تقف إسبانيا للمرة الثانية في غضون عام أمام مشهد سياسي معقّد، إذ إنّ نتائج الانتخابات النيابية التي أجريت أول من أمس أفرزت كسابقتها برلماناً لا أغلبية مطلقة فيه لأي من الأحزاب. وعلى عكس ما بيّنته استطلاعات الرأي في الأسابيع الماضية، لم يحقق تحالف «متحدون نستطيع» (اليساري) المؤلف من الحزب المناهض للتقشف «بوديموس» ومن «اليسار المتحد»، المركز الثاني الذي طمح إليه رئيس التحالف، بابلو إيغليسياس.
يسود الغموض الحياة السياسية لعدم وضوح طبيعة الحكومة المقبلة

أما اللافت فكان حصول «الحزب الشعبي»، بقيادة رئيس الحكومة ماريانو راخوي، على مقاعد إضافية، وسط مؤشرات على تمكّنه من جذب أصوات وسطية. وجاءت النتائج على الشكل الآتي: 33 في المئة لـ«الشعبي» اليميني (137 مقعداً، أي 14 مقعداً إضافياً عن انتخابات 2015)، 22.7 في المئة لـ«الاشتراكي» (85 مقعداً وهو الرقم الأسوأ في تاريخ الحزب)، 21.1 في المئة لتحالف «متحدون نستطيع» (71 مقعداً)، 13 في المئة لـ«المواطنون» الوسطي (32 مقعداً، متراجعاً بثمانية مقاعد عن انتخابات 2015).
ويسود الغموض مستقبل البلاد لعدم وضوح طبيعة الحكومة المقبلة. فرغم تحقيقه الأغلبية، يحتاج «الشعبي» على الأقل إلى 176 مقعدا لتشكيل حكومة، وحتى بتحالفه مع الوسطيين (حزب المواطنون) لن يحقق راخوي العدد المطلوب من المقاعد. ومع رفض «الاشتراكي» حتى الآن التحالف معه أيضاً، لا يبدو أن الانتخابات الثانية قد حققت حلاً للأزمة السياسة في البلاد، لا بل قد تكون إسبانيا أمام انتخابات ثالثة إذا لم ينل تأييد أكثر من نصف أصوات النواب الـ350.
وقد ينعكس تصدر اليمين في البرلمان مزيداً من القوة والثقة لزعيمه ماريانو راخوي، وزيادة في شرعيته لناحية أنه الوحيد القادر على تشكيل حكومة. وقال راخوي أمام مناصريه ليلة صدور النتائج: «لقد خضنا المعركة من أجل إسبانيا من دون أن نخضع لأحد، حزبنا يستحق الاحترام»، مستعيراً ومناصريه شعاراً لـ«بوديموس» (نعم هذا ممكن)، كنوع من السخرية. وأعرب راخوي عن استعداده لبناء ائتلاف حكومي مع «الاشتراكي»، معتبراً أن تصويت الشعب الإسباني لهذين الحزبين هو أمر صحي وتأكيد على دورهما «في بناء إسبانيا على مدى 40 عاماً». لكن رغم حماسته، فإن سعي راخوي للتوصل إلى اتفاق مع «الاشتراكي» قد لا ينجح، في ظل تأكيد زعيمه، بيدرو سانشيز، رفضه ذلك ما دام راخوي على رأس «الشعبي».
ويمكن القول إنّ «بوديموس» عرف خيبة أمل إثر تلك النتائج. فبعد أشهر من الأخذ والرد ورفض التحالف الحكومي مع سانشيز، أقدم بابلو إيغليسياس أخيراً على عقد تحالف مع اليسار التقليدي المتمثل في حزب «اليسار المتحد»، وهو ما كان من المفترض أن يضمن له مليون صوت إضافي، ويحرز له مركز «ريادة اليسار في البلاد»، لكن ذلك لم يتحقق.
وعّبر بابلو إيغليسياس عن عدم سعادته بالنتيجة «لأننا توقعنا شيئاً مغايراً»، وقال إنّ «ما حققناه تاريخي وغير مسبوق، لكننا انتظرنا نتائج مختلفة، ونحن قلقون لازدياد دعم المعسكر المحافظ». وقد يُعتبر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي واحداً من الأسباب التي ساهمت في تراجع «بوديموس»، وفق تقرير في صحيفة «ميديابارت» الفرنسية، لأنّ ذاك الحدث شكّل دفعاً للأحزاب التقليدية في البلاد. ويأتي ذلك بينما يروّج تيار الرجل الثاني داخل «بوديموس»، إينيغيو إيريخون، إلى أن تحالف إيغليسياس مع اليسار «القديم» المتثمل في «اليسار المتحد» لم يكن خياراً موفّقاً، وساهم في إبعاد الأصوات.

(الأخبار)