عندما زار الرئيس الأميركي باراك أوباما بريطانيا، قبل أسابيع، انشغل الإعلام بحدثين تخللا الزيارة: لقاؤه مع الأمير جورج (ابن الأمير وليام) «بالبيجاما»، ودعوته البريطانيين للتصويت من أجل بقاء بلادهم في الاتحاد الأوروبي. مناسبتان متباعدتان من حيث الأهمية، إلا أنهما تقابلتا عند نقطة واحدة، وهي أن محاولة أوباما التقرّب من الشارع البريطاني ــ بنشر صور «عفوية» له أثناء لقائه الأمير الصغير «المحبوب» ــ ذهبت أدراج الرياح بمجرّد دعوته لبقاء بريطانيا في المنظمة الأوروبية، بالتوازي مع نشره مقالاً حول الموضوع، في صحيفة «ذا تلغراف» التابعة لحزب «المحافظين»، أكد فيه أن مصلحة الولايات المتحدة في استمرار بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. حينها، جاءت الكثير من الردود التي طالبته بعدم التدخل بالشأن الداخلي البريطاني، وتولى العمدة السابق لمدينة لندن بوريس جونسون أحدها، قائلاً إن تعليق أوباما «ازدراء» لبريطانيا.
بريطانيا كانت حليفاً فعّالاً لخدمة الأهداف الأميركية في الاتحاد الأوروبي

يوم أمس، استيقطت أوروبا وبريطانيا ومعهما العالم والولايات المتحدة على واقع جديد، وضع أطره الاستفتاء الذي جاءت نتيجته لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي. بذلك، وجد الرئيس الأميركي باراك أوباما نفسه مضطراً إلى التغاضي، لوهلة، عن «مصلحة الولايات المتحدة» والاستدارة نحو 51.9% من البريطانيين، فأعرب عن احترام بلاده لقرارهم. وفي رضوخ للواقع، قال إنه بحث في اتصال هاتفي مع رئيس الحكومة البريطانية «ديفيد كاميرون الصديق والشريك الاستثنائي»، أهمية التركيز على «النمو الاقتصادي والاستقرار المالي».
ولكن عدداً من وسائل الإعلام الأميركية لم يتغاضَ، كما أوباما، عن تداعيات الخطوة البريطانية على أميركا، اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً. فالتهويل الذي كان قد سبقها استمر، أمس، بالإشارة إلى أهمية الحليف الإستراتيجي ودوره في «تمرير» الإرادة الأميركية، ضمن قرارات الاتحاد الأوروبي.
وبناء عليه، كانت الإشارة إلى دعوات المسؤولين العسكريين في أجهزة الاستخبارات الأميركية والدولية، التي حذرت من الـ»بريكست»، وهو ما تطرّق إليه موقع «ديلي بيست»، معتبراً أن خروج بريطانيا يخص الولايات المتحدة، «لأنه يحمل نتائج مباشرة على أمننا القومي». واستند الموقع في ذلك إلى تصريح صادر عن الأمين العام لـ»حلف شمال الأطلسي» ينس ستولسبرع، الذي قال إنه «من أجل محاربة التهديد الإرهابي، نحن بحاجة إلى أن يكون لدى الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي، تعاون أقوى».
الحجة نفسها تكررت على أكثر من لسان، ولكن بصيغ مختلفة، وقد تطرّق إليها المدرّس في «جامعة كولورادو» بيتر هاريس، قائلاً في تعليق نُشر في مجلة «نيو ريبابلك» إن «خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يشكل تحدياً جديداً للاستراتيجية الأميركية الكبرى». واعتبر هاريس أن «هذه الإستراتيجية واجهت ضربة مزدوجة، ذلك أن أحد أقوى حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا قد صوّت للتو لخسارة مقعده على الطاولة في بروكسل».
قد يطاول الضرر
مسائل اقتصادية ودبلوماسية
مهمة

لم يخفِ الكاتب حقيقة أن الولايات المتحدة «لطالما اعتمدت على أوروبا موحّدة وقوية ونابضة بالحياة لمساعدتها على ترسيخ القواعد الأساسية للنظام العالمي، التي تأمل أن يستمر فترة طويلة كفاية خلال القرن الـ21». وهو في هذا الإطار، أشار إلى أنه «منذ انضمامها إلى اللجنة الاقتصادية الأوروبية، عام 1973، كانت بريطانيا حليفاً فعّالاً في خدمة هذه الأهداف، ودائماً ما كانت سنداً يمكن الاعتماد عليه لتوسيع اتحاد أوروبي، مبني على المبادئ الاقتصادية الليبرالية.
وما يثير القلق أكثر من المنظور الأميركي، هو احتمال أن تبدأ دول أخرى في الاتحاد الأوروبي بدراسة فرضية ترك المنظمة الأوروبية. لذا، أشار الكاتب إلى أن الخطوة البريطانية «أتت في وقت سيئ جداً بالنسبة للمخططين الإستراتيجيين الأميركيين، الذين يخوضون في غمار طموحاتهم الرامية للاستدارة نحو آسيا»، معتبراً أن «تفكك وحدة أوروبا، أمر غير مطلوب، ومكلف، ومصدر إلهاء مأساوي لا لزوم له».
استيقظت أوروبا وبريطانيا ومعهما الولايات المتحدة على واقع جديد

من جهته، اعتبر تيرانس غاي، وهو أستاذ في «جامعة بنسلفانيا»، أنّ «الأهم بالنسبة للولايات المتحدة، الآن، هو أنها فقدت صوت لندن في مسائل الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً تلك التي تهم المصالح التجارية والسياسية الأميركية». وفي هذا المجال، ذهب إلى الإشارة إلى أن «موقف لندن من إقرار المسائل المتعلقة بقوانين الخدمات المالية، أقرب إلى واشنطن من أي دولة أوروبية أخرى»، لافتاً إلى أن «هذا الأمر يتضمّن فرض عقوبات على روسيا، والعلاقات مع الشرق الأوسط، والمفاوضات المرتبطة باتفاقية الشراكة الأطلسية للتجارة والاستثمار»، التي يمكن القول إنه جرى القضاء عليها، نتيجة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
ولكن في مقابل ذلك، كانت هناك آراء مغايرة سعت إلى التخفيف من ثقل الخطوة البريطانية المستجدة، على مصالح الولايات المتحدة. فقد أشار كل من جيمس جيفري وسيمون هاندرسون، في تقرير في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، إلى أن «القليل سيتغيّر ربطاً بأساس علاقة لندن الأمنية والاستخبارية مع واشنطن». رغم ذلك، لفتا إلى أن الضرر قد يطاول «مسائل اقتصادية ودبلوماسية».
وذكر الخبيران أن «حُجة أوباما الأساسية لدعواته لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، كانت التجارة»، ليضيفا أنه كان قد صرّح بأن «بريطانيا ستتراجع إلى نهاية القائمة، في ما يتعلق بالاتفاقات التجارية مع الولايات المتحدة، وبالتالي من المفترض أن تصبح خارج اتفاقية الشراكة الأطلسية للتجارة والاستثمار»، التي يجري التفاوض بشأنها، بين واشنطن وبروكسل.
وبناء على افتراض أن الولايات المتحدة ستتابع دورها التقليدي، قدم الخبيران رؤيتهما لتداعيات الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، فاعتبرا أنها "ستكون مهمة ولكن لن تكون دراماتيكية".
طالما اعتمدت واشنطن
على أوروبا موحدة لترسيخ النظام العالمي الذي تريد

ففي ما يتعلق بمجالات التعاون الأمني والاستخباري، ذكرا أنه سيكون هناك تغيير بسيط، ولفتا إلى أن "الولايات المتحدة وبريطانيا كانتا حليفتين مقرّبتين، على مدى 30 عاماً، قبل انضمام الأخيرة إلى الاتحاد الأوروبي". لذا، فإن قضايا التعاون الأمني الثنائية: في المجالات النووية والاستخبارية والتدابير العسكرية وعضوية حلف شمال الأطلسي وعضوية مجلس الأمن الدولي، إضافة إلى تعاون "الأعين الخمس" الاستخباري (الذي يشمل الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا وكندا ونيوزيلندا)، "سيكمل كما هو"، بحسب تعبيرهما. ولكن جيفري وأندرسون عقّبا على ما تقدم مستدركين بالقول إن دور بريطانيا كـ"قوة ناعمة" مكمّلة للولايات المتحدة سيتلقى ضربة جدية، وخصوصاً في إطار تمرير الإرادة الأميركية على السياسة المالية والتجارية داخل الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي ستخسره واشنطن بخروج لندن من الاتحاد الأوروبي، بعدما كانت تمثل قوة ضغط أنغلوــ أميركية، وبذلك "سيتحوّل الاتحاد الأوروبي إلى قوّة قارية".




ترامب: خروج بريطانيا أمر رائع

رأى المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأميركية دونالد ترامب، أمس، أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أمر «رائع»، وذلك عند وصوله إلى اسكتلندا، التي أعلنت انها ترى مستقبلها «داخل» الاتحاد الأوروبي، بعد الاستفتاء البريطاني.
والزيارة هي الأولى إلى الخارج، التي يقوم بها قطب الأعمال الملياردير منذ أن أصبح المرشح الوحيد للحزب الجمهوري في السباق إلى البيت الأبيض.
وقال ترامب للصحافيين، بعدما حطت مروحيته في تورنبوري على الساحل الغربي الاسكتلندي: «أعتقد بأنه أمر عظيم وسيكون استثنائياً. إنه أمر رائع».
ولاحقاً، أشار ترامب خلال مؤتمر صحافي عقده عند تدشينه ملعب غولف في المدينة «أرى تشابهاً مع حملتي» الرئاسية في الولايات المتحدة، مضيفاً أن «الناس يريدون استعادة السيطرة على بلدهم، يريدون الاستقلال بشكل أو بآخر». كما أضاف أن «تدفق اللاجئين» هو سبب الاستياء المسجل في بريطانيا والولايات المتحدة.
(أ ف ب)