقعداً مطلوباً ليتمكن من تشكيل حكومة.
وفي هذا الوقت، تشير استطلاعات أخرى إلى أن النتائج قد لا تختلف عن نتائج الاستحقاق السابق في كانون الأول 2015، التي لم تعط الأغلبية الساحقة لأي من الأحزاب، وكان من نتيجتها إخفاق «الحزب الاشتراكي الإسباني» بقيادة بيدرو سانشيز، في تشكيل ائتلاف حكومي، كذلك لم ينجح بإقناع رئيس «بوديموس»، بابلو إيغليسياس ــ المناهض بشدة للطبقة السياسية التقليدية في البلاد ــ في أن يكون جزءاً من الائتلاف.
بعد المحاولة الأولى، تركزت الحملات الانتخابية للأحزاب الكبرى على تبادل اللوم وتحميل المسؤوليات، ما أثر سلباً في شعبية «بوديموس» بعد رفضه التحالف مع الاشتراكيين. لكن في الواقع، لا يتحمل الحزب الناشئ عام 2014 عن حركة «الغاضبون»، المناهضة للتقشف، بمفرده مسؤولية التعطيل، لكونها تدخل في طبيعة النتائج المتقاربة التي ولدتها الانتخابات، ولا تسمح لأي طرف بأن يحكم وحيداً، وكون توجه الناخبين إليه ينبع أساساً من اليأس من الطبقة الحاكمة الممثلة بماريانو راخوي، الذي تحيط بحكومته فضائح فساد عدة.
من هذا المنطلق، المشهد السياسي نفسه، الذي لم تعهده إسبانيا من قبل، أسهم في مزيد من تعقيدٍ يقع على عاتق الأحزاب المتنافسة جميعاً، من «الحزب الشعبي» الحاكم و«الحزب الاشتراكي الإسباني» و«بوديموس»، وبدرجة أدنى «المواطنون»، وهو الحزب الكتالوني الجديد والمناهض للانفصال.
أما غداً، فالمنتظر هو ما سيحصده تحالف «معاً، نستطيع»، الذي أبصر النور في بداية أيار الماضي، ليكون الصراع الانتخابي الإسباني صراعاً بين قوى اليسار وعلى قيادة اليسار في البلاد، وذلك في مواجهة «الحزب الاشتراكي الإسباني»، الذي قد يجبر في ظل نتائج لا تحسم الأغلبية على التحالف مع «الحزب الشعبي» أو دعم حكومة أقلية يشكلها المحافظون.
ونقلت وكالة «رويترز» عن مسؤول كبير في تحالف «معاً، نستطيع»، أن «الاشتراكيين أمام خيار واضح، فإما أن يدعمونا، أو يقرروا الانتحار سياسياً والتوجه إلى ائتلاف مع الشعبي».
أمام هذه الخيارات الصعبة، يأمل سانشيز أن تخطئ استطلاعات الرأي، كما أكد في مقابلة مع صحيفة «إل بايس» الإسبانية، أن البلاد متجهة نحو «برلمان مقسم». وأضاف سانشيز أن «لا أحد يستطيع أن يحكم وحيداً»، معتبراً أن التصويت لكل من ماريانو راخوي (رئيس الوزراء الحالي) وبابلو إيغليسياس «الذي تبين أنه لا يجيد التفاوض»، لا ينفع.

بوديموس: «يجب تغيير أوروبا»

قد يتفق المرشحون لرئاسة حكومة إسبانيا على ضرورة بقاء الاتحاد الأوروبي، لكن الاختلاف يظهر في كيفية استغلال الأمر انتخابياً، خاصة النقطة المتعلقة بأثر الاستفتاءات في الاستقرار السياسي، خصوصاً أمام تجربة إسبانيا في الاستفتاء على استقلال إقليم كاتالونيا واختلاف مواقف الأحزاب بشأنه، إضافة إلى رؤية كل منهم إلى المشروع الأوروبي.
رئيس الوزراء الحالي، ماريانو راخوي، الذي يعيش شبه عزلة سياسية، سارع بعد إعلان نتائج الاستفتاء البريطاني إلى طمأنة المستثمرين في مؤتمر صحافي صباحي، مستغلاً الظرف لتأكيد أن الإسبان يؤيدون كلهم استمرارية الاتحاد الأوروبي. وقال: «أعتقد أنني بكلامي هذا أمثل أغلبية الشعب الإسباني، فنحن ندافع عن التزام إسبانيا عملية التكامل الأوروبية، وعن أهمية استقرار منطقة اليورو وضرورة الاستمرار بإصلاح اقتصاداتنا واتحادنا المالي». ثم قال راخوي في وقت لاحق، إن «الاستفتاءات أداة يجب استخدامها بحذر كبير»، في إشارة إلى المطالبات باستفتاء في كاتالونيا للانفصال عن إسبانيا.
أما المرشح الاشتراكي، بيدرو سانشيز، فاستغل نتائج الاستفتاء البريطاني لينتقد بطريقة غير مباشرة منافسيه في «معاً، نستطيع»، خصوصاً أن «بوديموس» من الداعمين لانفصال كاتالونيا وغاليسيا وبلاد الباسك، فقال إن نتيجة الاستفتاء دليل على أن «أوروبا وإسبانيا تختبران صراعاً بين أولئك الذين يدافعون عن القيام بأي شيء، ومن يدافعون عن الكسر عبر الدعوة لاستفتاءات». وتابع سانشيز في مقابلة إذاعية: «بدأنا نشهد ما تولده الاستفتاءات: تثقل المواطنين بالبحث عن حلول من واجب الأحزاب إيجادها».
لكن رئيس «بوديموس»، بابلو إيغليسياس، الذي رأى أن ما حدث هو «يوم حزين لأوروبا»، رأى أن الوقت قد حان لتغيير أوروبا، «فلا أحد يريد مغادرة أوروبا يسود فيها العدالة والتضامن، علينا أن نغير أوروبا». وأشار إيغليسياس إلى أن زميله في «اليسار المتحد» ألبيرتو غارزون، يتفق معه في هذه الرؤية، رغم أن «اليسار المتحد» دعا سابقاً إلى مغادرة منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي.
أما غارزون، فرأى أن «المشكلة اليوم ليست في الاستفتاء البريطاني، بل في الاتحاد الأوروبي الذي بُني للمصالح وضد الشعب».
إلى ذلك، تبقى نتائج انتخابات يوم غد حاسمة لمشروع «معاً، نستطيع» الداعي إلى «تغيير أوروبا»، الذي بفوزه قد يطلق بداية هذا التغيير.
(الأخبار)