يبدو واضحاً أنّ مسؤولي الاتحاد الأوروبي يرغبون في إطلاق مفاوضات خروج بريطانيا في أسرع وقت، لكن من دون أن تكون لديهم القدرة على فرض هذا الأمر. ونقلت وكالة "فرانس برس" عن مسؤول أوروبي قوله، أمس، إن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون "لن يبحث خلال القمة الأوروبية، المقررة غداً وبعد غد في بروكسل، المادة خمسين من معاهدة لشبونة التي تنظم رسمياً خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي". ومن الطبيعي ألا يبحث كاميرون ذلك (إذ ستدخل استقالته حيّز التنفيذ في شهر تشرين الأول المقبل) على اعتبار أنه كان قد أعلن بنفسه أن الحكومة المقبلة هي من سيبدأ إجراءات الخروج.بصرف النظر عن الخطوة التي سيقررها الزعماء الأوروبيون إزاء بريطانيا خلال الأيام المقبلة، فببساطة يبقى التساؤل الذي طرحه أستاذ العلوم السياسية البريطاني، جون ماكورميك، في مقال له في "فورين افيرز" (من كان ليتوقع أن تصويتاً واحداً كفيل بتفكيك الاتحاد الاوروبي؟)، عنوان المرحلة الأوروبية الراهنة.
ازدادت حدّة الانقسامات في بريطانيا وليست أوروبا أفضل حالاً

يرى ماكورميك أنه على الصعيد المحلي، فقد ازدادت حدّة الانقسامات في المجتمع البريطاني بعد نتائج الاستفتاء، مشيراً إلى أن "الحملات التي سبقت الاستحقاق أطلقت العنان لمشاعر قبيحة وعنيفة"، وقد بلغت ذروتها باغتيال النائبة العمالية جو كوكس. ويضيف أن تلك المشاعر قسّمت المجتمع، فوضعت مؤيّدي "البقاء" في وجه مؤيّدي "الخروج"، و"كبار السن" في وجه "صغار السن"، لافتاً إلى أنه نتجت أيضاً "انشقاقات واسعة ضمن الأحزاب السياسية الرئيسية وتغذية الخلافات بين الأفراد في المجتمع الواحد، وحتى في العائلة الواحدة".
وجدير بالذكر هنا أنّه بصفة عامة، فقد تقدّم خيار "الخروج" في تسع من مناطق المملكة المتحدة، وهي أساساً غرب ميدلاندز، يوركشير والشمال الشرقي، في حين أن "البقاء" لم يتقدم الا في ثلاث مناطق، لندن واسكتلندا وإيرلندا الشمالية. وقد بيّنت النتائج صحة التوقع القائل بأنّ الميل إلى التصويت لمصلحة "البقاء" متناسب عكسياً مع العمر، وأنه يرتفع كلما ارتفع مستوى التعليم، إذ إن 60% من الذين تفوق أعمارهم 65 سنة قد صوّتوا للخروج، في حين أن 73% من الأقل من 25 سنة قد فضّلوا البقاء في الاتحاد الاوروبي. كذلك فإن 81% من الطلبة و64% من متخرّجي التعليم العالي كانوا يفضّلون البقاء في أوروبا. كذلك، وفق الكاتبة والمتخصصة في "الدراسات الثقافية" لينسي هانلي، فإن "المجتمع البريطاني متجه نحو تقسيم طبقي حاد"، إذ ترى أنّ "نتيجة الاستفتاء تشير إلى أنّ الطبقة العاملة تفضّل الاتحاد مع بعض الأثرياء في مواجهة الطبقة الوسطى، على أن تستسلم لفكرة أن ما هو جيد لتلك الطبقة هو أيضاً جيد بالنسبة إلى الطبقة العاملة". وترى هانلي أنّ المشكلة الحقيقية لا علاقة لها بعدم تقبّل "القيم الكبرى" و"التنوع"، بل إنّ المشكلة طبقية، وتنعكس من خلال "التفوق الاجتماعي والثقافي والاقتصادي للطبقة الوسطى، وتفاقمه مع مرور الوقت، وتأثيره على الطبقة العاملة".
من جهة أخرى، فإنّ جون ماكورميك يشير ضمن مقاله إلى أنّ أوروبا ليست أفضل حالاً، "بل هي أيضاً متجهة نحو التقسيم"، إذ يرى أنّ "بروكسل خائفة من واقع أن بلدان أخرى سوف تتشجع الآن للقيام باستفتاء حول عضويتها في الاتحاد الأوروبي". ويلفت إلى أنّ "زعيمة حزب الجبهة الوطنية المتطرف في فرنسا، مارين لوبن، وصفت البريكست بالانتصار، وحثّت فرنسا على عقد استفتاء مماثل. كذلك فعل السياسي الهولندي اليميني المتطرف، غيرت فيلدرز، حين تحدث عن نيكست، في إشارة إلى استفتاء في بلاده شبيه ببريكست. وهناك أحزاب يمينية متطرفة أخرى في جميع أنحاء أوروبا تدعو أيضاً إلى مثل هذه الاستفتاءات للخروج من الاتحاد الأوروبي". وفي نقطة مهمة، يرى ماكورميك أنّ "هذا الانشقاق يأتي في وقت لا تزال فيه أوروبا تحاول أن تتعافى من أزمة منطقة اليورو وحل أزمة اللاجئين القادمين من سوريا"، قبل أن يختم بالقول إن "الاتحاد الأوروبي يبحر في مياه مجهولة"، إذ بعد خروج بريطانيا، فإنّ على حكومات الدول الـ27 الأعضاء وقادة المؤسسات الكبرى في الاتحاد الأوروبي "الاستيقاظ".
وفي ما يتعلق بالمستقبل، يقول ماكورميك إن من "الصعب في ظل الاضطرابات الحالية أن يتمكن الاتحاد الأوروبي من القيام بإصلاحات والخروج من هذه الأزمة أكثر كفاءة وأكثر تقبّلاً لما يريده الشعب الأوروبي".